القيادى الإخوانى عبد المنعم أبوالفتوح يكتب لـ (الشروق): مستقبلنا الذى ننشده





 تحمل إلينا هذه الأيام، والأيام المقبلة أحداثا كبيرة ومهمة، فبعد التعديلات الدستورية والإقبال الكبير من جموع الشعب على المشاركة فيها، وبعد الاتجاه إلى تأسيس أحزاب جديدة، يتهيأ الوطن الآن إلى انتخابات البرلمان وانتخابات الرئاسة واختيار جمعية وطنية لكتابة دستور جديد، وهى خطوات على درجة كبيرة من الأهمية فى هذه المرحلة التأسيسية من عمر الوطن، وعلينا جميعا بمختلف انتماءاتنا السياسية والفكرية أن نتفاهم ونتعاون ونقدر الأمور حق قدرها، وننزع عن أنفسنا ــ ولو مؤقتا ــ الحالة الحزبية والايديولوجية التى قد تضيق عن حلمنا الكبير لنهضة الوطن ووضعه فى المكان الذى يليق به بين الأوطان.

تابعت خلال الفترة الماضية حالة الحراك الفكرى والسياسى التى سادت على ساحة العمل العام، التى تميزت بالجدل والنقاش العميق فى كثير من الأحيان، وهناك بعض النقاط أود أن أسجلها فى هذا السياق:

أولا: لا جدال حول مدنية الدولة التى نسعى الآن إلى تكوين ملامحها ووضع أسس بنائها، ولا بديل لنا عنها وأحيانا لا أجد مبررا لذكر جملة (بمرجعية إسلامية) التى تعقب توصيفها.. اللهم إلا لفتح أبواب الجدل السفسطائى وتقديم منحة مجانية لهواة الثرثرة المتوترين من الدين وقيمه، إذ كيف نقول ذلك متناسين أن المادة الثانية فى الدستور تنص على مصدر المرجعية والشرعية للقوانين، ومتناسين أيضا إسلامية الدولة والمجتمع. وقد تابعت التعليقات التى دارت حول تصريح أخى العزير د.محمود عزت وكيف تم التعامل معها، ولعلنا جميعا نتجه إلى النقاش والحوار فى التطبيقات العملية التى تحقق الإصلاح المطلوب (الحرية.. العدل الاجتماعى.. التنمية.. التعددية.. احترام الآخر...) ونبتعد عن الحديث فيما لا مجال له من جانب الوقت أو من جانب الواقع.

ثانيا: فيما يتعلق بالترشح للرئاسة والتقدم للمشاركة فى تحمل مسئولية الحكم، فقد قررت من جانبى التفكير الجاد فى الترشح وأرجو من الجميع مساعدتى فى تقديم الرأى فى ذلك من خلال مسح إحصائى سيظهر فى موقعى الشخصى، فما يحدونا جميعا هو تحقيق النفع والصالح الذى يعم الوطن وأهله. وأتصور أن هناك أوقاتا تدعوك فيها المصالح العليا للأمة والوطن لأن تتقدم لتحمل مسئولية وأمانة لا محيص عن تحملها والقيام بها، فالبلاد تم تجريفها سياسيا على مدار عقود طويلة وتم إخلاؤها من التيارات الفكرية الكبيرة التى تستطيع تحمل مسئولية الحكم مستندة إلى رصيد شعبى ضخم، ولا ننكر أننا فى حاجة إلى قيادة قوية يقف خلفها تيار شعبى كبير يعضدها فى القيام بمسئولية الحكم الصالح الرشيد.. ويتحمل مسئولية التنمية والنهوض، وإن شاء الله سيتيح مناخ الحرية القادم المجال لكل التيارات فى الانطلاق والتواصل مع قواعد المجتمع بغية الوصول إلى هذه الحالة التى يفتقدها الوطن الآن، لكن واقع الحال يقول إن التيار الإسلامى هو التيار الوحيد الذى تتوفر فيه حاليا هذه الحالة، واستنادا إلى قاعدة (واجب الوقت) نجد أنفسنا أمام تساؤل مهم «لماذا لا يتقدم أبناء هذا التيار الأصيل لتحمل المسئولية فى هذا الوقت الحرج؟»، يتقدمون ونصب أعينهم أهداف بذاتها يرجى تحقيقها: نهضة اقتصادية شاملة، نهضة تعليمية شاملة، نهضة ثقافية وأخلاقية واسعة، نهضة عمرانية بطول البلاد وعرضها.

لا أرى مبررا للتمرس حول مقولات بعينها، والتشبث بها كأنها نصوص، لذلك من المهم أن نستوعب منطق الأمر الواقع ولا نكون أسرى لمقولات لفظية صلتها بالواقع ضعيفة، الأهم من ذلك هو المصلحة العليا للوطن والناس، ولنتذكر كلمة الأستاذ البنا (أن قومنا أحب إلينا من أنفسنا). يتم كل ذلك تحت مظلة دستورية متينة تحدد الواجبات والحقوق للحاكم والمحكوم على السواء، يتم كل ذلك وفق عملية ديمقراطية صحيحة، يتم كل ذلك تحت ضمانة الجيش ورعايته.

المسألة تتعلق بالمصالح العليا للوطن، تتعلق بمستقبل شعبنا وأبنائنا وأجيالنا، ولا أبالغ إذا قلت تتعلق بمستقبل الأمة العربية كلها، فمصر الناهضة هى قاطرة النهضة لكل العرب وهذه حقيقة من حقائق التاريخ. الأمر هنا لا يتعلق بالمصداقية كما ذكر أخى الكريم م.خيرت الشاطر، هذا قول فى غير موضعه، مصداقيتنا لدى الأمة أجل وأعمق من التعريض بها فى مدار خوض انتخابات او عدم خوضها، فهذه قرارات من شأنها أن تتغير أو تتعدل أو تتأكد وفق جانب المصالح العليا للدين والوطن، والأهم أن يكون كل ذلك فى العلن وخاضعا للدراسة والبحث والشورى على أوسع نطاق ليس داخل مؤسسات الإخوان فقط ــ وهى من أسف قليلة التفعيل ــ ولكن فى أوساط النخب الفكرية والسياسية ومراكز الدراسات، ثم لنخرج بالرأى الأكثر حزما وصوابا ويرجح فيه جانب المصلحة ونتوكل على الله، إلى ذلك أرجو من الجميع أن يتمهلوا ويتريثوا ولا تسبق ألفاظهم أفكارهم، وهذا شأن المؤمن التقى النقى الصادق (أن يكون عقله على قوله رقيبا وعمله على قوله شهيدا).

ثالثا: القيادات الحقيقية فى المجتمعات هى التى تقف فى لحظة جرأة صادقة لتتحدى التراكم العشوائى للأحداث، فترفض السير خلف هذا التراكم الذى كونه الاستبداد والقهر والسلبية والجهل والاستثناءات التى من طول بقائها أصبحت عاديات، وأيضا من التقاليد الموروثة التى علمنا القرآن أن نراجعها ونناقشها ونصوبها.. فمنطق (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) يتجاوز تطبيقه على عبادة الأصنام، بل يتسع ليشمل كل المألوفات والموروثات التى تجاوزها عامل الوقت والزمن ولم تنتبه الأجيال المتلاحقة إليها، وقد فسر بعض العلماء الآية (لكل أجل كتاب) بأن كل زمن وله مكوناته ومقرراته التى يجب أن تراعى وتحترم، والدين والعقل يفرضان علينا المواءمة للزمن الذى نحياه، فالانسداد القيادى إذا ــ جاز التعبير ــ باعتبار الدور المهم للقيادة فى التجديد والتطور والوقوع فى اسر الوضع القائم وعدم امتلاك الشجاعة والجرأة لتجاوزه كارثة كبيرة تحيق بالمجتمعات والدعوات، وصدق من قال (لم أجد لنفسى حياة مثل أن أتقدم).

رابعا: نعلم جميعا أن الإسلام أكثر من كونه دينا، كما كان يقول دائما د. عبدالوهاب المسيرى وعلى عزت بيجوفيتش ـ رحمهما الله ـ لأنه بالفعل يحتوى الحياة كلها، وستجده دائما فى مكونات الحياة الأساسية ستجده فى الأسرة والأمن ستجده فى السعادة والاستقامة والصدق والحرية، ستجده فى المصلحة والقوة والمسئولية، وهم فى الغرب الآن يتحدثون عن (مجتمعات ما بعد العلمانية) التى يكون فيها للدين دور كبير بما يمتلكه من مكون أخلاقى عظيم وبما يمتلكه من ذخيرة كبرى للتعالى والترفع والتسامى تحول بين الناس وبين طغيان المطالب الدنيوية وصراعات الحياة التى أججتها القيم الرأسمالية الاستهلاكية، وأنا أتوجه إلى كل إخواننا الذين لديهم رؤية مباعدة للدين تكونت عندهم من التجربة الغربية أتوجه إليهم برجاء أن يتابعوا حركة الأفكار فى الغرب وما صاحبته من تجاوز لجدلية الدين والسياسة والمجتمع، فلم تعد لديهم هذه الحساسية المفرطة التى أطالعها فى كتابات نفر من مثقفينا، الدين مهم للسياسة بما يكونه فى النفس الإنسانية من قوة أخلاقية وعزة وكرامة ورفض للتبعية والخضوع والعبودية.

لقد تجاوز الإنسان مرحلة خداعه باسم الدين.. تلك فترات سحيقة البعد فى التاريخ مضت وانتهت.

المصدر جريدة الشروق

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق