بلال فضل .. حلول ثورية!

حلول ثورية! 
 بلال فضل
Tue, 19/04/2011 - 08:09
قل علىّ مجنوناً أو موتوراً، لكن صدقنى عندما أقول لك إننى لم أفرح تماما بحكم حل الحزب الوطنى العاكم ومصادرة مقاره وأمواله، لأن الحكم لم يتضمن إقصاء جميع قياداته العليا والوسيطة من الترشح لجميع الانتخابات المقبلة خلال خمس سنوات على الأقل، تكون مصر قد استكملت فيها تطهير حياتها السياسية التى لوثها هذا الحزب الفاسد المفسد.
قبل أن ينطلق أحدكم ليقول لى: وأين حقوق الإنسان؟، وأين العدالة؟، وهل هذه هى مبادئ الثورة التى تريد أن تحولها إلى ديكتاتورية؟، دعونى أقل إن ما أطالب به هو قمة العدل لمصر وللمصريين، وأحيلكم هنا إلى الأحكام القضائية التى تصدر فى كثير من الدول المتقدمة وتقضى بضرورة عزل بعض المجرمين الخطرين وتحديد إقامتهم بل تخضعهم للمراقبة حتى بعد تنفيذهم لمحكومياتهم، ولا تعتبر أن فى ذلك إهداراً للعدالة أو جوراً على حقوق الإنسان، لأنها تحمى المجتمع من هؤلاء الخطرين وتحميهم أيضا من أنفسهم.
إذا كنت تنوى أن تقول لى: هل جننت، كيف تقارن عضوا فى حزب سياسى بقاتل تسلسلى أو مدمن تحرش أو مختل نفسيا؟، فاسمح لى أن أحيلك إلى قائمة الجرائم التى ارتكبها هذا الحزب فى حق مصر والمصريين طيلة العقود الماضية، وأعتقد أنك عندها لن تقع فى خطأ توصيفه بحزب كما نفعل جميعا، بل ستسمى الأمور بمسمياتها وستطلق عليه تشكيلا عصابيا، لا عذر لكل من شارك فيه ولو بالصمت على جرائم كانت ظاهرة للجميع، ولو تأملتها ملياً لاقتنعت بضرورة إقصاء أعضاء ذلك التشكيل العصابى عن جميع الانتخابات المقبلة، كما فعلت تونس عندما أقصت منتسبى حزبها العاكم عن انتخابات المجلس التأسيسى الدستورى لكى تضمن دستورا نقيا لا يشارك فى وضعه الحرامية والمزورون والمفسدون،
لكننا للأسف نقع فى أخطاء قاتلة عندما نمتنع عن تطبيق الحلول الثورية الجذرية فى ملفات خطرة لا تصلح معها الحلول التقليدية التى تفتقر إلى الخيال، وأغلبنا للأسف يردد مقولة عجيبة هى أن الثورة شىء والإصلاح شىء آخر، فيوحى للناس بأن الحلول الثورية تعنى محاكمات انتقامية متسرعة تُهدر فيها قواعد العدالة وتحجب البراءة عمن يستحقها إرضاء للرأى العام، مع أن تغيير الظلم بالظلم ضرب من الحماقة، والحلول الثورية لا تطلب شيئا سوى الإصلاح الدائم لا الترقيع المؤقت، وهو أمر لا يأتى إلا بالتفكير الخلاق بعيدا عن القوالب الجاهزة.
كنت قد اقترحت حلا مماثلا بخصوص جهاز أمن الدولة الذى كنت أتمنى ألا يتم حله، بل يتم عزله عن المجتمع لمدة 5 سنوات على الأقل يعمل فيها تحت إشراف قضائى كامل، ويُمنع قبول استقالات المنتسبين إليه، حتى تتم محاسبتهم بالكامل على أدائهم خلال الفترة السابقة ويتم حصر ثرواتهم ومحاكمة من يثبت تورطه فى التعذيب أو القمع، وتأهيل الباقين ممن لم يثبت تورطهم أو فسادهم نفسيا وثقافيا وسياسيا قبل إدماجهم فى أى عمل أمنى جديد.
 للعلم، جلب لى هذا الاقتراح الكثير من شتائم بعض ضباط أمن الدولة التى أرسلوها لى شفاهة وكتابة، كما جلب لى شتائم بعض الناشطين الذين هاجمونى لأننى قلت إن هناك ضباطاً شرفاء داخل أمن الدولة، ولذلك تعجبت عندما رأيت هؤلاء فرحين بقرار حل الجهاز وتشكيل جهاز الأمن الوطنى الذى اعتمد كما قرأنا فى الصحف على ثلث المنتسبين للجهاز السابق، مع نقل الباقين إلى جميع إدارات الداخلية، مع أننا لو فكرنا فى ذلك القرار لوجدنا أن فيه إقرارا بعدم صلاحية هؤلاء الضباط للمهام الدقيقة التى كانوا يؤدونها،
ولذلك كان يجب أن يتم عزلهم ومحاسبتهم وتأهيلهم قبل أن أنقلهم بعيدا عن أعين الرقابة القضائية التى تضمن عدم إضرارهم بالمجتمع. لست أقلل هنا من أى جهود يقودها اللواء منصور عيسوى وزير الداخلية، واللواء حامد عبدالله، رئيس جهاز الأمن الوطنى، لتشكيل الجهاز الجديد، فقد سمعت أنباء مبشرة عنه من عديد من الناشطين الحقوقيين والسياسيين الذين التقوا الوزير، ومن اثنين من ضباط الجهاز الجديد اللذين طلبا أن يلتقيا عدداً من المثقفين بصفة ودية، وحدث ذلك بالفعل فى دار ميريت للنشر، حيث تحدث الضابطان بشكل جاد حول السعى الجاد لإيجاد ضمانات قانونية لكل تحركات الجهاز الجديد، واستمعا إلى مطالب المثقفين وتحفظاتهم،
ورغم الانطباع الإيجابى الذى خرجت به من الجلسة فإننى قلت لهما وأكرر قولى إنه لا مكان للتفاؤل بمستقبل هذا الجهاز قبل إعلان آلية شاملة تكفل رقابة قضائية وحقوقية وبرلمانية على كل إجراءاته وتصرفاته، وتضمن نزع هالات السرية والقداسة التى كانت سببا لارتكاب انتهاكات خطيرة على أيدى هذا الجهاز، ينبغى ألا ينساها التاريخ فى بلد آفته النسيان.
كنت أتمنى أن تكون لدينا إمكانية تطبيق حل ثورى يقضى بعزل رموز عهد مبارك من الصحفيين والإعلاميين طيلة فترة الانتخابات المقبلة عقابا لهم على جرائمهم الصارخة فى حق الشعب المصرى بنفاقهم الدائم لرموز الحكم ومشاركتهم فى الفساد السياسى والاقتصادى وتحريضهم على الثورة والثوار، لكن ذلك سيعتبر انتهاكا صارخا لحقوق هؤلاء فى التعبير عن آرائهم، لذلك أظن أن هناك حلا وسطا يكمن فى ممارسة الضغط الشعبى عليهم من خلال منظمات المجتمع المدنى لتذكير الناس بتلك الجرائم، لكى لا يؤدى الصمت عليها إلى عودتهم لممارسة التضليل الإعلامى بطرقهم الأفعوانية التى تجرى فيهم مجرى البول فى المسالك البولية. (إذا صدمك التشبيه فضع يدك على كليتك وتذكر بعض ما كتبوه وما أذاعوه وستدرك كم هو تشبيه رقيق قياسا بما يستحقونه).
وفيما يتعلق برفع اسم مبارك من محطات المترو والمدارس والمنشآت العامة، فقد سبق لى أن اقترحت قبل الثورة حلا ثوريا هو استصدار قرار يحظر إطلاق اسم أى زعيم أو قائد سياسى على أى منشأة عامة، والاكتفاء بإطلاق أسماء الشهداء والمفكرين والأدباء والفنانين والعلماء. حل ثورى آخر أقترحه بخصوص الجدل المثار حول حذف كل ما يتعلق بمبارك وعهده من كتب التعليم، فإننى أتمنى ألا نقع فى خطأ كلاسيكى سبق تكراره من قبل يجعلنا لا نحترم عقول أبنائنا ونتصور أن حجب فترة تاريخية عنهم هو الحل، لذلك أتمنى من الآن وحتى العام المقبل أن يتم عقد لجنة تقوم بكتابة ما ينبغى أن يوضع فى مناهج التعليم عن عهد مبارك،
وأقترح أن يتم قصره على الأرقام التى تحققت فى عهده مثل أرقام منشآت البنية الأساسية ومعدلات الأمية والفقر ونسب الثراء وتوزيعها فى طبقات المجتمع، وأرقام المليارات المهدرة فى قضايا الفساد الاقتصادى، وأرقام الشهداء والضحايا الذين سقطوا فى عهده برا وجوا وبحرا، ومعدلات انتشار الأمراض الخطيرة، وجميع الأرقام فى المجالات المختلفة سواء كانت له أو عليه، بحيث يتم وضعها دون تلوين لكى يتمكن الطالب من استنباط حكمه الخاص على هذا العهد.
دعنى أختتم هذه الطائفة من الحلول الثورية، بحل سيبدو لك شديد الهيافة لكنه ربما أعجبك دونا عن بقية الحلول السابقة، وهو أن نستخدم فنون الجرافيك فى تشويه صورة الرئيس المخلوع مبارك الموجودة فى آلاف الأفلام والمسلسلات التليفزيونية، بنفس الطريقة التى فعلتها ثورة يوليو بمئات الأفلام التى وردت بها صورة الملك المخلوع فاروق، وليكن ذلك لمدة شهر واحد فقط نكرس فيه القطيعة مع الماضى المباركى، ونستمتع فيه بذلك الإحساس الثورى الذى سيكون مفيدا أن يشاركنا فيه مبارك وأسرته وأعوانه خلال فترات تسليتهم الطويلة فى عنابر السجون ومستشفياتها.
قل علىّ مجنونا أو موتورا أو خائفا أكثر من اللازم عندما أقول لك كل هذه الحلول، لكن عندما يأتى يوم تدرك فيه أننى كنت محقا فيما اقترحت، قل ولو حتى فى سرك: والله كان عندك حق، يا ليتنا استمعنا إلى حلولك تلك، وأدركنا أنه لابد لمن اتلسع من الريادة أن ينفخ فى الشفافية.
هذا وتُستقبل الشتائم على البريد الإلكترونى المذكور أسفله، وفى حالة نشر أى شتائم على أى موقع من مواقع شبكات الإنترنت برجاء إرسال الروابط واللينكات الخاصة بها، لكى تصل الشتيمة لمستحقها.
belalfadl@hotmail.com
المصدر جريدة المصرى اليوم

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق