في نهاية عام 1992 تحولت إمبابة الغربية إلي ثكنة عسكرية.. أكثر من 13 ألف ضابط وجندي حاصروا الحي العشوائي المكتظ بالسكان ذي الحواري الضيقة.. كبار رجال وزارة الداخلية اللواء حلمي الفقي مدير الأمن العام، واللواء فادي الحبشي مدير مباحث القاهرة، ومدير أمن الجيزة، ورئيس مباحث أمن الدولة بالجيزة، وعدد آخر من قيادات الوزارة كانوا يرابضون داخل نقطة شرطة المنيرة الغربية بشارع المطار.. عشرات من المصفحات وحاملات الجنود كانت تحاصر الحي وتنتشر في شوارعه.. الرئيس السابق حسني مبارك يتابع الأخبار لحظة بلحظة حول ما يدور داخل الحي.. كل هذا الحشد بحثاً عن الشيخ جابر، الذي أعلن لمراسلة وكالة رويترز أنه رئيس جمهورية إمبابة.
أكثر من 15 يوماً ظلت القوات مرابضة بحثاً عن هذا الشقي الذي دوخ وزارة الداخلية.. وأخيراً تم القبض علي جابر الطبال الذي تحول إلي إمبراطور يحكم إمبابة ويتحكم في حياة سكانها.. يمنع الأفراح، ويفرض النقاب، ويغلق محال الاقباط، كان يأمر فيطاع.
وقد قامت السينما بإنتاج فيلم يحكي قصة جابر الطبال، هو فيلم »دم الغزال« الذي جسد شخصيته الفنان محمود عبدالغني.
ولأننا سمعنا عنه كثيراً فكان لزاماً علينا أن نسمع منه فتحدث بمرارة وصوته مليء بالشعور بالظلم والاضطهاد بعد تجسيد شخصيته بصورة مهينة في فيلم »دم الغزال«.
إنه جابر أحمد محمد الشهير بـ»جابر الطبال« أو رئيس جمهورية إمبابة الذي نفي أنه طبال أو أنه قد طبل في يوم واحد علي طبلة، وأكد أنه يعمل فني كهربائي وليس طبالاً، ونفي أيضاً أن يكون قد أعلن رئاسته لجمهورية إمبابة كما صوره فيلم »دم الغزال« بذلك.
واتهم مؤلف الفيلم بأنه كان يعمل لحساب أجندة أمنية والنظام السابق لتشويه صورته.
وأكد أنه خشي أن ينزل ميدان التحرير في أول أيام الثورة حتي لا يقال عنه إنه رئيس جمهورية إمبابة ينازع رئيس الجمهورية علي حكم مصر.
التقيناه وسألناه:
< في البداية من جابر الطبال؟
- أنا لم أكن يوماً من الأيام طبالاً وأنا طول عمري فني كهربائي واسمي جابر أحمد محمد من مواليد بولاق أبوالعلا، متزوج وعندي ثلاثة من الصبيان وخمسة من البنات وانضممت للجماعة الإسلامية عام 1984.
< كيف انضممت للجماعة الإسلامية؟
- قبل انضمامي للجماعة الإسلامية كنت عضواً في جماعة التبليغ والدعوة لمدة عامين أي منذ عام 1982 وحتي عام 1984، ولكنني اكتشفت بعد مرور عامين أن قيادات التبليغ والدعوة قالوا لي في إحدي الجلسات إن الجماعة »ملهاش« دعوة بالسياسة ولا بأمراض الأمة، ولذلك قررت أن أنضم للجماعة الإسلامية.
< وهل كانت لديك ميول سياسية ولذلك قررت الانتقال من التبليغ والدعوة إلي الجماعة الإسلامية؟
- لقد كان والدي ناصرياً وكان يعشق الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وعندما أبلغتني قيادات التبليغ والدعوة أنهم لن يمارسوا العمل السياسي فقلت لهم وكيف ستتحرر فلسطين وكيف سنطبق الشريعة الإسلامية، ولذلك جئت إلي إمبابة والتقيت بالشيخ علي عبدالظاهر أحد قيادات الجماعة الإسلامية واقنعني بالانضمام إلي الجماعة الإسلامية.
< وهل كنت مسئولاً عن إمارة الجماعة الإسلامية في إمبابة؟
- لا لقد كنت فقط أساهم في الصلح بين العائلات التي ينشب بينهم خلاف وكنت أساهم في العمل الدعوي الديني.
< متي تم اعتقالك؟
- عام 1992 ولمدة 14 عاماً كاملة حتي عام 2006 منها تسع سنوات في الحبس الانفرادي.
< وما التهم التي كانت منسوبة إليك؟
- تهمة قلب نظام الحكم والانتماء إلي جماعات إسلامية متطرفة كما كان النظام يحب أن يسميها كذلك.
< ولماذا تم حبسك انفرادياً؟
- بسبب ما سموه التقارير الطبية، حيث اتهموني بالجنون والخلل العقلي وأنني أكلم العنكبوت والقطط والنمل.
< ومتي التقيت بقيادات الجماعة الإسلامية؟
- التقيت بهم في السجن السياسي حيث التقيت بالشيخ كرم زهدي وناجح إبراهيم وعصام دربالة وعبود وطارق الزمر.
< عندما تم اعتقالك تم وصفك برئيس جمهورية إمبابة فما حقيقة ذلك؟
- قناة أوروبية شهيرة هي التي أطلقت هذا الوصف واللقب ولقد اساءت لي كثيراً وخدمت النظام القديم في تشويه صورتي وأحب أن أوضح أنه لا توجد دولة في إمبابة داخل دولة مصر، وإمبابة توجد بها العديد من القبائل المحترمة من صعيد مصر ولا أحد يقبل في إمبابة أن أعمل عليه بلطجياً، وبعدين هي إمبابة، ولم أكن في يوم من الأيام بلطجياً ولا شيخاً ولا طبالاً كما وصفني النظام السابق، ولقد كنت فقط عابداً وليس عالماً بالجماعة الإسلامية، ووصفتني وسائل الإعلام بأنني رئيس جمهورية إمبابة ولم نذكر أنني عضو بالجماعة الإسلامية حتي آخذ الشكل الإجرامي وليس الإسلامي.
< باعتبارك عضواً في الجماعة الإسلامية في ثمانينيات القرن الماضي وقت استخدامها للعنف ألم تشارك في أي أعمال مسلحة ضد النظام السابق؟
- مبدئياً لو فيه حاجة مسلحة في إمبابة كانت قد ظهرت، ولم أشارك في أي عمل مسلح منذ انضمامي للجماعة الإسلامية حتي الآن، وتوجد إصابة في إصبعي اليمني الذي يستخدم لوضعه في الزناد، وهذه الإصابة لا تمكني من الضغط علي الزناد لاستخدام السلاح، وكل ما فعلته أنني شاركت بمسجد الرحمن بمنطقة الاعتماد في الأنشطة الاجتماعية وحل مشاكل المتنازعين من مواطني إمبابة فقط.
< هل أعلنت رأيك في الرئيس المخلوع حسني مبارك قبل اعتقالك عام 1992؟
- الجماعة الإسلامية قالت له أكثر من مرة أنك ظالم، أما أنا فكان رأيي فيه أن مبارك »أونطجي« وبيضحك علي شعبه في كل شيء سواء في السياسة أو الاقتصاد، وكان يقول لشعبه إن الاقتصاد بخير وحال البلد واقع، ورأيي أن حسني مبارك كان بينفذ أجندة الغرب وكان شرطي المنطقة العربية وكان ينفذ تعليمات الغرب.
< وهل كنت تتحدث عن آرائك السياسية داخل المعتقل مع قيادات الجماعة الإسلامية؟
- دائماً كنت أحب أن أضيف البسمة داخل المعتقل لجميع إخواني وكنت أقلد الشخصيات السياسية وأقول رأيي في كل شيء خاصة موضوع التوريث، حيث قلت إننا سوف نحضر أحفاد مبارك وهم يحكمون مصر، كما كنت اتحدث عن شباب مصر بطريقة غير لائقة حيث إنني وصفت الشباب أنه لا يمتلك روح الثورة و»عايش حياته ومسقط البلطون«.
< وهل تغير رأيك في الشباب المصري بعد الثورة؟
- نعم أنا حالياً أريد أن أقبل أيادي كل شاب مصري لأنهم انتشلونا من العار الذي كنا فيه بقيامهم بثورة 25 يناير.
< وهل شاركت في الثورة؟
- نعم لقد شاركت في الثورة بعد أربعة أيام من قيامها.
< ولماذا لم تشارك منذ بدايتها؟
- لأنني خشيت أن يقال إن رئيس جمهورية إمبابة نازل التحرير لينازع رئيس الجمهورية علي حكم مصر، وكانت الجهات الأمنية تملك ملفات أمنية كثيرة علينا وكانت هناك متابعة، وخشيت أن أكون صورة سيئة للثورة إذا فشلت وقلت لزوجتي وأولادي إذا نزلت التحرير وحصل أي شيء يفشل الثورة سأكون مثلاً سيئاً للثورة، لذلك قررت عدم النزول ولكن اثنين من ابنائي نزلا التحرير بدون علمي.
< ولماذا لم يقولا لك؟
- عندما نزل اثنان من أبنائي وهما عمار وإبراهيم لميدان التحرير منذ بداية الثورة، قالت لي زوجتي إن عمار بينزل التحرير وخايف يقولك، فقلت لها أخبريه إنني لا أعرف خشية مني أن تحصل حاجة ويحققوا معايا في أمن الدولة واعترف علي ابني.
< ومن الذي اقنعك بنزول ميدان التحرير بعد قيام الثورة بأربعة أيام؟
- سمعت الدكتور يوسف القرضاوي يتحدث في إحدي الفضائيات ويناشد المصريين بالنزول للميدان ووقتها قالت لي ابنتي كلمة جرحتني بها حيث قالت لي: »يا بابا عيب عليك تكون قاعد في البيت والفتوي قد جاءت من القرضاوي بالنزول، لذلك قررت النزول للميدان.
< ولكن الشيخ القرضاوي مرجعية جماعة الإخوان المسلمين وأنت مرجعيتك الجماعة الإسلامية التي كانت تناهض النزول للميدان وأصدر الدكتور ناجح إبراهيم بياناً أكد فيه بداية الثورة إن الشرعية الدستورية أفضل من الشرعية الثورية؟
- رغم انتمائي للجماعة الإسلامية لكنني أحب جميع التيارات الإسلامية، ولا أحب أحداً بيحب ناحيتهم أو عليهم، وأنا أنقدهم بيني وبين نفسي واعتبر حبي لهم عقيدة.
< ما رأيك في اختيار الدكتور عصام دربالة أميراً للجماعة الإسلامية خلفاً للدكتور كرم زهدي.. ألا تري أن الجماعة سيغلب عليها العمل السياسي أكثر من الدعوي باعتبار أن دربالة يفضل العمل السياسي؟
- أري أن الله عز وجل أنعم علي الجماعة الإسلامية أن يكون الشيخ عصام دربالة أميراً لها، ودائماً كنت مع اختيار دربالة منذ سنين مع كل احترامي لكرم زهدي ولو فيه تقصير في العمل السياسي خلال السنوات الماضية سندركه خلال الفترة المقبلة.
< فيلم »دم الغزال« جسد فيه الممثل محمود عبدالمغني شخصية الشيخ »ريشة« وكان يقصدك أنت فهل ما ظهر في الفيلم هو شخصيتك أو قريبة منك؟
- أنا بعيد كل البعد من شخصية الشيخ »ريشة«، وهذا الفيلم لم أشاهده لأنني كنت في السجن، ولم يقابلني الممثل ولا المخرج ولا المنتج حتي يجسدوا شخصيتي، وأنا أريد أن أوجه لهما سؤالين خلال جريدتكم، وهو: من أين أتيتم بهذه المعلومات التي تم عرضها من خلال الفيلم؟! وأين الرجل الذي تم قطع يديه في الفيلم هل هو موجود أو هو شبح من خيال المؤلف؟! فإذا أجابوا انتم أخذوا هذه المعلومات من جهات أمنية فإنهم بذلك يعترفون أنهم ينتمون للنظام السابق، ولا يجوز أن يتم تجسيد شخصيتي أنني رئيس جمهورية إمبابة.
< لماذا شاركت في الثورة هل كنت تثور ضد مبارك فقط أم ضد وزير داخليته أو مأمور السجن الذي كنت فيه؟
- كنت أثور ضد أي شخص يريد أن يجهض الثورة، وضد أي شخص قتل المتظاهرين وقام بتهريب الفلوس خارج مصر.
< ومن أكثر الشخصيات التي كرهتها في النظام السابق؟
- حسني مبارك.
< من أفضل وزير داخلية عاصرته في مصر؟
- أحمد رشدي.
< قلت إنك قابلت أعضاء ثورة 23 يوليو وثورة مصر داخل السجن فمن هم؟
- نعم لقد قابلت محمود نورالدين وسامي شرف أعضاء تنظيم ثورة مصر وذلك في سحن التجربة وذلك قبل أن ادخل العنبر السياسي مع قيادات الجماعة الإسلامية.
< كيف كان يتم تعذيبك داخل السجن؟
- لا أريد فتح ملفات تحقيقات التعذيب الآن وذلك لمصلحة مصر، ومصر تعيش الآن ضغوطاً بعد الثورة، ولابد أن نعطي فرصة بعد الثورة للمجلس العسكري لإدارة الدولة.
< هل تري أن الأموال التي نهبتها قيادات النظام السابق وأولهم حسني مبارك من الممكن أن تعود لمصر؟
- لن تعود فلوس مصر إلا إذا تم سجن مبارك وأعوانه في نفس الزنازين التي حبسونا فيها والتي كانت مساحتها مترين ونصف المتر في مترين فلو تم حبس جمال وعلاء وحسني مبارك فيها انفرادياً مثلما فعلوا لمدة تسع سنوات هيعترفوا الفلوس أين هربوها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق