يسرى فودة .. بتهمة الغباء السياسى

.. بتهمة الغباء السياسى
يسري فودة
Sun, 01/05/2011 - 08:06
طول الطريق، بعد انتهاء لقائى بالسباعى أحمد السباعى، المسؤول الأول عن تقارير الطب الشرعى فى مصر، وجملة عبقرية للرئيس الراحل أنور السادات تسيطر على عقلى. كان رئيس مصر، فى سعيه لتثبيت حكمه فى مراحله الأولى فى مثل هذه الأيام من عام 1971، يستعد للتعامل مع من سماهم مراكز القوى بتهمة التآمر عليه عن طريق التنصت على محادثاته الهاتفية، لكنهم بعد ذلك لجأوا إلى ما كانوا يظنون أنها ستكون ضربة قاضية فقدموا استقالة جماعية، فما كان منه سوى أن قبلها ببساطة وأطلق جملته العبقرية: «دول لازم يتحاكموا بتهمة الغباء السياسى».
شىء من هذا القبيل، بمعنى من المعانى، حدث ليلة الأربعاء الماضى بوصولنا فى نهاية مواجهة تليفزيونية مع السباعى، امتدت أكثر من ساعتين ونصف الساعة، إلى بيت القصيد عندما تحدث بافتخار عن كيفية وصوله لمنصبه: «كنا بنيجى بالأقدمية.. أول واحد جه بالاختيار هو أنا»... بالاختيار من جانب من؟...
«جهات كتيرة»... هل من هذه الجهات جهاز أمن الدولة؟... «ممكن يكون أمن الدولة.. مش معنى إن أمن الدولة هو اللى جابنى يبقى أمن الدولة له فضل علىّ، لأ».
فى الليلة نفسها بادر الدكتور أيمن نور بالاتصال بالبرنامج للرد على بعض مزاعم السباعى بحقه، لكن هذا رفض أن يمنحه فرصة للرد، وهو أيضاً فى حد ذاته تصرف كان يمكن للسادات أن يحاكمه عليه بتهمة الغباء السياسى. وفى الليلة التالية كان من واجبى أن أمنح نور الفرصة كاملة للرد فأكد أنه أثناء وجوده فى سجن طرة استطاع تسريب صور فوتوغرافية لإصابات فى ظهره، وأن ضابطاً من جهاز أمن الدولة استجوبه فى هذا الأمر فرد عليه بذكاء: «والله الشخص الوحيد الذى صورنى هو الشخص الذى وقّع الكشف الطبى علىّ، وهو السباعى»، وعندئذ قال له الضابط: «لاااااا، السباعى ده بتاعنا، السباعى ما يسربش».
سيستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن نستطيع تنظيف هذا الوطن، فما ورثناه من فساد يمتد عقوداً طويلة إلى الوراء. فى أثناء ذلك سيستميت كل من له مصلحة فى البقاء سواء لغرض إطالة أمد الانتفاع أو لدرء تبعات السقوط أو لكليهما معاً وسيجد من يسانده، ولكن فقط إلى حين. فمثلما يوجد فى العلوم الإمبيريقية شىء اسمه نقطة الحسم Critical Point يوجد الشىء نفسه فى العلوم الاجتماعية، ومنها علم السياسة. الأمر، للتبسيط، أشبه بسفينة على وشك الغرق، سيكون كل واحد من ركابها على استعداد لمساعدة الآخر إلى أن تأتى لحظة يزداد فيها ضغط الظروف المحيطة ويكون عليه أن يختار بين أن ينقذ نفسه أو أن ينقذ الذى إلى جواره. منتهى المثل على هذه القاعدة هو يوم الحشر، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه.

الصمدر جريدة المصرى اليوم

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق