د. أحمد خلفة يكتب: رسالة إلى التيار السلفي


رسالة إلى التيار السلفي

ترددت منذ أيام دعوات بين قيادات التيار السلفي  لما سمي بمراجعات فكرية و فقهية لموقفهم السابق الرافض للاشتراك في الحياة السياسية,و تبلور ذلك  في دعوة بعضهم لاشتراك التيار السلفي في الانتخابات القادمة تصويتا و ترشيحا ..
 و رغم ما قد يراه البعض في هذا التوجه و في هذا الوقت بالذات  من انتهازية سياسية صارخة من فريق كان شديد الرفض لشكل الحياة السياسية الحديثة و قيامه بتحريم المجالس النيابية و تسفيه فكرة الانتخابات,  فضلا عن الاسوأ و هو  المشاركة سواء عن عمد او غير عمد في مقاومة و مكافحة تطلع الشعب المصري لتغيير النظام السابق  الظالم تحت دعاوى تحريم الخروج على الحاكم و المظاهرات عيب يا أولاد و حرام و ما يصحش لأن دي فتنة – و كأن السكوت على الظلم لا يؤدي الى فتنه اكبر و اعظم شرا – و مقابلة ظلم و بطش الحكم بالناس و بهم , مقابلة ذلك بالصبر و الصلاة فقط على عظمتهما, و كأن الدين الذي يقول بتغيير المنكر باليد و باللسان  ليس هو الاسلام و أن أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر و انه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .. كأن كل هذا ليس من الاسلام في شيء .. بل و تعدى الأمر الى استخدام بعضهم – و لا أعمم لأن معظمهم أناس محترمون حسنوا الطوية –  استخدم بعضهم من قبل النظام السابق في الهجوم على دعاة التغيير باعتبارهم دعاة فتنة و الغمز و اللمز ضد الشيخ القرضاوي و الدكتور محمد البرادعي و تقويل الاخير ما لم يقله ابدا بأنه يرغب في تغيير المادة الثانية في الدستور – و من عنده تسجيل للرجل يقول فيه ذلك فليظهره – بل و اشتط احدهم وهو قذافي دمنهور باصدار فتوى باهدار دم الدكتور البرادعي لأنه يدعو الى تغيير الحاكم بأمر الله ! , و سكتت كبار قيادات السلفية على هذا الشطط – اللهم الا انهم تحركوا اخيرا و بعد شهور من الصمت المريب ليقولوا ان هذا الرجل- أي  قذافي دمنهور-  ليس منهم و انه مخطئ و ذلك لم يكن الا ردا على استحياء  على قتل الشهيد سيد بلال تحت التعذيب  , هذا الرد الذي اثار الدنيا كلها في سلبيته , لم يطلب احد منهم ان يخرجوا على الحاكم لقاء مقتل سيد بلال و لكن كان هناك الكثير من الوسائل السلمية للتعبير عن رفض الظلم و القهر .. أما الارتكان فقط الى السكوت و الصمت الرهيب و لعب دور الضحية المغلوب على امره دائما فهذا شيء عجاب .. و موقفهم المخزي اثناء الثورة و هم يحرمون على الناس خروجهم ضد الحاكم المجرم و " إقبع في بيتك يا أخي انها فتنة "  - و لمن  ينكر ذلك منهم و لا يصدق فإن بعض العبارات تلك لازالت مكتوبة على بعض الحوائط و في الشوارع -  ثم يأتون الآن و يرغبون في ركوب ثورة كان دورهم شديد السلبية تجاهها و قطف ثمار شجرة لم يزرعوها بل و اشتركوا عن عمد او غير عمد في اعاقة نموها هذه هي الانتهازية بعينها كما يقول البعض ..
 رغم كل ما سبق الا و أنني كشخص أرى نفسي ليبرالي متدين – و لا عجب في ذلك فأنا استمد ليبراليتي  من قوله تعالى " لكم دينكم و لي دين "....  و قوله " انك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء " و قوله ايضا " لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ".....  و قوله " ولو شاء ربك لآمن  من في الأرض كلهم جميعا  " ..
أقول انني ارحب بل و اتمنى مشاركة كل مصري في رسم مستقبل مصر و التعبير عن رأيه بل و السعي الديموقراطي لايصال تلك الرؤية من خلاله أو من خلال ممثلين له يشتركون في التشريع و التنفيذ لتلك الرؤية للاصلاح ..
هذا حق كل مصري شريف لم يلوث يده بسفك دماء المصريين او بسرقة اموالهم و لم يكن ابدا عضوا فعالا  وقياديا في حزب تجمع اصحاب المصالح و المنتفعين و السراق الذي كان يسيطر على مصر قبل 25 يناير ...
 الا انه ايضا يجب ان يكون واضحا في أذهان من يطلقون تلك الدعوات انهم ان أرادوا الانخراط في الحياة السياسية فيجب ان يبرزوا رأيهم و موقفهم من قضايا و أمور هي صلب الحياة السياسية السليمة و هي في نقاط:
 أولا : مدنية الدولة
يجب على من يريد الاشتراك في ترسيم سياسة الدولة ان يعترف و يقر أولا بأن الدولة المدنية هي الاساس و هي الارض التي يقف عليها الجميع و أنه لا مكان ابدا لما يسمى بالدولة الدينية – و هي ليست من الاسلام في شيء , فحكم المشايخ و الفقهاء و الملالي ابعد ما يكون عن دعوة الاسلام  , لأن الاسلام العظيم  لم يضع قاعدة بأن الادارة و القيادة هي للأكثر تدينا بل الادارة للأكفأ بغض النظر عن مدى تدينه , فالمهم ان يكون مواطنا صالحا و كفء و لمن يشك في ذلك فلينظر الى ما فعله الرسول عليه الصلاة و السلام عندما طلب منه ابو ذر – رضي الله عنه -   ان يوليه زمام امر من امور المسلمين فرده الرسول بلطف و قال له : يا أبا ذر انها امانة , و انها يوم القيامة خزي و ندامه ... بينما اعطى ولاية لمعاوية و هو اقل ورعا من ابي ذر و لكنه اكثر خبرة و حنكة سياسية ....
 ثانيا : لا مكان ايضا لانشاء احزاب على اساس ديني ..
اي انه ليس مقبولا وجود حزب يقصر الاشتراك فيه على اتباع دين واحد او عرق او ملة او جنس او وظيفة او اقليم واحد ...
و لمن لا يقتنع بذلك اسأله : هل تقبل بوجود حزب يهودي و آخر بهائي  ورابع  شيعي ؟!! . فمع اقرارنا طبعا بعظمة الاسلام  . لا يمكن ان تسمح لفئة دون اخرى بذلك ,  فالاسلام لا ينفي الآخر  بل يقر بأن الكل امام الشريعة و امام القانون سواء ..
فلينضموا الى الاحزاب المدنية العادية على اختلاف افكارها  و رؤاها و هي كثيرة جدا و اغلب تلك الأفكار لا تخرج عن الاطار الاسلامي و ان لم يلصق بها  أكلاشيه " اسلامي " فكل ما لا يخرج عن حدود الفهم الموضوعي و العقلاني لكتاب الله و صحيح سنة نبيه  يقبله الاسلام دون ان يصنفه " اسلامي "
 ثالثا :
يجب عدم الزعم  باحتكار الحقيقة , و البعد تماما عن احتكار الحديث بإسم الاسلام و رمي كل مخالف و مختلف بأنه ضد الاسلام و ضد الله .. و تصنيف الاختلاف بأنه سائغ أو غير سائغ من وجهة نظر احادية الجانب ..
لكم الحق في الحديث باسم فهمكم للاسلام و ليس باسم الاسلام .. و بالتالي من يختلف معكم فهو يختلف مع فهمكم للاسلام و ليس مع الاسلام نفسه .. هذه النقطة هامة جدا .. و اذا حظيت و جهة النظر المخالفة لكم بالاغلبية فالانصياع لها واجب ..
 رابعا :
ليس من اخلاق الاسلام المتاجرة به في الأمور الدنيوية و الدعاية الانتخابية من تلك الأمور ,  فلتكن الدعاية ببرامج و رؤى و ليست بشعارات و رموز دينية ...
 في رأيي المتواضع أن أي خروج عن هذه الأطر سيورد الوطن موارد التهلكة .

المصدر جريدة الدستور الأصلى الألكترونية


Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق