فهمى هويدى .. عائدون إلى مصر

بقلم: فهمي هويدي

10 ابريل 2011 09:32:39 ص بتوقيت القاهرة

عائدون إلى مصر

 حين تصالح الجماعة الإسلامية المجتمع المصرى بمسلميه ومسيحييه ونظامه، فماذا علينا أن نفعل؟ أغلب الظن أن البعض منا سيسارع إلى القول بأنهم يمكرون. ويبطنون غير ما يظهرون، مدعين أن تلك الكائنات التى تربت على العنف ومارسته ليس من السهل عليها أن تتخلى عنه. فى ذات الوقت سنجد من يقول إنهم ماداموا قد مدوا أيديهم إلى المصالحة والمصافحة، فلماذا لا يمد المجتمع يديه إليهم، ليعينهم على الالتزام بالنهج الذى أعلنوه، ويحاسبهم عليه.

وللتذكرة والعلم فقط. فإن نواة «الجماعة» ظهرت فى جامعة القاهرة فى مستهل سبعينيات القرن الماضى، لكنها نمت وترعرعت فى أسيوط بعد ذلك، وكان عنفها فكريا فى البداية، ثم اتجهت إلى العنف المسلح بعد، قتل اثنين من أعضائها برصاص الشرطة. وتحالفت مع جماعة الجهاد التى اعتنقت من البداية فكرة التغيير بالقوة والسلاح، واشتركت الجماعتان فى قتل الرئيس السادات وفى حوادث إرهابية أخرى. ومنذ ذلك الحين (عام 1981) ظل أعضاؤها فى السجون، فى حين لجأ بعضهم إلى أفغانستان وباكستان والبوسنة وبلدان أخرى. وبعد الثورة أطلق سراح أغلب المسجونين منهم. فى حين عادت من الخارج أعداد أخرى. وخلال فترة السجن راجعوا بعض أفكارهم وعدلوا عنها، خصوصا ما تعلق منها بفكرة التغيير بالقوة وبالموقف من الأقباط. وظهرت تلك المراجعات فى ستة كتب منشورة، توافق أغلب قادة الحركة على مضمونها.

يوم الجمعة الماضى (8 /4) عقدت الجماعة أول مؤتمر علنى لها وسط أعمدة المعبد الفرعونى فى الأقصر، ونقلت صحف السبت 9/4 مقتطفات من كلمات قادتها، التى عبروا فيها عن تمسكهم بنبذ العنف واحترام الأقباط ودعوة جميع المصريين إلى التكاتف والحفاظ على مكتسبات الثورة. كما رفضوا فكرة تكفير الآخرين واستهجنوا هدم الكنائس والأضرحة ودعوا إلى تشجيع السياحة وجذب الاستثمار. وهو ما سمى بعهد «الأمان»، الذى يشمل الجميع من المصريين (مسلمين وأقباطا) وأجانب أيضا.

هذا الكلام فى ظاهره يبعث على الارتياح. صحيح أنه يستقيم إلى حد كبير مع الإطار العريض للمراجعات التى سبق نشرها وإعلانها، إلا أنه يكتسب أهمية خاصة من كونه أعلن على الملأ بعد خروج قادة الحركة من السجون. لأن صدور المراجعات وهم رهن الحبس فتح الباب للشك فى أنهم ربما كانوا تحت ضغط الظروف البائسة التى أرادوا الخروج منها بأى ثمن، ولكن الالتزام بذات الأفكار بعد إطلاق سراحهم يعد قرينة ترجح جدية اقتناعهم بتصويب أفكارهم.

أدرى أنه ليس هناك إجماع على التصويبات والمراجعات التى تمت، وذلك لا ينبغى أن يقلقنا كثيرا، حيث يكفينا فى الوقت الراهن أن يكون ذلك رأى الأغلبية، أما الذين لايزالون على تشددهم فكونهم أقلية لا يزعجنا، ثم إن الباب يظل مفتوحا أمامهم لكى يلتحقوا فيما بعد بمن سبقهم.

لن نعدم قائلا يقول إنها «مناورة» لتحسين الصورة واكتساب الشرعية. كما أننى لست أشك فى أن البعض سينظرون بامتعاض إلى موقف التصالح مع المجتمع الذى أعلنه قادة الجماعة. ذلك أن بيننا من تمنى أن تظل الجماعة على تطرفها، لأن ذلك يهدى إليهم حجة كافية للتنديد بما يسمونه «إرهابا إسلاميا» ومن ثم استمرار تخويفهم من «المتأسلمين» الأشرار الذين يرتدى بعضهم أقنعة المعتدلين، وهؤلاء يعتبرون أن الاعتدال هو الخطر الحقيقى الذى يتهددهم. لأنه يكذب حجتهم وزيف دعاواهم.

لا يستطيع أحد أن يزايد علىَّ فى نقد فكر العنف والمفاصلة الذى تبنته الجماعة الإسلامية طوال أكثر من ثلاثين عاما. وربما يذكر البعض أننى لم أعلق على المراجعات التى أصدرها قادتهم فى أثناء محبسهم لشكى فى الظروف التى حملتهم على ذلك، ولعلمى بأن ضباط أمن الدولة كان لهم دور فى رعاية ذلك الاتجاه. ولكن حين يعلن قادة الجماعة عن موقفهم الذى سبقت الإشارة إليه أمام الملأ وبعد أن استردوا حريتهم، فإننا ينبغى أن نرحب بذلك ونزكيه. باعتبارهم عادوا أخيرا إلى حضن مصر. ذلك أننى واحد ممن يقتنعون بأن الجهر بالأفكار يدفع أصحابها إلى الإقلال من الغلو والتحسب لردود الأفعال ومراعاة الصدى لدى الرأى العام، كما أن الممارسة واختبار الأفكار فى الواقع يفتحان الباب لإمكانية تطويرها وإنضاجها. وهى ليست قناعة شخصية وحسب، لكنها خبرة التاريخ ودرسه أيضا.

لست أدعو إلى الترحيب وإغماض الأعين، وإنما إلى الترحيب الحذر الذى يشجع على المضى فى مصالحة المجتمع والإسهام فى أن تصبح الجماعة رافعة تسهم فى النهوض به، وليس معولا يسعى إلى النيل منه. علما بأن الذين يصرون على أن الجميع متأسلمون لا خير فيهم، إنما يريدون إقناعنا بأن إبادتهم هى الحل، لكى يخربوها ويجلسوا على تلها!


المصدر جريدة الشروق

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق