حسن نافعة .. قنبلة هيكل

قنبلة هيكل
حسن نافعة
Thu, 09/06/2011 - 08:04

فى حديثه إلى الإعلامى محمد كريشان، الذى بثته قناة الجزيرة مساء الثلاثاء الماضى، فجر الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل مفاجأة من العيار الثقيل حين أكد وجود مذكرة تفاهم بين الحكومتين المصرية والإسرائيلية تربط بين صفقة الغاز التى أبرمتها شركة «غاز شرق المتوسط» مع إسرائيل وبين معاهدة السلام المبرمة بين الحكومتين المصرية والإسرائيلية عام 1979، وهو ما يشكل بعدا جديدا وخطيرا فى هذه الصفقة لم يسبق لأحد أن تحدث عنه من قبل بهذا الوضوح والصراحة. فقبل حديث هيكل، كنا نتصور أننا نعرف الكثير عن هذه الصفقة المشبوهة، ليس فقط بحكم ما كتب أو بث عنها فى مختلف وسائل الإعلام، ولكن لأنها كانت أيضا موضوع نزاع قضائى تداولته المحاكم الإدارية على مدى سنوات وانتهى بصدور حكم شهير شكل إدانة قاطعة لسلوك وممارسات النظام وضاعف من شعور الشعب المصرى بالخزى والعار وهو يرى حكومته تلهث وراء إسرائيل وتبيعها سلعة استراتيجية على هذه الدرجة من الأهمية بثمن بخس يقل كثيرا عن الأسعار العالمية، وكأن مصر قد أصبحت فجأة دولة عظمى غنية تريد أن تتعطف على جارتها الفقيرة والمحتاجة!.

كان من الطبيعى أن يغلى الدم فى عروق المصريين وأن يتساءلوا عن أسباب هذا السخاء المباركى المفاجئ تجاه إسرائيل. فحتى حسنوا النية تجاه النظام السابق وجدوا فى هذه الصفقة دليلا فاضحا على عدم كفاءة النظام وافتقاره لأبسط معايير المهنية، أما الذين لم يكونوا يحسنوا الظن بالنظام فقد وجدوا فيها دليلا مؤكدا على وجود فساد كبير لم يستبعدوا أن يطول رأس النظام نفسه، على الأقل بحكم روابط الصداقة الشخصية التى ربط بين مبارك وبين صديقه حسين سالم، مؤسس شركة «غاز شرق المتوسط»، صاحبة الامتيار. ولأن معلومات كانت قد تناثرت هنا وهناك، بعضها يؤكد أن عددا من أفراد أسرة مبارك شركاء رسميين بينما يؤكد بعضها الآخر أن الشركة كلها مملوكة ملكية خالصة للأسرة الحاكمة فى مصر، وأن حسين سالم ليس سوى واجهة لإدارة استثمارات الأسرة المباركية، فقد استحوذ الفساد على القسط الأكبر من اهتمامنا ولم ننتبه بما فيه الكفاية إلى جوانب أخرى فى المسألة قد تكون أشد وأنكى ومن شأنها أن تلحق أضرارا جسيمة بأمن الوطنى المصرى!.

كان هيكل يتحدث من واقع وثيقة، هى فى الواقع ملف شركة «غاز شرق المتوسط» المملوكة لحسين سالم «وآخرين من رجال الأعمال المصريين البارزين»، الذى وقع فى يد هيكل بطريق الصدفة، ويتبين منه:

1- أن الشركة تعهدت لإسرائيل بان تكون مورد الغاز الوحيد لها

2- أن هدفها توفير كل ما تحتاجه إسرائيل من غاز بـ«أسعار لا تقبل المنافسة»

 3- أنها معفاة من الضرائب.

4- أن صفقات توريد الغاز طويلة الأجل لأن مصر تعهدت لإسرائيل بان تزيد من حجم إنتاج الغاز المصدر لها إلى 11 بليون متر مكعب فى عام 2020. 4- أن تل أبيب تفضل الغاز المصرى لأنها ترى انه «مناسب للنمو الاقتصادى المنشود، إلى جانب حفاظه على البيئة، علاوة على السعر المغرى الذى تقدمه مصر».

أوراق الشركة تقول ببساطة أن مصر تهدر فى هذه الصفقة ما قيمته حوالى 6 مليار دولار تدخل إلى جيب إسرائيل. لكن المشكلة الحقيقية لم تكن فى خسارة مصر لهذه الأموال وإنما تمكين إسرائيل من الإمساك برقبة مصر وذلك عن طريق إبرام مذكرة تفاهم تسمح بإدراج البند الخاص بصفقة الغاز بين البلدين ضمن إطار الالتزامات الواقعة على عاتق مصر بموجب «اتفاقيات كامب ديفيد»، أو معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.

ويبدو أن انشغال محمد كريشان بموضوع الثورات العربية ورغبته فى التعرف على رؤية الأستاذ هيكل لمستقبل هذه الثورات، حال دون الحديث تفصيلا عن هذا الجانب، وهو الأخطر، والذى قصد الأستاذ هيكل من إثارته أصلا إلقاء الضوء على تعقيدات العلاقة بين الداخل والخارج. وهذه خسارة.

 إذ يبدو أن الأنظمة العربية، وعلى رأسها النظام المصرى، ذهبت فى محاولاتها لشراء أمنها هى واستقرارها إلى حد رهن أوطانها ومصادرة مستقبل شعوبها. ومن الواضح أن الأمر اخطر بكثير مما كنا نتصور.

أعتقد أن هذا الأمر مازال بحاجة إلى استجلاء الكثير مما لايزال يبدو غامضا وإلى متابعة اكثر تدقيقا. وقبل أن نفتح هذا الملف أتوجه برجاء شخصى إلى الأستاذ هيكل لينشر نص مذكرة التفاهم التى اشار إليها فى حديثه، لأن الأمر ما زال بحاجة إلى معرفة تفاصيل كثيرة. ويبدو اننا إزاء كارثة.

المصدر جريدة المصرى اليوم

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق