د.طارق مرسى الدورة الثلاثينية الشيطانية.. انتبهوا قبل الندم!!

الدورة الثلاثينية الشيطانية.. انتبهوا قبل الندم!!
dr. Tarek Morsy
الأربعاء, 30/03/2011 - 10:04

هل انتبه الجميع؟.. كتبت مقالتي السابقة (التي انتقدت فيها بعض شيوخ السلفية على الفيسبوك) كصوت صارخ لأنبه الغافلين عن مصيرهم وقد انشغلوا عنه بسبب اندفاعهم وسط حفل صاخب رغم أنهم لم يدعوا إليه.. اتفق معي الكثيرون وأغلبهم سلفيون مثلي.. خالفني البعض إما على المضمون من الأساس أو على طريقة الطرح الحادة ، بل والوقحة التي خرجت مني بلحظة انفعال اعتذرت عنها في تنبيه أضفته في مقدمة المقال مع تعديل عنوانه.. والنسبة الأقل جدا لم تناقشني.. بل اكتفت بسبي على (الخاص).. كنت أكثر احتفاءا بمن خالفني وناقشني بل ورحبت بأن ينقلوا ما كتبته إلى من جهلت عليهم إن وجدوا فرصة إلى ذلك.. كنت أريد أمرا واحدا.. هو أن يتساءل من أعنيهم: من هذا الذي يصرخ؟.. هو كاتب مغمور لا شهرة له فماذا يريد؟.. كيف يتطاول علينا ونحن أفنينا أعمارنا في خدمة الدعوة إلى الله تعالى حتى صرنا ملئ السمع والبصر؟.. الآن إذن فاسمعوني فقد أكون على ضعفي وتقصيري وقلة إلتزامي رشيدكم اليوم كرشيد موسى بن نصير رحمه الله
منذ أن انتهت الحرب العالمية الثانية كما تعلمون جيدا برزت قوتان متناغمتان.. أمربكا كقوة عالمية وإسرائيل كقوة إقليمية.. وتعلمون أفضل مني كيف ورثت أمريكا القوتين الإستعماريتين التقليديتين إنجلترا وفرنسا في المنطقة ومن أجل تحقيق ذلك تعاونت أمريكا مع وكلاء محليين لمساعدتها على تصفية نفوذ هاتين القوتين.. لكن لايكفي فقط تصفيتهما كخطر خارجي.. بل لابد من تصفية أي أخطار داخلية محتملة وأهم خطرين داخليين كانا: 1- الإسلام (الراديكالي في العرف الأمريكي).. 2- الشيوعية (الثورية التي لا يمكن إستئناسها).. ولأن التربة المصرية تصلح لنمو الخطر الأول أكثر من الثاني كان من المهم وضع استراتيجية للتعامل مع هذا الخطر بصفة دورية تجهض الوصول لمرحلة الإثمار أولا بأول.. والثمرة التي تخشاها أمربكا في بلد كمصر هي ما عبر عنه الباحث الدكتور حامد ربيع رحمه الله في (الاستعمار والصهيونية وجمع المعلومات عن مصر ) عندما قال: لو استطاعت مصر أن تهيئ لنفسها قيادة حقيقية فهى مؤهلة، لأن تجمع تحت رايتها جميع دول المنطقة العربية، وهذا يعنى نتيجتين
أولاً: انتهاء إسرائيل سواء باستئصالها واقتطاع وجودها، أو بذوبانها وابتلاعها
ثانياً: وضع حد لعملية النهب التى تمارسها القوى الدولية والشركات الكبرى المتعددة الجنسية فى جميع أجزاء المنطقة العربية
فهل من السهل قبول أمريكا بحصول المصريين على هذه الثمرة؟.. إذن لابد من خطة تدمر الثمرة كلما نضجت.. وقدرت أمريكا فترة نضج الثمرة بثلاثين عاما.. تقل قليلا أو تزيد
وفي خلال الثلاثين عاما تمر خطة الأمريكان بثلاث مراحل للتعامل مع الخطر الإسلامي: (الإظهار ثم التشجيع ثم فخ العنف).. والطريف أننا لدغنا من ذات الجحر مرتين (سنتي 54 ، 81 ) رغم أنه لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين بل ونوشك أن نلدغ الثالثة وهذا ما أغضبني في المقال السايق.. كيف؟
أولا/ الدورة الثلاثينية الأولى: 1 الإظهار: برزت الحاجة لإعادة التأكيد على هوية الأمة منذ سقوط الخلافة العثمانية.. ظهرت عدة اتجاهات إسلامية منها أنصار السنة سنة 1926 م.. تلتها الجماعة الأهم والأشهر (حتى الآن) الإخوان المسلمون.. استمر الإخوان كجماعة دعوية تدعو لمكارم الأخلاق حتى سنة 1938م
2- التشجيع على التدخل بالسياسة ومحاولة فرض نوع من السطوة الفكرية على المجتمع بدأت سنة 1938 م عندما عرضت الجماعة حلا إسلاميا لكافة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعانى منها البلاد في ذلك الوقت واتفقت مع مصر الفتاة في رفض الدستور والنظام النيابى على أساس أن دستور الأمة هو القران.. استمرت تلك الفترة حتى 48 م
3- الوقوع في فخ العنف تمهيدا لضربة موجعة تدمر الثمرة: كان النظام الخاص قد نشأ سنة 40 بالفعل ولكنه بدأ يمارس أعمال عنف سنة 48 بقتل القاضي أحمد الخازندار ثم النقراشي باشا.. فانتهت العلاقة الطيبة التي كانت تربط الإخوان بالقصر.. يقول الإخوان: إن السندي كان شخصا منفلتا من الإلتزام بمبادئ الجماعة وأنا أميل لتصديقهم لكن مع تحميلهم اللوم على اختياره من الأساس.. على كل حال فالمخابرات الأمريكية كانت قد بدأت تنشط بمصر ولا شك عندي أنه تم تجنيده بطريقة ما لتقترب أول دورة ثلاثينية من الانتهاء ودائما ما يكون هدف المخابرات شخص مندفع مثل السندي وبدون الدخول في تفاصيل كثيرة.. لعب المستر (كافري).. السفير الأمريكي بمصر وقت (ثورة) يوليو (وهو ذات السفير الذي لم يتول سفارة بلاده في أي بلد سواء بأمريكا اللاتينية أو بالشرق الأوسط إلا وحدث فيها إنقلاب عسكري وراجعوا كتاب (كلمتي للمغفلين) للكاتب الرائع الراحل محمد جلال كشك رحمه الله.. المهم لعب كافري وكيرمت روزفلت (رئيس المخابرات الأمريكية بالشرق الأوسط) دورا هاما في دعم (بعض) الضباط الأحرار.. وكان همزة الوصل مع عبد الناصر هو مايلز كوبلاند وبعض الصحفيين المصريين (وأهمهم كما تعلمون هيكل)... (مايلز كوبلاند مؤلف لعبة الأمم)... نختصر ، نختصر.. المسألة ممكن تطول قوي وتناموا مني.. حاضر طيب ما تزقوش... في الآخر تم استقطاب عناصر من الإخوان لتنفيذ محاولة إغتيال فاشلة للزعيم عبدالناصر.. ليتعاطف الناس مع عبدالناصر فينال الشعبية التي يبحث عنها بعد أن كان الناس (مش طايقين سيرته) بسبب إنقلابه على الرئيس الشرعي محمد نجيب وفي نفس الوقت يجد المبرر لتنفيذ ما يطلبه الأمريكان من قمع الحركة الإسلامية سنة 1954 م بعنف مفرط لا يميز بين المعتدل (وهم الأغلبية.. ليس دفاعا عن التيار الإسلامي ولكن الاعتدال طبيعة في المصريين يحملونها معهم في أي إتجاه سياسي يسلكونه) والإرهابي أو المتشدد جدا لدرجة الميل لاستخدام العنف.. (إنت بتقول: يجد المبرر لتنفيذ ما يطلبه الأمريكان.. ليه عاوز تقول عبدالناصر عدو الإمبريالية الأول في المنطقة كان عميل أمريكي؟).. للإجابة على تساؤلات البعض عن شخصية عبدالناصر المركبة (والمربكة).. نعود فنؤكد أنه لا يوجد في البشر خير محض.. أو شر مطلق.. ولكن الإنسان مركب معقد بينهما.. ثم عند إختبارات جسيمة معينة يتعرض لها تميل الكفة.. بناءا على قدرته على الاختيار في وقت لا يستطيع فيه الإمساك بالعصا من المنتصف.. إلى أحد الجانبين.. ووفق إختياره يكتب إسمه في التاريخ.. ولهذا كثر بين الكتاب والسياسيين مناشدة مختلف الزعماء على مر التاريخ عند أحداث معينة بضرورة أن يأخذ هذا الزعيم أو ذاك موقفا تاريخيا.. فمنهم من يفعل.. والغالبية تتخاذل لينهوا حياتهم كزعماء تقليديين... معلومة صغيرة لمن أراد أن ينتبه لجذور اللعبة في مصر: تم سنة 55 إنشاء المعهد الاستراتيجي (بجوار برج القاهرة الذي تبرعت المخابرات الأمريكية بثلاثة ملايين دولار تكلفة إنشائه وقتها) وكانت تدرس به محاضرات المخابرات الأمريكية عن طريق شركة بوزآلف وهاملتون الأمريكية لضباط المخابرات المصرية والمباحث وضباط أمن الوزارات وبعض أعضاء السلك الديبلوماسي بالخارجية المصرية وعن طريق هذا المعهد تم تجنيد نواة شبكة عملاء المخابرات الأمريكية من ضباط ومسئولين مصريين.. وهذه الشبكة مازالت موجودة إلى الآن .. طبعا مع التطوير وتجدد الدماء باستمرار همم.. ياااااه.. مشكلة غزارة المعلومات أنها تجعل من يكتب مقالا قد يتوه ويفقد السيطرة على ما يكتب فيتوه القارئ منه وينصرف الغالبية عن إكمال المقال حتى قبل الوصول لمرحلة الهدف من المقال ذاته.. هل أطمع أن تصبروا قليلا؟.. نسترجع ما أكدنا عليه: أمريكا لا تريد أن يصل المصريون لثمرة أن يحكمهم حاكم حقيقي منهم يقود المنطقة في وجه إسرائيل والهيمنة الغربية على الثروات والموقع الاستراتيجي.. لذلك تحاول تأمين مصر من خطر الإسلاميين أو الشيوعيين الثوريين.. لكن نظرا لأن الخطر الثاني ضعيف بمصر فكان ما يهمها الخطر الأول.. تتعامل معه بطريقة الإظهار ثم التشجيع ثم فخ العنف وصلنا إلى فخ العنف فكان لزاما أن نعطي تنويها عن إختراق المخابرات الأمريكية للداخل المصري منذ فترة حتى تستطيع تجنيد بعض المندفعين من داخل التيار الإسلامي نفسه وقت الضرورة.. تم تجنيد السندي قبل الثورة ولكن لم يكن الملك فاروق قادرا على إتخاذ الضربة القاضية فاستبدلته المخابرات الأمريكية بعبدالناصر مع إعادة تشجيع مرحلي للإخوان ثم استقطاب عناصر جديدة منهم للوقوع بفخ العنف كان أهمهم محمود عبداللطيف (مطلق الرصاص على عبدالناصر) وكان همزة الوصل خليفة عطوة.. هل ذلك يعني محاولة تبرئة الإخوان وإلقاء اللوم على عدد محدود منهم تمت عملية تجنيدهم بدون علم الأغلبية الساحقة من التيار الإسلامي وقتها؟.. برأيي أنه لا يمكن إعفاء الإخوان من اللوم تماما وهذا ما سنصل إليه لاحقا بالمقال.. المهم وقع الإخوان بالفخ فقام عبدالناصر بتوجيه الضربة المطلوب تنفيذها بعنف مفرط.. واستمرت فترة حكمه مع ذلك في شد وجذب ومتابعة بضربات إضافية لضمان عدم تشكيل التيار الديني أي خطر على المصالح الأمريكية بالمنطقة!!.. في نفس الوقت الذي كان يهاجم فيه الإمبريالية والصهيونية ليل نهار.. كان عبدالناصر شخصية معقدة.. فبالرغم من دوره إلا أنه كان في قرارة نفسه شخصا وطنيا ونزيها ولكن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة.. فكم من عميل يقنع نفسه بأن ما يفعله هو من أجل بناء الوطن وتجنيبه مخاطر لا يعلم مداها سوى الزعيم الملهم المطلع على مالا يعلمه الآخرون!!.. كذا يظن في نفسه
الآن آن الأوان للدورة الثلاثينية الثالثة.. (هه!.. ثالثة! أين ذهبت الثانية؟).. آه أعذروني.. هذا ما يحدث عندما يكتب أحدنا مقالا بدون إعداد جيد.. فقط بطريقة إنسياب للمعلومات بعفوية مع صعوبة التحكم في الترتيب.. الدورة الأولى بدأت سنة 1926 ببدئ ظهور تيارات إسلامية منظمة وانتهت سنة 1954.. الدورة الثانية بدأت سنة 1954 وإلى 1981م.. والثالثة بدأت بإغتيال السادات وتوشك أن تنتهي لتبدأ دورة رابعة.. كانت الثالثة أكبر قليلا من سابقتيها نظرا لازدياد مكر المخلوع عمن سبقوه.. لابد من إعادة إظهار من يمكن أن يتعاطف مع الإسلام ثانية.. ثم تشجيع من أراد منهم أن ينضم وينخرط في العمل الإسلامي.. لذا جاء السادات.. فدور عبدالناصر انتهى.. قيل إن السادات شجع التيار الديني بالجامعات المصرية لمواجهة النفوذ اليساري والناصري.. في حقيقة الأمر هذا ما أوحاه الأمريكان إليه لرغبة الأمريكان ببروز التيار الديني.. ولكن حتى لو لم يوجد بالجامعة يساريون وناصريون لوجد الأمريكان حجة أخرى لإقناع السادات بتشجيع ذلك التيار بالجامعات المصرية.. فالأمر مقصود.. فالمنطق الأمريكي يعتمد على (أخرجوا الجرذان من جحورهم لنعلم حجم المشكلة التي نواجهها فيسهل القضاء عليها).. لا يريد الأمريكان أن يصل للحكم يوما إنسان بسيط متدين ذي خلفية إسلامية أو وطنية خالصة بدون أن ينتبهوا إليه.. (كيف مر إلى تلك المرحلة بدون أن نكشف وجهه الحقيقي؟).. وهكذا ظهر حجم المشكلة جليا واضحا.. (شعب كئيب ، ماله لا ينبذ الدين ويريحنا.. طوال هذه الفترة كان الدين مختبئا بالنفوس؟.. انتم اللي بتجيبوه لنفسكم.. إشربوا بقة).. بعد ظهور التيار تم تشجيعه ليبدأ بفرض سطوته الفكرية على الجامعة والمجتمع (وهذا يشبه الوضع الحالي).. ولو أن التيار الإسلامي اكتفى بالحرية التي حصل عليها ومارس الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ولم يتدخل بعنف لقمع المخالفين في السبعينات (منع حفلات موسيقية بالجامعة.. اعتداء على المخالفين بالرأي.. فرض بعض المظاهر الإسلامية بالقوة).. لو لم يحدث ذلك لاكتسب كل يوم أرضا جديدة بهدوء لأن طبيعة الشعب هي حب التدين ولكن في نفس الوقت العند الذي يؤدي لردود فعل معاكسة.. ليس كل الإسلاميين وقتها كانوا يمارسون العنف الفكري.. ربما أقلية فقط لكنها كانت ظاهرة.. وكان المعتدلون صامتين.. غير منتبهين إلى أين يمكن أن يصل الشباب المندفع في درجة إندفاعه.. في ذات الوقت كانت المخابرات الأمريكية تعد رجلها الجديد بهدوء.. السادات لا يصلح لتوجيه الضربة الثانية للتيار الإسلامي.. تماما مثل فاروق.. كلاهما متشابهان.. فيهما ضعف نفسي يسميه المصريون (رحمة) ولكنه كان يصلح فقط لمرحلة التشجيع للتيار.. أما مرحلة القمع الحقيقي بعد سقوط التيار بالفخ فأمر آخر.. تم الضغط على السادات لتعيين نائب غامض له.. لا يعلم عنه أحد أي خبرة سياسية.. تعجب الكثيرون: إلى ماذا يرمي السادات؟.. ثم تم التخلص من الفريق أحمد بدوي وزير الدفاع وكبار قادة الجيش بحادث عجيب .. (هل من الصدفة أن يكون هؤلاء من المعترضين على شخص النائب؟ وهل من الصدفة ألا يكون بالطائرة رئيس الأركان وقتها المشير أبوغزالة أحد الأصدقاء المقربين جدا من النائب وشريكه في شركة كبيرة لتجارة السلاح وربما سمع بعضكم عن الأجنحة البيضاء أو الأجنحة الأربعة والتي تضم إلى جوار الرجلين السابقين منير ثابت وحسين سالم).. في السياسة يا أذكياء لا توجد صدفة ، هذه هي القاعدة حتى يثبت العكس،.. ثم هل من الصدف أن يكون عبود الزمر ضابط مخابرات.. والإسلامبولي ضابط بسلاح المدفعية (السلاح الذي ينتمي إليه أبوغزالة).. وأن من قام بدعم القتلة بالذخيرة الحية وإبر ضرب النار لواء بالجيش تم إعتباره كشاهد ملك بدلا من محاكمته كشريك بالاغتيال؟ وهل من الصدفة أن تأمين العرض العسكري انتقلت مسئوليته من المخابرات الحربية إلى الحرس الرئاسي بإشراف مندوب رفيع من المخابرات الأمريكية قبيل اغتيال السادات.. أو أن عربة الإسلامبولي لم يتم تفتيشها رغم تفتيش ما أمامها وخلفها.. وكل ذلك ثابت في التحقيقات وبدأ بعضه يتكشف على وسائل الإعلام بعد خلع مبارك.. لكن رغم الحبكة المحكمة مقارنة بحادث المنشية (محاولة إغتيال عبد الناصر قبلها بنحو 27 عاما).. إلا أنه لإكمال الإخراج لابد من استدراج عناصر حقيقية من الجماعات الإسلامية للوقوع بفخ العنف لتبرير الضربة الأمنية العنيفة.. فكان استدراج بعض ممن نفذوا عملية المنصة (وهم من تم إعدامهم شنقا فيما بعد بحضور تمثيل قوي من وسائل الإعلام وسلمت جثثهم لذويهم) بينما لم يشهد أحد من الصحفيين والإعلاميين إعدام القتلة العسكريين رميا بالرصاص ولم تسلم جثثهم لذويهم أما من دخل منهم السجن لمدة 30 عاما فقد خرج الآن على الملأ سليما معافى قويا بصوت مسموع غير مضطرب (ما شاء الله لاقوة إلا بالله حتى لا تظنونني أحسده).. ولا تبدو عليه أي آثار تدل على ظروف سجنه السيئة الطويلة وظروف التعذيب التي يزعمها!!.. هل أنا وحدي من لاحظ ذلك؟.. ما علينا.. المهم وقع بعض البسطاء في فخ العنف فشاركوا بحادث المنصة (رغم أن الرصاصات الثلاث وفق تقرير الطب الشرعي تتحدى أن يزعم أحد أنها أطلقت من الأمام للخلف).. وشارك آخرون بالهجوم على مديرية الأمن بأسيوط.. فاكتمل مبرر سحق التيار الإسلامي.. وقام مبارك بالمهمة على أكمل وجه.. يظن البعض أنه كان ودودا محبوبا في السنوات الأولى من حكمه.. لكن لو قرأتم كتابا اسمه (الأصولية في مصر و الشرق الأوسط).. ولا أذكر اسم المؤلف فقد قرأته منذ ما يزيد على عشرين عاما.. لكنه ضابط مخابرات أمريكي على كل حال.. فستلاحظون الكم الكبير للجماعات الإسلامية التي تناولها الكاتب وبعد وصفه لكل جماعة منها كان يذيل تقريره عنها بعبارة واحدة متكررة (قمعها مبارك) .. لكن مبارك كان أذكى من عبدالناصر.. فسارع بتشجيع التيار الإسلامي بعد سحقه في حياته ليعطي المبرر لبقائه فترة أطول من عبدالناصر حتى لا يحتاج الأمريكان لرجل آخر كالسادات ليكمل مشوار عبدالناصر (فعبد الناصر قمع بعد فخ العنف.. والسادات إظهار وتشجيع.. أما مبارك فهو يساوي مجموع الرجلين :وزيادة حتة!!) ..بعد.. "بل أثناء".. قمعه للجماعات المتشددة (كما صور هو للناس ولم يكن أغلبها كذلك) شجع التيار السلفي لكنه أبقاه تحت أضراسه.. واستخدم الإخوان فزاعة للغرب في نفس الوقت ولما رأى التيار الإسلامي لم يعد يوجد بداخله من يبادر بالعنف منذ أواخر التسعينات فقد قرر أن يصنع مثل ما صنع الأمريكان (في اختراعهم للقاعدة) فأنشأ وزير داخليته جهاز مواز لأمن الدولة أسماه الأمن السياسي كان أهم أهدافه إنشاء جماعات إرهابية تقوم بعمل جريمة هنا وهناك بين الآن والآخر تنسب للتيار الإسلامي (كتفجيرات الشرم وجريمة كنيسة القديسين).. وكان عنده التيار السلفي كمتهم مدان مسبقا تحت الطلب في أي وقت!! وظهر ذلك جليا ببدئ حملة تستهدف السلفيين عقب التفجير الأخير!!.. فيشعر الجميع بأهمية بقاء مبارك لمواجهة هذا الخطر الداهم!!.. لكن أتت الرياح بما لا تشتهي سفنه.. ثورة!!.. وهل بإمكان هذا الشعب أن يثور؟.. لعل مبارك ليس قارئا جيدا للتاريخ (القريبون منه أكدوا أنه يكره القراءة أصلا) ..فلم ينتبه إلى أن ثورات المصريين تأتي متأخرة لكنها لا تترك شيئا قائما على أصوله إن حدثت .. وسماها الغرب ثورة الجمال وهو توصيف محق إذا لاحظنا أن الجمل يصبر كثيرا لكنه لا ينسى ثأره ولو قرر الأخذ به فقد يقضم ذراع من ظلمه أو حتى رأسه ولو بعد عشرات السنين.. انقلبت كل خطط مبارك رأسا على عقب.. ويخطئ من يظن أن الأمريكان خططوا لتلك الثورة لمللهم من مبارك.. نهاية الدورة الثلاثينية الثالثة كانت ستحدث حتى لو بقي مبارك فقد أظهر الإسلاميون (مرحلة 1) أنفسهم بل وصارت لهم فضائيات لأول مرة.. وربما اكتفى مبارك بتشجيع مظاهرات السلفيين ضد الكنيسة كتمثيل محدود لمرحلة 2 مع الإيعاز لبعض الفضائيات وبرامج التوك شو بتسليط الضوء عليها وإدانتها إضافة لمقالة روزاليوسف عن أخطر رجل في مصر!! ربما ظن أن هذا كاف لتكوين حاجز نفسي ضد السلفيين والتيار الإسلامي عموما لضربه بعنف بدون أن يتحرك المجتمع المصري إذا انتقل مبارك لمرحلة 3 .. وقد تكون كنيسة القديسين هي ما نفذه مبارك ليعطي مبررا قويا لقمع شامل على غرار 1981 فمبارك أصبح خبيرا بتلك العمليات القذرة وبدأ كثير من الناس يربط بين العنف ضد المسيحيين وبين انتشار التيار السلفي!!.. لكن الثورة غيرت الخطط الأمريكية.. وأمريكا قد تكون غير صانعة لجميع الأحداث لكنها تجيد فن التعامل معها واستيعابها إن فاجأتها لإعادة مسار الاستراتيجية إلى الوجهة الصحيحة (من وجهة نظرها) بالطبع .. وإلى هنا نأتي.. (هيييه.. المقالة خلصت.. أخيرا يا عمنا.. إحنا صبرنا أهو للآخر مع إننا كنا حنفطس منك).. لا.. سامحوني.. أقصد :إلى هنا نأتي لبداية أحداث جديدة توشك أن تحدث (....!! ) فكل ما ذكرناه كان تأريخا لأحداث وقعت بالفعل.. إن الدورة الثلاثينية الثالثة لم يسدل عليها ستار الختام بعد.. فشل مبارك في وضع اللمسات الختامية للدورة الثالثة كما فعل مع الدورة الثانية.. الوضع الآن مقلق للمخابرات الأمريكية فهذه أول مرة تواجه تلك المخابرات ثورة شعبية مصرية حقيقية فما حدث سنة 1952 لم يكن ثورة بالمعنى المفهوم بل في حقيقة الأمر كان تحركا استباقيا بالتنسيق مع الأمريكان لإجهاض ثورة شعبية ضد الملك والإنجليز والغرب وإسرائيل في آن واحد.. أما الآن فالوضع حرج لكن لا ييأس الأمريكان أبدا.. سآخذ المسألة للإختصار من ناحية التيار الديني.. لابد من التراجع عن الوقوع في فخ العنف مرحليا إلى إعادة التشجيع على السطوة الفكرية على المجتمع.. لابد أن يزداد الحاجز النفسي اتساعا بين المجتمع والتيار الديني قبل أن يستقطب الأمريكان وأذنابهم عناصر متشددة للوقوع في فخ العنف.. ما فعله مبارك في آخر أيامه كان (سلق بيض) في نظر الأمريكان.. كام مظاهرة من السلفيين ضد الكنيسة لا تمثل سطوة فكرية واسعة حقيقية على المجتمع.. بل ربما تعاطف المجتمع المصري مع تلك التظاهرات لتأثره بقضية كاميليا بالفعل.. وحادث القديسين لم يكن على الرغم من بشاعته.. واضحا جليا أن التيار الديني السلفي خلفها خاصة بعد استشهاد سيد بلال تحت التعذيب ففضح سيد رحمه الله أكاذيب أمن الدولة بتلفيق القضية .. لا بد إذن من مرحلة 2 وتليها مرحلة 3 مرة أخرى لكن بصورة متقنة وواضحة ومؤثرة هذه المرة وللعودة لمرحلة 2 إذن يجب إعادة الفضائيات الإسلامية وبدون تضييق هذه المرة .. التورط بتصريحات تدل على إتجاه التيار السلفي للإنخراط في الحياة السياسية وتكوين أحزاب والدخول إلى البرلمان رغم أن ذلك كان من الممنوعات في المنهج السلفي حتى وقت قريب جدا.. الإدلاء بتصريحات يفهم منها البسطاء أن السلفيين يفضلون خيارا سياسيا على الآخر من منطلق ديني يؤثم من يختار الاتجاه الآخر.. عقد مؤتمرات سلفية بالجامعات يحضر بها كبار العلماء وهو ما كان ضربا من الخيال لوقت قريب ويذكرنا بسطوة التيار الديني فكريا على الجامعات في سبعينات القرن الماضي.. وفي خضم ذلك تبرز إتجاهات من داخل التيار تشير إلى سهولة الانتقال إلى مرحلة 3 في أي وقت.. مثل طرح فكرة الموت دفاعا عن المادة الثانية من الدستور في حالة المساس بها (ولا أظن الشعب المصري كان يفكر بالمساس بها أصلا بمسلميه ومسيحييه إلا أن استخدام التهديد مع الشعب قد يأتي برد فعل معاكس).. الهجوم بعنف على رموز سياسية وقانونية بتهمة العيب في الذات الإلهية (ومع الإقرار أن هذا السياسي أو ذاك أخطأ بزلة لسان لا تليق إلا أن الأمر يبدو وكأنه تصيد لزلات اللسان وتحريض قد يؤدي لقيام بعض البسطاء المندفعين بعمل لا تحمد عواقبه).. تصرفات سلوكية عنيفة من شباب السلفيين قليلي العلم والخبرة تبين لجوءهم للعنف لفرض الرأي على المخالفين (تعددت الشكاوى من نساء منتقبات اعتدين بالسب أو الضرب على نساء أخريات بالاستفتاء لأنهن اخترن الرأي المخالف.. كما سمعنا عن منع المنتقبات لغير المحجبات من دخول لقاء جامعة عين شمس مع الداعية الفاضل الشيخ محمد حسان.. وأعلم تماما أن تلك تصرفات فردية لكن لأن السيئة تعم والحسنة تخص فيجب أن ينتبه الشيوخ للتأكيد على منع ذلك وتأثيمه فالله تعالى يقول: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك).. آن الأوان إذن ليفهم السلفيون السيناريو الآتي والذي يتم إعداده حاليا لضرب الحركة الإسلامية
1-العمل على تعميق خوف المجتمع وكراهيته لأي متدين يظهر دينه خاصة إن كان ملتحيا أو إمرأة منتقبة
2- تشجيع بعض الشيوخ على الإدلاء بتصريحات مندفعة أو الانخراط في الحياة السياسية (وأرجو أن ينتبه أي شيخ لذلك الشخص المتدين الورع الذي يظهر لك حبه لما تقوم به أنت وباقي السلفيين.. ولكونه لواءا سابقا أو مسئولا سياسيا بارزا فهو يطمئنك أن الوقت الآن قد حان لإعلاء كلمة الله وأنه كان دائما ضد النظام ومحبا لكم ولدعوتكم.. هذا الشخص بالذات وأمثاله إياكم يا شيوخ أن تثقوا بهم وتطمئنوا لتشجيعهم فذاك استدراج).. هل وصلت تلك النقطة بالذات؟.. أنا أعلم أن الشيوخ المندفعين لهم نوايا حسنة لكن هذا وقت التريث والتأمل لا الاندفاع
3- تشجيع الشباب السلفي على بسط النفوذ على المجتمع كنوع من (العزة لله ولرسوله وللمؤمنين).. ولكن إن لم ينتبه الشيوخ لتصرفات الشباب الغير منضبط فأحيلكم للنقطة الرابعة
4- استدراج بعض المندفعين من داخل التيار أو بعض المتأثرين به وتجنيدهم عن طريق خلايا المخابرات الأمريكية للقيام بعمليات إرهابية كبرى على غرار إغتيال السادات.. قد يكون في صورة إغتيال لشخصية بارزة (أساءت للذات الإلهية) وقد يكون إغتيال لأول رئيس جمهورية منتخب بعد أشهر قليلة بحجة أن هذا الرئيس (البرادعي مثلا) له أجندة أمريكية مضادة للإسلام( تاني أجندات؟) وأن ابنته متزوجة بكافر وأنه ضد الشريعة الإسلامية (والطريف أن كل تلك الاتهامات ثبت خطؤها وإفتراؤها على شخص الرجل الذي تعامل مع التيار الديني باحترام وتعاون لم يكن يتصوره أحد من رئيس مصري قبل ذلك).. فلو حدث ذلك لا سمح الله تكون أمريكا قد نجحت في إعادة توجيه استراتيجيتها وتقفيل الدورة الثلاثينية الثالثة لتبدأ الرابعة على الفور بعد أن يظهر المنقذ (الفرعون) الجديد والذي يتم إعداده الآن في الظل.. كالرجل القوي الباطش الذي سيطالب به الشعب لسحق هؤلاء الوحوش العفنة التي قتلت حلم الديمقراطية لدى الشعب المصري بقتلهم أول رئيس منتخب بحق وحقيقي في تاريخ مصر.. هذا ليس رأيي ولكن هذا ما سيظهره الإعلام وما سينتشر وقتها بين الناس..
المشكلة الآن أن الإختراق الأمريكي لمصر قد اتسع لدرجة مفزعة بحيث من السهل أن يشك كل منا في الآخر.. في الجيش مثلا.. لاشك أن الغالبية من الضباط بمن فيهم المجلس الأعلى للقوات المسلحة شرفاء وغير متورطين بالانصياع لتعليمات من المخابرات الأمريكية تضر بالأمن القومي بعد تجنيدهم.. لكن أتمنى أن يقوم المجلس الأعلى بمراجعة قضايا وحوادث معينة.. مثلا.. حادثة مقتل 30 من خيرة ضباط القوات المسلحة في طائرة مصر للطيران العائدة من أمريكا أواخر التسعينات.. ممكن تراجعوا ما الذي حدث معهم بأمريكا بالضبط ولماذا تم قتلهم (بصاروخين أمريكيين).. ربما لأنهم أو بعضهم تمت محاولة تجنيده فرفض وقرر الإبلاغ بمجرد العودة.. ومن بقي في أمريكا وقتها ولم يعد على نفس الطائرة؟.. بدأت الآن أتحسس رأسي... لا لا لا لا .. أنا لا أعرف معلومات محددة.. دي كلها مجرد تخمينات مشروعة لأي واحد بيفكر.. الله يرضى عليكم ماتفتكرونيش بهذه الخطورة.. ده انا غلباااان .. خلونا في التيار السلفي أهون
نصائحي الأخيرة (والأخيرة والله العظيم.. كفاية كدة) لكم أيها الشيوخ الأكارم
1- ضرورة الإنسحاب من الجامعات فورا وتحجيم المؤتمرات السلفية والاكتفاء بالدعوة في المساجد كما كان العهد بكم وترك الخوض في الشأن السياسي..
2- العودة فقط لدروس العقيدة الصافية والفقه والسيرة والحديث والرقائق مع وضع برنامج للتثقيف السياسي والإعلامي والفكري وأعلم أن الدكتور محمد إسماعيل المقدم حفظه الله شخصية متزنة ومضطلعة على الشئون السياسية والفكرية فليته يتولى هو هذا الجانب ولكن يجب الاستعانة أيضا بخبراء إعلاميين وسياسيين لتدريس هذه الجوانب الهامة للشباب السلفيين حتى لو كان هؤلاء الخبراء غير سلفيين
3- أن تقوم الفضائيات السلفية بالتركيز على علوم الشريعة أما إن قدمت برامج لشئون الحياة فعليها أن تعرض كل الآراء وتناقشها بهدوء من وجهة النظر الإسلامية دون فرض الرأي على المشاهد
4- عدم الانجرار لمعارك غير مطروحة كقضية الشريعة الإسلامية وإذا ناقشكم البعض فيها: ماذا ستفعلون لو تم المساس بالمادة الثانية؟ فأجيبوا: هذا السؤال غير مطروح أصلا لأن الشعب المصري متدين بفطرته ولن يقبل المساس بها بل إن إخواننا المسيحيين أعلنوا وقوفهم مع إخوانهم المسلمين في عدم المساس بها (بعض الأخوة السلفيين سيتحرجون من قولي: إخواني المسيحيين.. لكن أذكركم أن هذه الأخوة هي أخوة الوطن وليست الدين والله تعالى أثبتها في كتابه كقوله تعالى "وإلى مدين أخاهم شعيبا" ، "وإلى عاد أخاهم هودا".. الخ).. فالمسيحيون إخواننا في الوطن وإن خالفوا ديننا وهذا واضح.. كذلك مسألة التسميات مسيحيون أو نصارى.. بالله عليكم لا نريد الإختلاف في هذا الوقت على المسميات ولا تنسوا أن كلنا في مركب واحد إن نجا نجا بنا جميعا وإن غرق هلكنا جميعا
5- عدم الإدلاء بتصريحات يفهم منها البسطاء تكفير أو التحريض على أشخاص بأعينهم.. أعلم أنكم لا تقصدون وأن هناك فرق بين إطلاق الحكم العام وبين التعيين لكن البسطاء لن يفهموا هذه الجزئية الدقيقة الحرجة.. ولو أخطأ أحدهم بزلة لسان ناقشوه بهدوء وبينوا للبسطاء أن هذا أخطأ عن غير قصد وأن شرعنا يقول كذا وكذا فيجب الانتباه حتى لا يقع أحدنا في المحظور أمام الله تعالى وهو لايدري
قد تتساءلون: أولست بطلبك إنسحابنا من الحياة السياسية تعطي لأمريكا ما تريده بدون أن تضطر لاستخدام طاغية لضربنا؟.. أنستسلم لها؟.. أقول لكم: هذا ليس استسلاما ولكنه الأسلوب السهل الممتنع لتغزو دعوتكم عقول الناس وقلوبهم بل وعقول الأمريكان وقلوبهم من حيث لا يشعرون وما زلت أذكر كلمة الشيخ الشعراوي رحمه الله.. لانريد أن يصل أهل الدين إلى الحكم.. ولكن نريد أن يصل الدين إلى أهل الحكم
أكتفي بهذا القدر وأتفهم ضجركم بسبب طول المقالة.. والله حاولت الاختصار قدر الإمكان.. سامحوني

المصدر المصرى اليوم


Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق