فيديو المكتبة الوثائقية .. أرض مصر .. من أخذها وبأي ثمن

عاش المصريون عبر آلاف السنين في شريط ضيق لا تتجاوز مساحته خمسة بالمئة من مساحة بلادهم، لكن السنوات القليلة الماضية، شهدت ظاهرة جديدة، تحولت خلالها أراضي الدولة إلى منجم ذهب بالنسبة لقلة قليلة، ينتمي أفرادها إلى طبقة ارتبطت عضويا بالنظام المنهار.
لا يوجد تقدير واضح لحجم ما نهب من أراضي مصر خلال سنوات قليلة، ولا توجد جهة ولاية حكومية يمكن أن ترشدك إلى من أخذ ماذا وكيف. لكن الذين التقيتهم في هذا الوثائقي، ومعظمهم ممن بادروا إلى التحذير من "هذه الجريمة" قبل سقوط النظام، أكدوا أن الفساد الذي حذروا منه أشبه "بقطرة في بحر الفساد الذي ظهر الآن".
تقول إحدى الروايات أن مافيا الأراضي استولت على 16 مليون فدان وهي مساحة توازي مساحة خمس دول مجتمعة في الشرق الأوسط هي فلسطين التاريخية، وقطر والبحرين والكويت ولبنان.
عندما التقيت اللواء عمر الشوادفي، رئيس جهاز تخطيط استخدامات أراضي الدولة، لأسأله عن حجم ما نُهب وقيمته، قال إن ما يتردد مجرد استنتاجات وتقديرات، وان معرفة قدر ما نهب يتطلب عملية مسح ورصد لعدة سنوات لأراضي مصر التي تقدر بمليون كيلو متر مربع أي حوالي 240 مليون فدان.
لكن تقريرا سريا أعده الجهاز المركزي للمحاسبات في يونيو، حزيران من العام الماضي، أكد أن قيمة ما نهب من أراضي الدولة في قطاع التنمية الزراعية فقط، تبلغ قيمته حوالي 100 مليار جنيه مصري ، أي حوالي 20 مليار دولار أمريكي بأسعار ذلك الوقت.
ولتخمين قيمة الفاقد علينا أن نعرف أن قطاع التنمية الزراعية هو قطاع واحد لتخصيص أراضي الدولة، إضافة إلى قطاعات التنمية الصناعية والسياحية والمحليات.

البداية

ثمة تواريخ فارقة في تخصيص أراضي الدولة، فقد بدأت مصر في التمدد خارج الوادي الضيق بشكل ملحوظ في منتصف السبعينيات وبعد حرب أكتوبر 1973، عندما شرع السادات في بناء سبع مدن جديدة معظمها في محيط القاهرة.
لُقب المهندس حسب الله الكفراوي وزير الإسكان والتعمير في عهد السادات وبعده في عهد مبارك، بأب المدن الجديدة.
عندما التقيته في مدينة السادس من أكتوبر، قال لي " إن فلسفة السادات قامت على أن الأرض ملك للمواطنين الذين يعيشون عليها ولا ينبغي لأحد أن يتاجر فيها، وإن من لا يملك قطعة من هذه الأرض للحياة فيها والعمل فيها والموت فيها، لن يكون له انتماء لمصر".
يروي الكفراوي أن علاء ، الابن الأكبر للرئيس المصري السابق قد جاءه في عام 1993 وطلب منه ألف فدان في السادس من أكتوبر، وأنه رد مستغربا "ألف متر تقصد؟"، وطلبت منه أن يبلغ والده بذلك، ولم يفعل ولم أعطه الأرض.
لكن السياسة الحكومية تغيرت بعد مغادرة الكفراوي، فقد بدأت الدولة في منح مساحات شاسعة من الأرضي لرجال الأعمال وكبار المسؤولين وأقارب الرئيس وأصهاره.
شركة بالم هيلز للتعمير، من أكبر الشركات التي حصلت على أراضي في مصر، وتذهب بعض التقديرات إلى أن مخزون الشركة من الأراضي قد يصل إلى عشر مساحة مصر.
تأسست الشركة من قبل وزير الإسكان المسجون حاليا أحمد الغربي وابن خالته ياسين لطفي منصور في عام 2005، أي قبل شهور من تولي المغربي وزراة الإسكان.
الوثائق التي حصلت عليها بي بي سي ، تظهر أن بالم هيلز أثناء وجود المغربي في الوزراة اسست بالم هيلز ، أكثر من 10 شركات شقيقة تعمل في مجال التعمير وشراء الأراضي بالمدن الجديدة. كان من ثمارها هذا العقد الذي وقعه الوزير مع شريكه وابن خالته في أغسطس،اب عام الفين وستة.
كما يظهر اجتماع الجمعية العمومية للشركة في مارس ألفين وتسعة أسماء علاء محمد حسني السيد، نجل الرئيس السابق ومحمود الجمال صهر جمال مبارك، في قائمة كبار المؤسسين.

نفس الأسماء

تختلف المناطق وتتكرر الأسماء، فقد تحول الساحل الشمالي الموازي للبحر المتوسط، والذي اعتبره الرومان مخزنا لاحتياطي مصر من النبيذ والغلال، إلى ساحة منافسة حامية بين كبار الشركات المصرية والخليجية.
تبدأ القصة، كما حكى لي السمسار عوض، باتصال رجل الأعمال أو الشركة بالبدو في المنطقة والاتفاق معهم على وضع أيديهم على مساحات شاسعة من أراضي الدولة، ثم تأتي الشركة وتشتري منهم حق وضع اليد، وتتقدم بأوراق للجهات الحكومية تفيد بذلك.
في الغالب كان ما يحصل عليه البدو أكبر بكثير مما تحصل عليه الدولة، وتحولت رمال الساحل الشمالي إلى منتجعات سياحية وقرى مغلقة كلفت مليارات الدولارات ولا تستخدم سوى لأسابيع معدودة في العام. عندما قلت لعوض أنني قادم من الخليج ومعي حوالي 100 ألف دولار وأريد أن اشتري قطعة أرض هنا، قال لي "مفيش خدوها رجال الأعمال".
تتكرر نفس الأسماء والشركات على طول الساحل بدءأ من قرية مارينا باتجاه الغرب، بالم هيلز التي تتملك قرى هاسيندا باي الساحرة، إعمار ، بورتو مارينا وغيرهم الكثير.
في طريق العودة من الاسكندرية ستمر على طريق القاهرة / الاسكندرية الصحراوي، وقد تحول هذا الطريق خلال أعوام قليلة إلى مصدر للثراء السريع، بعدما قررت الدولة بيع الأراضي على جانبيه لاستصلاحها واستغلالها زراعيا.
كان سر الطريق معروفا لفئة قليلة، هنا تملك محمود الجمال صهر جمال مبارك، وعلى بعد كيلومترات قليلة منه تملك مجدي راسخ صهر علاء مبارك، وغير بعيد منهم قصر رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف.
يكشف المهندس أيمن المعداوي، الرئيس السابق لهيئة التنمية الزراعية كيف نهبت أراضي الطريق تحت سمع وبصر الدولة.
" كان المشترون يأتون إلى هنا ويعرفون ان موقع الأرض متميز جدا ولا يصلح للزراعة ، ويتقدمون لشرائها واستصلاحها واستزراعها، لكنهم يبدأون في بناء القصور الواحد تلو الآخر، وتتحول الأرض التي كانت مخصصة للزراعة إلى منتجعات تباع فيها القصور بملايين الجنيهات".
باعت الدولة الأراضي في تلك المنطقة بسعر 200 جنيه للفدان، وسمحت للمشترين بداية ببناء على مساحة 2 % منها، ثم ارتفعت إلى 7% مع دفع غرامة، لكنك حين تسير على الطريق ستجد منتجعات فارهة بنيت على غالبية المساحة، وتحول محيطها إلى ملاعب جولف ومساحات خضراء تروى بمخزون المياه الجوفية الذي كان احتياطيا للزراعة.

ثروة المستقبل

على سواحل البحرين المتوسط والأحمر، وعلى جوانب الطرق الصحراوية وفي المدن الجديدة، بيعت مئات آلاف الأفدنة لعدد محدود من الشركات ورجال الأعمال بأسعار بخسة أو شبه مجانية، وأصبحت الأرض أهم أرصدة الدولة المصرية حكرا لأقلية ضئيلة. والنتيجة أن قاعات المحاكم صارت ممتلئة بمئات القضايا التي تطعن في شرعية هذه العقود.
يؤكد المهندس الاستشاري والناشط الاجتماعي ممدوح حمزة أن هذه العقود شابها الفساد ومن ثم فهي باطلة، لأن البيع تم بالأمر المباشر دون إجراء مزايدة وعروض مفتوحة.
ويعتبر الكاتب الصحفي سعد هجرس أن حق المصريين في استرداد تلك الأراضي مكفول حسب القوانين المحلية والدولية، ويقول " من حسن الحظ أن الأرض ليست أرصدة منقولة وإلا تم تهريبها كما هربت أرصدة آخرى".
لكن المشترين، ومنهم الشركة المصرية الكويتية التي اشترت 26 ألف فدان بالقرب من العياط قرب محافظة الجيزة بقيمة تبلغ حوالي مليون دولار في عام الفين وثلاثة، يرون أنهم دفعوا أعلى سعر طلبته الدولة عندما طرحت الأرض للبيع.
الأمر نفسه يؤكده المهندس سليمان عامر، صاحب ومؤسس السليمانية، الذي حصلت مجموعته على حوالي 2800 فدان على طريق القاهرة – الاسكندرية، إذ يقول "لقد قمنا بكل شيء في وضح النهار، ولم نكن نعمل في السر، حصلنا على الموافقات المطلوبة ودفعنا حق الدولة".
لكن أوراق الدولة نفسها تشير إلى أن السليمانية انتهكت بنود العقد الثاني وبنت مشروعا سكنيا وفنادق وملاعب جولف وبحيرات صناعية ومنشآت خدمية مختلفة، تستغل المياه الجوفية في المنطقة.
كل هذه الجوانب وغيرها تشاهدونها  ضمن سلسلة وثائقيات "ما لا يقال".
الفيلم من إعداد الزميل عمر عبد الرازق، وتولت إدارة التحرير فيه نجلاء العمري.




Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق