فهمى هويدى .. الإصلاح ليس قضية لغوية

بقلم: فهمي هويدي
18 مايو 2011 08:46:07 ص بتوقيت القاهرة

الإصلاح ليس قضية لغوية

 حين يقرأ المرء أن الحكومة السورية شكلت لجنة لإعداد قانون جديد للانتخابات «يحاكى أفضل قوانين العالم» (الحياة اللندنية 12/5) فإنه لا يعرف بالضبط ما إذا كان عليه أن يضحك أم يبكى. ذلك أننا بهذا الإعلان نصبح أمام وضع غاية فى الغرابة.

فسوريا منذ أربعين عاما على الأقل لم تعرف أى انتخابات عامة حرة. وبعد تلك المدة الطويلة نفاجأ بأن حكومتها بصدد إعداد قانون جديد من أفضل ما عرفته الكرة الأرضية. علما بأننا لا نعرف بالضبط مدلول العبارة، لأن الانتخابات إما أن تكون حرة أو مزورة ومغشوشة.

وليست هناك انتخابات حرة فقط وأخرى حرة جدا وثالثة حرة جدا جدا. والذى يحدِّث الناس عن انتخابات من الدرجة الممتازة يستغفلهم ويستخف بعقولهم.

وهذا الاستخفاف يبلغ درجة العبث حين يطلق الوعد بعد تغييب للانتخابات والديمقراطية طوال أربعين عاما. لأنه لا يريد أن يقنعنا بأن النظام يريد أن ينتقل من زيرو ديمقراطية إلى أعلى درجات الخبرة البشرية فى الممارسة الديمقراطية. فى الوقت الذى يواصل فيه قتل المتظاهرين وحصار المدن كل يوم.

هذه المزايدة على التحول الديمقراطى تعنى أن النظام السورى يحاول من خلال اللغة تحسين الصورة فى الخارج، واستخدام أفعال التفضيل لدغدغة مشاعر الناس وامتصاص غضبهم فى الداخل.

وتعنى أيضا أنه لا شىء سيتغير على الأرض، حيث ستظل الأوضاع كما هى. وليس ذلك من قبيل التخمين وإساءة الظن، لأن تعامل النظام السورى مع الاحتجاجات الداخلية التى تجاوزت أسبوعها الثامن لا تدع لنا فرصة لإحسان الظن بسياسته، ليس ذلك فحسب وإنما قدم لنا النظام الدليل الذى يقطع بإصراره على إبقاء الأوضاع التى سادت طوال الأربعين سنة الأخيرة دون تعديل يذكر.

ذلك أنه حين تصاعدت الحركة الاحتجاجية فإن السلطة أعلنت عن اعتزامها إجراء عدة إصلاحات كان فى مقدمتها إلغاء قانون الطوارئ المطبق منذ أربعين عاما. ورغم أن الإلغاء يتم بمجرد صدور قرار ولا يحتاج إلى وقت طويل، إلا أنه بعد مضى نحو عشرة أيام على الإعلان زفت الحكومة إلى الجماهير الخبر، وإلغى القانون بالفعل.

ولم يتح لأحد أن يلتقط أنفاسه أو يحسن الظن بالخطوة التى تمت، لأنه فى ذات يوم الإلغاء كانت الرصاصات تحصد أرواح السوريين المحتجين وكانت الدبابات والمدرعات تحاصر بعض المدن وتداهم مدنا أخرى. الأمر الذى يعنى أن التعامل مع الطوارئ كان لغويا بدوره.

فالقانون شطب حقا ولكن حالة الطوارئ ظلت مستمرة، وعقلية الطوارئ بقيت حاكمة، لذلك فلا غرابة فى أن يتم التعامل مع الانتخابات بنفس الأسلوب. بحيث تظل التصريحات الرسمية فى واد، فى حين أن الواقع فى واد آخر مختلف ومعاكس تماما.

أما ما يثير الدهشة حقا فهو تصور المسئولين فى دمشق أن مثل تلك الوعود التى تلوح بالرغبة فى الإصلاح يمكن أن تنطلى على الناس، رغم أنه لم يتح لهم أن يلمسوا على أرض الواقع ما يمكن أن يؤيد صدقيتها.

صحيح أن السوريين تفاءلوا خيرا حين لوح الرئيس بشار الأسد بوعود الإصلاح منذ تولى المسئولية قبل أحد عشر عاما، وصحيح أيضا أن البلد شهد تطورا نسبيا فى الأوضاع الاقتصادية وقطاع الاتصالات والمعاملة فى السجون. لكن دائرة الإصلاح السياسى ظلت مغلقة، أعنى بذلك ما يتعلق بالحريات العامة وحق الناس فى المشاركة فى السلطة ومساءلة القائمين عليها.

وحين يغلق ذلك الباب فإنه لا يعنى فقط موت السياسة، لكنه يعنى أيضا ــ وخبرتنا فى مصر شاهدة ــ إطلاق يد أجهزة الأمن فى إدارة البلد وقمع الناس. وذلك ما حدث فى تعامل السلطة مع الاحتجاجات التى انطلقت من درعا قبل شهرين تقريبا. إذ منذ لاحت بوادرها فى الأفق ثم تناثرت شراراتها فى بقية المحافظات، فإن وعود الإصلاح كانت تدبج وتطلق فى الفضاء من دمشق. فى حين كانت عمليات السحق والقمع الأمنيين تتواصل بشكل حثيث على الأرض فى طول البلاد وعرضها.

أدرى أن للنظام السورى خبرة عريضة فى القضاء على الاحتجاجات وسحق أصحابها، مارسها فى حماة عام 1982، لكننى أستغرب أن يتبع النظام ذات الأسلوب القمعى بعد نحو ثلاثين عاما. متجاهلا أن كل شىء تغير فى داخل سوريا وفى العالم الخارجى. ولا أخفى دهشة من أن تتصرف السلطة بذكاء مشهود فى سياستها الخارجية، وبعقلية معاكسة تماما فى السياسة الداخلية. بما يعنى أنها معنية بشكل النظام بأكثر من عنايتها بشعبيته.

وحين يحدث ذلك فى مرحلة من التاريخ العربى ارتفع فيها صوت الشعوب مدويا، فذلك يعنى أن النظام السورى صار يعاند التاريخ بمثل ما عاند شعبه، الأمر الذى يجعله منتهى الصلاحية من الناحية السياسية، ومن ثم فاقدا للشرعية. وتداعيات هذا المصير لن تكون مقصورة على سوريا، وإنما ستكون لها أصداؤها القوية فى الدول المحيطة بها، ولبنان أولها.

المصدر جريدة الشروق

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق