ممدوح حمزة: تعاونيات زراعية صناعية فى الصحراء تحل مشكلة التكدس السكانى فى مصر

 رجل من أشد المعارضين لسياسات النظام السابق فى ملف الإسكان والأراضى، اعترفت بخبرته الدول الأجنبية قبل أن تشهد له دولته، ويقدم حلولا لتوفير الإسكان المنخفض التكلفة، ولعلاج تشوهات التوزيع الجغرافى للسكان فى مصر، ممدوح حمزة، الاستشارى الهندسى، الذى شارك فى عدد من المشروعات العملاقة حول العالم، يتحدث ل«الشروق» عن أسباب مشكلة الإسكان فى مصر ورؤيته لحلها.

«الدولة تجاهلت توافر وحدات سكنية لائقة للطبقات متوسطة الدخل، وهو ما أدى إلى تفاقم مشكلة الإسكان فى مصر» بهذه العبارة بدأ حمزة حديثه عن سبب أزمة الإسكان فى مصر.

الانشغال عن حل هذه القضية يعتبره حمزة نتيجة غياب دور الدولة، ونتاجا طبيعيا لسياسات الفساد التى أدت إلى انشغال وزارة الإسكان فى عهد الوزير الأسبق، إبراهيم سليمان، والسابق، أحمد المغربى، للإسكان بتخصيص أراض للإسكان الفاخر على حساب إسكان محدودى الدخل.

يقول حمزة إن الدولة منذ فترة الثمانينيات بدأت تتخلى عن توفير إسكان للطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل، واتخذت سياسات بعيدة لا تخدم هذه الطبقات، مع الاتجاه للبناء بهدف التمليك بدلا من الإيجار، واشتدت الأزمة مع دخول الأجانب فى شراء عقارات.


أزمة إسكان

على الرغم من عدم وجود سكن يتلاءم مع إمكانيات أغلب فئات الشعب، يقول حمزة إن مصر لا تعانى من أزمة إسكان ولكنها تعانى من أزمة توفير مساكن منخفضة التكاليف تناسب الشريحة العظمى من المصريين، وهم أصحاب الدخل المحدود والمتوسط.

وقد تفاقمت هذه المشكلة مع تركيز وزير الإسكان الأسبق، محمد إبراهيم سليمان على البناء للفئات الأكثر دخلا، كما يقول حمزة موضحا أن «ما تم بناؤه من وحدات سكنية لمحدودى الدخل، منذ مجىء الوزير فى 1993 وحتى خرجه من الوزارة فى 2005، لم يزد على 6 آلاف وحدة سكنية فى العام، رغم أن احتياج مصر من هذا النوع من الإسكان يصل إلى 350 ألف وحدة سنويا، وفقا لتقديرات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء».

ويشير حمزة إلى أن تحيز سليمان للإسكان الفاخر بلغ به أن طلب من المهندسين، فى إحدى زياراته لمشروع إسكان منخفض التكاليف فى القطامية أثناء إنشائه، أن تتم إزالة بعض الحوائط من وحدات المشروع لتوسيع مساحتها وتحويلها للإسكان الفاخر. «لم نبن لمدة 16 عاما لمحدودى الدخل، واتجهنا لبناء القصور والفيللات والشقق الفاخرة، مما وضع مشكلة الإسكان لمحدودى الدخل فى أحرج حالاتها»، يضيف حمزة.

ويرى حمزة إن دخول حديد التسليح والخرسانة لقطاع البناء الاقتصادى كان نوعا من الخطأ، «علينا أن نصلح هذا الخطأ ونعود للصواب باستخدام الحوائط الحاملة فى البناء منخفض التكاليف وتوفير مسكن مناسب وآمن يوفر الحياة الكريمة للمواطن محدود الدخل بسعر مناسب»، موضحا أن الشعب المصرى كله كان يستخدم الحوائط الحاملة حتى 1950، مشيرا إلى أن القصور الملكية كلها وجامعة القاهرة مبنية بالحوائط الحاملة.

وينوى الاستشارى المعروف تطبيق تجربة الحوائط الحاملة فى مصر ويقول إنه يقوم بتنفيذ وبناء وحدات لمحدودى الدخل لن تزيد تكلفتها على 36 ألف جنيه بنظام الحوائط الحاملة، لكنه يرفض أن يفصح عن تفاصيل هذا المشروع حتى يتم الإعلان عنه رسميا.


علاج تشوهات التوزيع الجغرافى

الخروج من المأزق الحالى لأزمة الإسكان فى مصر، وما تعانيه القاهرة الكبرى من تكدس ممكن من خلال إقامة مجتمع جديد فى الصحراء الغربية، كما يرى حمزة، يضم وحدات سكنية اقتصادية فى مناطق توشكى، وبحيرة ناصر، وشرق العوينات، والواحات البحرية، ففى هذه المناطق من الممكن أن تخلق مجتمعات عمرانية جديدة تستغل المياه الجوفية وتنشئ عليها مجتمعات ريفية فى الأساس، تقوم على الزراعة، والصناعة التعدينية، والحرفية.

ويقوم تصور الخبير الاستشارى للمجتمعات العمرانية الجديدة على المفهوم التعاونى، بحيث يشارك عدد من الشباب فى جمعية تعاونية تحصل على قطعة أرض على أن يسددوا سعرها على 25 سنة، ويقيموا عليها وحدات سكنية لهم.

وتكون الأراضى الزراعية، فى ضوء هذا التصور، مسئولية الجمعيات التعاونية بحيث تقسم إلى مساحات لا تقل عن 2500 فدان تستفيد منها 500 أسرة، بخلاف العمالة التى ستقوم بزراعة الأرض، وتخصص الأرض للشباب دون تملك، على أن يعود العائد الزراعى للجمعية التعاونية، وبذلك «نحل مشكلة التكدس السكانى، ونتخلص من جزء من البطالة، وتزيد مساحة الأرض الزراعية فى مصر».

التصور الذى يضعه حمزة يربط هذه المجتمعات الجديدة بباقى أنحاء الجمهورية من خلال خط سكك حديدية دائرى يربط الصحراء الشرقية بالغربية، ممتدا من بورسعيد والسويس إلى رأس بناس فى جنوب محافظة البحر الأحمر، ليصل إلى بحيرة ناصر، ثم يمتد إلى الواحات البحرية، ومنها لمرسى مطروح.


العشوائيات وغياب التخطيط

المناطق السكنية العشوائية مشكلة تعانى منها مصر، وبالأخص إقليم القاهرة الكبرى، الذى يضم وحده 82 منطقة عشوائية، ويرجعها ممدوح حمزة لعدم تنفيذ خطة التعمير التى أعدتها الدولة وبدأت فى تنفيذها فى أواخر السبعينيات.

فقد بدأت الخطة على يد الخبير صبحى عبدالحكيم، بتخطيط عمرانى يشمل مدنا وقرى ليخدم كل سكان مصر فى الحضر والريف، واستمر تنفيذ هذه الخطة فى عهد الوزير الأسبق حسب الله الكفراوى، ثم بعد رحيله اتجهت الدولة لبناء المدن الجديدة فقط وتم إغفال بناء القرى، علما بأن 65% من المجتمع المصرى، فى بداية إقرار هذه الخطة، كان من سكان الريف، و35% فقط من سكان الحضر.

ويقول حمزة إن هذه الخطة التى كلفت الدولة نحو 22 مليار جنيه لبناء 21 مدينة جديدة، أهملت الجزء الأكبر من السكان، وكانت النتيجة أن سكان الريف هاجروا إلى المدن، فأصبح الآن 55% من المجتمع المصرى يقطنون الريف، و45% من سكان مصر يعيشون فى الحضر بعد أن هاجر 10% من الريف إلى المدن، وهم الذين اتجهوا إلى البحث عن إسكان يناسب إمكانياتهم المتواضع، فلجأوا إلى المناطق العشوائية فى المدن، وكانت النتيجة أننا فقدنا 10% من سكان مصر المنتجين الذين تحولوا إلى مستهلكين فى الحضر».

ويضيف حمزة أنه نتيجة عدم توفير المساكن الرخيصة اضطر محدودى الدخل إلى بناء مساكنهم بأنفسهم سواء على أراضى الدولة أو الأراضى الزراعية، مما ساهم فى سرعة انتشار المناطق العشوائية فى أطراف المدن الكبرى، حتى أصبح 38.8% من المصريين فى الحضر يعيشون فى المساكن العشوائية، وهو ما اعترفت به الدولة فى تقرير صادر عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فى ابريل 2008

ومن جهة أخرى تم إنشاء الطرق السريعة فى المناطق الزراعية رغم وجود تحذيرات من الخبراء منذ عام 1961 من إنشاء طرق سريعة على تلك الأراضى تجنبا للجذب السكانى الذى سيتبع إنشائها، كما كان هناك اعتراض على إقامة الجامعات الإقليمية على الأراضى الزراعية، ومطالبة بضرورة دفعها إلى أطراف الوادى حتى تجذب إليها السكان والإسكان وتمتد بلا حدود على الأراضى الصحراوية، لكن حدث العكس.

وأدت أزمة توفير السكن الملائم إلى التهام جزء كبير من الأراضى الزراعية وإقامة تجمعات عمرانية سرطانية تأكل الرقعة الزراعية بمعدل متزايد بلغ 60 ألف فدان فى العام الواحد، ومن المنتظر أن تغطى كل أنحاء دلتا النيل الزراعية عام 2035 إذا سار العمران بنفس المعدلات.


مليون وحدة سكنية

التوسع فى توفير الإسكان منخفض التكاليف يعتبر أولوية فى رأى حمزة، الذى يقترح أن تجمع الدولة موارد إضافية لهذا النوع من الإسكان من خلال فرض ضريبة على المسطحات الخضراء غير المنتجة للغذاء، مثل ملاعب الجولف والحدائق والمتنزهات المملوكة للأفراد أو الشركات أو القطاع الخاص عموما، والتى تزيد مساحاتها عن 500 متر مربع، بالإضافة لفرض ضريبة على الشواطئ الخاصة، وعلى الأجانب الحائزين لوحدات سكنية فى المناطق الحضرية، نظير فرصة السكن التى كان من الممكن أن تتاح لأحد المواطنين ليحيا فيها هو وأسرته، وأخيرا، فرض رسوم ضئيلة على الجامعات الخاصة التى تزيد رسومها على 30 ألف جنيه فى السنة.

وقد بدأت حكومة تيسير الأعمال تلتفت للسياسات الخاطئة التى تم اتباعها فى الماضى وتحاول إيجاد حلول لها، حيث أعلنت عن مشروع لإنشاء مليون وحدة سكنية خلال السنوات الخمس القادمة، وهو ما يعتبره حمزة اتجاها جيدا.

ويمكن أن يقسم هذا المشروع لثلاثة أجزاء، فى رأى حمزة، تتناسب مع شرائح المجتمع المختلفة، «جزء يخصص للقادرين على البناء بأنفسهم، وجزء يخصص للإسكان المتوسط تباع وحداته بسعر التكلفة، بحيث لا يزيد سعرها على 60 ألف جنيه، وجزء يتم بناؤه ويقدم للمواطنين بنظام الإيجار.

ويدعو حمزة الدولة إلى تشجيع صغار المستثمرين على بناء المساكن بغرض الإيجار وليس التمليك، مع منح حوافز وإعفاءات ضريبية لهذا النوع من الاستثمار.


محاكمات أصحاب الأراضى

الكثير من المحاكمات التى يتعرض لها كبار رجال الأعمال الآن جاءت نتاج سياسات التخصيص العشوائى للأراضى، كما يقول حمزة، والتى كانت تتم للمحظوظين، والمقربين والأقارب، واكبر دليل على ذلك منح شركة سوديك، التى أسسها مجدى راسخ، حمو علاء مبارك، مساحة 2100 فدان أقيم عليها مشروع بيفرلى هيلز، وهى شركة كانت فى ذلك الوقت لا تمتلك الخبرة الكافية أو سابقة الأعمال التى تؤهلها للحصول على كل هذه الأراضى، «على الأقل شركة طلعت مصطفى كانت تملك سابقة أعمال وقامت بعمل مشروع كبير وناجح هو الرحاب، قبل منحها الأراضى الشاسعة لمدينتى».

ينتقد الخبير الاستشارى الطريقة التى كان يتم بها تخصيص أراضى الدولة للمستثمرين، ويقول أنه ضد أن تكون هناك جهة واحدة لها سلطة منح أراضى الدولة، «لأن هذا التصرف يشجع على الفساد المدقع» حسب وصفه، متسائلا «لماذا تم منح أراض لشركة الاستشاريون المصريون، أو لرجل الأعمال عماد الحاذق أو لشركة كنوز، ما هى المعايير التى كانت تمنح من خلالها الأراضى؟».


سياسة المزادات

يرى حمزة أن المزادات التى أجريت فى عام 2006 كانت «خرابا على مصر، وعلى المجتمع»، ويقول إن هذه المزادات حدثت فى غياب رؤية وخطة للإسكان فى مصر، المزاد إذا كان تم للمصريين فقط من الممكن أن نعتبر إجراء هذا المزاد نصف خطأ، حتى وإن كان الهدف منها الشفافية فى بيع الأراضى أو جذب موارد إلى خزينة الدولة قدرت بالمليارات،

لأن «الدولة من المفترض إنها ليست تاجرا، والسكن ليس سلعة إنما احتياج».

«أوافق على إجراء مزاد الأراضى المخصصة للأغراض التجارية وفى الفنادق لكن يكون مزاد على حق انتفاع، لأن هذه المشروعات توفر فرص عمل لأبناء بلدنا وتستجلب سائح أجنبى يدر دخلا بالعملة الصعبة، وتؤدى إلى تشغيل الكثير من الصناعات» تبعا لممدوح حمزة.

ويرى حمزة أن قيام مزادات على الأراضى المخصصة للإسكان أدى إلى رفع سعر متر الأرض إلى الأسعار العالمية، وطرد المواطن المصرى خارج المنظومة وفى المقابل سمح للعرب والأجانب، الذين لا يوجد سقف لإمكانيتهم، بالتواجد على حسابنا نحن أبناء البلد.

حمزة الذى يضع صورة الرئيس الراحل عبدالناصر على جدران مكتبه، يحدد الطريقة التى يجب أن يتملك بها الأجانب أراضى فى مصر، ويقول إنه من المفترض أن يسمح للأجانب فقط بشراء الأراضى بغرض النشاط السياحى لإقامة مشروعات فندقية من خلال نظام حق الانتفاع فقط وليس البيع، وللاستثمار الصناعى بغرض إقامة مصانع للإنتاج وليس للصناعات التجميعية، أو يسمح لهم بشراء أراض بغرض إقامة المولات التجارية، على أن يكون على الأقل 70% من منتجاتها التى يتم تسويقها منتجات مصرية، أو بغرض إقامة المبانى للإدارية على أن يكون على الأقل 50% من إيجارها يحصل من شركات الأجنبية. «ويمنع تماما تملك الأجانب للأراضى المخصصة للإسكان، ويجب أن يتم التعامل مع هذه القواعد على أساس أنها قرآن لا يحيد عنه أحد ولا استثناء عليه». تبعا للاستشارى العالمى.

ويضيف أن أراضى الإسكان يجب أن تخصص فقط للمصريين إما انتفاعا أو تمليكا، على أن يسمح للأجنبى فقط بشراء شقة للإقامة فيها، وما أن يقيم فيها عليه أن يدفع ضريبة دخل مثل المصريين. حمزة يوضح السبب من وراء وضعه لهذه الشروط بأن السماح للأجنبى بتملك عقار على أرض مصر يمنع فى المقابل مواطنا مصريا من التملك لعقار، مشيرا إلى أن الهدف من دفع هذه الضريبة هو الحد من المضاربة على الأراضى والشقق. «فى سويسرا لا يحصل أى فرد على إقامة إلا بعد أن يقوم بسداد 200 ألف فرنك فى العام» يتحدث الاستشارى المعروف.

المصدر جريدة الشروق

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق