فهمى هويدى .. ما أنكره وما التبس

بقلم: فهمي هويدي
7 مايو 2011 08:29:03 ص بتوقيت القاهرة

ما أنكره وما التبس

تعليق السيد عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح على ما كتبته فى هذا المكان تحت عنوان «سقط مبارك ونجحت المصالحة». لا يفسر إلا بأحد أمرين: إما أن الرجل لم يكن جادا فيما قاله، أو أنه افترض أن القارئ بلا ذاكرة.

ففى مقاله الذى نشرته له صحيفة «الشروق» يوم الخميس الماضى (5/5) أراد أن يقنعنا بأربعة أمور:

الأول: أن المصالحة لم تكن مفاجئة، وأن الجديد هو توافر إرادة إنهاء الانقسام فى الساحة الفلسطينية. الثانى: أن مصر فى العهد السابق لم تكن منحازة لا للرئيس أبومازن أو للسلطة فى رام الله. الثالث: أن الرئيس الفلسطينى وقع على ورقة المصالحة متحديا بذلك ضغوط الولايات المتحدة وإسرائيل. الرابع: أن حركة حماس وقعت على الورقة المصرية بعد سنة ونصف السنة دون تعديل أو إضافة، وأن التفاهمات التى تم الاتفاق أخيرا لم تغيِّر شيئا فيما ورد بالورقة الأصلية.

رغم أن مجرد ذكر النقاط الأربع يكفى بحد ذاته فى التدليل على عدم جديتها، ومن ثم يغنينا عن مناقشتها والرد عليها، إلا أننى سأذّكر فقط بعدة أمور غائبة عنه أو أنه حرص على تغييبها. فهو حين يرى أن الجديد فى الاتفاق الأخير هو أن الإرادة الفلسطينية توافرت، فى غمز غير مباشر فى الأطراف الأخرى التى تحفظت على الورقة ورفضت توقيعها فى مرحلة سابقة، فإنه تجاهل أهم المتغيرات التى حدثت فى المنطقة العربية، وعلى رأسها سقوط نظام الرئيس مبارك، الذى قاد معسكر «الاعتدال»، الموالى للولايات المتحدة وإسرائيل، والراعى العربى الأهم للسيد أبومازن والسلطة الفلسطينية فى رام الله. وهو تجاهل أيضا الدوى الذى أحدثه صوت الشعوب العربية التى هتفت «الشعب يريد إسقاط النظام»، وهو ما دفع الشعب الفلسطينى إلى الخروج فى تظاهرات رددت النداء «الشعب يريد إنهاء الانقسام».

السيد عزام الأحمد تجاهل أيضا أن السيد أبومازن تخلى عن عناده وقبل بتحفظات حركة حماس، لأنه يريد لم الشمل الفلسطينى، ليس حبا فى المصالحة التى تجاهلها فى الاحتفال بتوقيعها، ولكن لأنه يريد الذهاب إلى نيويورك فى شهر سبتمبر القادم ليطلب من الجمعية العامة الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وقد حرص على الذهاب إلى هناك من مركز قوة نسبية، ووراءه صف فلسطينى موحد، باعتبار أن الانقسام يضعفه فى هذه الحالة.

نسى صاحبنا أيضا أو تناسى أن النظام السابق وقف إلى جانب قيادة فتح والسلطة ليس فى مفاوضات المصالحة فحسب، وإنما أيضا فى حصار غزة وملاحقة عناصر حماس الذين كانت عناصر السلطة تتولى الإرشاد عنهم عند معبر رفح، ناهيك عن أن نظام مبارك كان يقف فى مربع سياسى واحد مع السيد أبومازن وضد حماس. والوثائق التى بثتها قناة الجزيرة قبل ثلاثة أشهر، إذ فضحت أسرار المفاوضات التى دارت خلال السنوات الأخيرة بين ممثلى السلطة وبين الإسرائيليين والأمريكيين كاشفة ليس فقط عن انحياز النظام المصرى السابق لأبومازن وجماعته، ولكن أيضا عن المدى الذى بلغه انبطاح قيادة السلطة واستسلامها المهين لرغبات الولايات وإسرائيل. وهما الجهتان اللتان زعم السيد الأحمد أن أبومازن تحدى الضغوط التى مارستاها. ولا أريد أن أنكأ ذلك الجرح لكننى فقط أدعوه إلى قراءة هادئة لتلك الوثائق، لكى يدرك إلى أى مدى تجنى على الحقيقة وأهدر المعلومات الموثقة فيما عبر عنه فى رده.

أما الغريب والمدهش حقا، فهو ادعاء السيد الأحمد أن التفاهمات التى تم الاتفاق عليها أخيرا لم تغير شيئا مما ورد فى الورقة المصرية، فى حين أن أى باحث جاد إذا ما أتيح له أن يطلع على نص التفاهمات، سيدرك على الفور أنها تضمنت جميع التحفظات التى أبدتها حماس على الورقة المصرية، التى سبق رفضها طوال الثمانية عشر شهرا الماضية، وهى التى قبلت بها قيادة السلطة أخيرا، وأقرت بأنها ملزمة لها عند تطبيق الورقة المصرية. وللعلم فإن موضوع تفعيل المجلس التشريعى الذى فازت حماس بأغلبيته لم يكن مذكورا فى الورقة المصرية، ولكن نصت عليه التفاهمات الأخيرة.

لقد ذكر السيد الأحمد أن التفاهمات لم تغير شيئا فى مضمون الورقة المصرية لأنها ركزت على كيفية تنفيذ بنودها وتلك نقطة ملتبسة ذكرت نصف الحقيقة أو ربعها. ففى الورقة حديث عن تولى رئيس السلطة إصدار القرارات الخاصة بتشكيل لجنة الانتخابات ومحكمة الانتخابات واللجنة العليا للأمن. لكن التفاهمات قيدت من سلطة الرئيس واشترطت أن يتم كل ذلك بالتوافق.

بمعنى أن أى تشكيل تعترض عليه حماس لا يتم والعكس صحيح. فكيف يدعى صاحبنا بأنه لا تغيير فى الأمر، وأن 18 شهرا ضاعت على المصالحة بلا جدوى؟
المصدر جريدة الشروق

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق