الدكتـور البرادعـي المرشـــــــح لرئاسة مصر يتحدث لـ المدينة :خــادم الحرميــن أول زعيم حـــــــــذر من فقدان الثقة بين الشعوب العربية وأنظمة الحكم

في المرحلة الحرجة التي تمر بها مصر الآن يصبح من الضروري التعرف على رؤى المتقدمين لرئاستها والعودة بها إلى محيطها العربي الإسلامي. والحق أن أي حديث عن التغيير في مصر يستدعي إلى الذاكرة رئيس الجمعية الوطنية للتغيير الدكتور محمد البرادعي المرشح لرئاسة الجمهورية.
ورغم أن الرجل فرض نفسه على قوائم المرشحين حتى قبل رحيل النظام السابق، فإنه يؤكد أن قراره بالترشيح لم يتبلور إلا بعد 25 يناير.
ولا يمل البرادعي من التأكيد على ضرورة ترتيب المرحلة الانتقالية الحالية بهدوء ودون تعجل بحيث يكون هناك دستور جديد ثم انتخابات برلمانية ثم رئيس جديد. ويتساءل هنا كيف أتقدم لوظيفة رئيس دون أن أعرف ملامح أو سمات الوظيفة والمهمة التي جئت من أجلها؟ وفي ضوء ذلك اقترح الدكتور البرادعي تشكيل مجلس رئاسي مؤقت لإدارة المرحلة لكن اقتراحه لم يجد قبولًا من المجلس العسكري الذي يتولى إدارة شؤون البلاد مؤقتًا حتى الآن.
سألت الدكتور البرادعي عن برنامجه الانتخابي والمصاعب التي تواجه مصر والاتصالات، التي جرت بينه وبين الرئيس السابق حسني مبارك قبل رحيله عن الحكم وعن قضايا أخرى عديدة.
وحين سألته عن خادم الحرمين الشريفين قال انه ينحاز بشدة لحكمة هذا الزعيم وانه كان دائم الاتصال والالتقاء به للتزود من أفكاره.
يرى الدكتور البرادعي أن خادم الحرمين الشريفين كان أول زعيم عربي يستشعر أزمة فقدان الثقة بين الشعوب والأنظمة العربية، محذرا من خطورة ذلك وداعيا للاستجابة لتطلعات الشعوب العربية.. إلى التفاصيل.
متى اتخذتم قرار الترشيح
قرار ترشيحي بجدية جاء بعد الثورة مباشرة.. فكلنا قبل الثورة كان هدفنا التغيير، حيث وصلنا إلى مرحلة من التدهور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي أيضًا.. وتوحدت آراؤنا على ضرورة التغيير، حيث لم يكن من اللائق ان تصل مصر إلى ما وصلت إليه نتيجة سوء الإدارة وفساد الحكم.. والحق اننا لم نكن نعرف اننا وصلنا لما وصلنا إليه من فساد في مصر الا بعد الثورة حيث تكشفت الأمور.. وفي تلك الأثناء كنت أعمل بين الشباب بصورة مباشرة أحيانًا وغير مباشرة في أحيان أخرى.. لقد راهنت على الشباب وقلت ذلك على الملأ وسمعني العالم كله.. وقلت ان التغيير الذي ننشده هو تغيير سلمي ثم حدثت الثورة وجاء ممثلو الشباب وطلبوا مني ان نكمل معا ما بدأناه قبل الثورة.
لقد كان هدفنا وما زال هو التغيير وبعد ان نجحت الثورة أصبح لهدفنا معنى كبير وقيمة كبرى؛ وقد كان.. حيث قلت لهم سأستمر في العمل معكم لنواصل المشوار سويا من أجل بلدنا الحبيب.
* سألت الدكتور البرادعي: رغم ان قراركم بالترشح جاء كما تقولون بعد الثورة، فان رسائلكم الشهيرة عن حتمية التغيير قبل الثورة كانت تفسر رغبتكم الشديدة في خوض غمار الترشيح للرئاسة؟
- قال: رسائلي للأمانة وللتاريخ كانت مجرد وسيلة للضغط على النظام، ولم أكن أملك الا قوة الحق وبالتالي كانت رسائلي تؤكد ضرورة الاستجابة لقيم الحق والعدل.. وبعد ذلك قلت ان قوتنا في عددنا ونستطيع ان نغير كل شيء طالما وحدنا صفوفنا وقد حدث.. لكنني بصراحة شديدة أقول لم أكن أتوقع قبل 25 يناير ان تحدث الثورة بهذه القوة وهذه السرعة وبهذا الحشد العظيم.
ان مصر في يوم 12 فبراير كان فيها نحو 16 مليون مصري في الشوارع ولا نذكر على مدى تاريخ الثورات في العالم ان حدث ذلك.. ان عقودا من الفقر والقهر والحرمان كانت كفيلة بان تصيب هذا الشعب العظيم باليأس إلى الأبد.. لكن ما حدث جاء مبهرا للعالم كله، حيث تحقق تغيير النظام بأسلوب سلمي تماما.
* سألته: متى دخلتم على الخط الداخلي لمصر وعرفتم كم الفساد وضرورة التغيير.. في أي سنة تقريبا؟
- قال: حقيقة كنت أعرف ملامح أو دلائل الفساد في مصر من خلال عملي في وكالة الطاقة الذرية وعن طريق أشخاص من المصريين وغير المصريين، فضلا عن قراءة كل التقارير التي تنشر عن مصر من جهات محايدة.. ثم ان زياراتي المستمرة لمصر كانت تتيح لي التعرف عن الوضع حيث أسمع وأرى وأناقش.. وبصراحة لم يكن من الصعب اكتشاف أي فرق بين ما يكتب عن مصر وما يحدث بالفعل على أرض الواقع.. لقد اتسعت الفجوة الاجتماعية بصورة رهيبة وازداد حجم الفساد بشكل مخيف.. وفي نهاية 2009م اقتربت أكثر وأكثر وغصت في الواقع المصري..
لقد كانت المعارضة آنذاك مهمشة بالكامل ولا صوت الا صوت الحزب الحاكم.. وكان المطالبون بحياة حرة وكريمة يعذبون بل ويقتلون أحيانًا.. يستوي في ذلك أهل اليسار والاخوان المسلمين والإخوة الأقباط وكل شرائح المجتمع.. كل ذلك كان يؤكد لي بوضوح ان الدولة فشلت تماما رغم هذا الغطاء والادعاء الإعلامي الأجوف.. لقد فشلت الدولة وأصبحت على حافة السقوط. لقد بلغ عدد المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر أكثر من 42% ويعني ذلك ان هؤلاء لا يتجاوز دخلهم دولارين اثنين في اليوم. كما وصلت نسبة الأمية في هذا النظام الذي صدّع الناس بالحديث عن الحضارة والتقدم إلى 30%. وعندما تطلع على أي مؤشر لمعدلات التنمية البشرية تجد مصر في قاع القائمة.. وهكذا كانت الصورة.. فكلما ازداد فشل النظام في تحقيق آمال وتطلعات الشعب اقترب سقوطه لقد كانت الأمور تزداد سوءًا على جميع الأصعدة.
إلى الخلف
* سألت الدكتور البرادعي: ألم تحاول ان توجه لأركان النظام رسالة أو رسائل تبلغهم فيها بتعرض مصر للانهيار؟
- قال: كنت دائما ورضاء لضميري عندما آتي لمصر أوجه رسائل غير مباشرة.. لقد كان عملي كرئيس لوكالة الطاقة الذرية يمنعني من التدخل المباشر في أي شأن داخلي لأي دولة حتى وان كانت بلدي ولقد أديت القسم على ذلك.. وبرغم ذلك في كل عام كنت ألتقي الرئيس حسني مبارك وغيره من المسؤولين وأوجه لهم النصح وأنقل لهم رؤيتي بضرورة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.. قمت بذلك لمدة 5 سنوات.. وتحديدا بعد أزمة العراق وتدخل مبارك في الأزمة وبالتالي ازدياد فرصة التحدث إليه.. وكنت أقول لهم ان الأمور لا تسير إلى الأمام وإنما إلى الخلف فأرجوكم الاهتمام.
* سألته: وماذا عن تقييمكم للمرحلة التي تمر بها مصر الآن؟
- قال: إنها مرحلة حرجة للغاية واليوم عندما ننظر ونتأمل نكتشف ان تنفيذ أو تمكين الثورة أسهل كثيرا من إدارة الثورة.. وهذا من الناحية العملية والتاريخية أيضًا أمر مقبول فكل ثورة تمر بفترة صعبة.. فبعد عقود طويلة من القهر والقمع لا بد من صعوبات في طريق الحرية والديمقراطية.
إن المصريين لم يعرفوا الحرية بمفهومها الدقيق من عقود.. ما زال هناك الكثير من العواطف.. نعم أصبحوا أحرارًا لكن هناك أفرادًا لا يستطيعون كيفية إدارة الحرية وممارستها معا في إطار جماعي..
* سألته: وما أبرز هذه المصاعب؟
- قال: أستطيع أن ألخصها في ثلاثة عناصر هي:
أولًا: الانفلات الأمني الموجود وهذا في الحقيقة وحتى الآن ما زال لغزا أمامنا.. لماذا بعد 4 شهور يصر الأمن على الغياب؟! لماذا تستمر محاولات الانقلاب على الثورة بشهادة الجميع بمن في ذلك المجلس العسكري.. لماذا تواصل عناصر النظام السابق وأمن الدولة زعزعة الاستقرار بعد الثورة؟
هذه مكونات القلق في العنصر الأول.. مع ملاحظة أن الأمن مرتبط بالاقتصاد وبالسياحة تحديدا وهذا ينقلنا مباشرة للعنصر الثاني حيث الاستثمارات الخارجية المتوقفة.. أما العنصر الثالث فهو عدم وضوح الرؤية في إدارة المرحلة الانتقالية.
ملعب متساوٍ
* سألته: وكيف يمكن إدارتها؟
- أجاب: كان رأيي ولا يزال اننا لا يجب ان نسرع في عملية الانتقال واننا لا بد ان نأخذ بتجربة أو بتجارب مماثلة مثل إندونيسيا وشرق أوروبا وأمريكا اللاتينية، كما ينبغي ان يتم الأمر على خطوات تدريجية، بحيث نلتف جميعا حول مجموعة من المبادئ والقيم التي سنعيش معها وبها في المستقبل وهذا لا يتأتى الا من خلال دستور جديد للبلاد يحظى باتفاقنا جميعا عليه باختلاف توجهاتنا وأيديولوجياتنا.. ثم نعطي الأحزاب الجديدة الفرصة كي تنافس بجدية في ملعب سياسي متساو.
لقد كنت أركز قبل 25 يناير على أهمية ان يشارك كل مصري في الحياة السياسية بما في ذلك جماعة الاخوان المسلمين طالما كانت المشاركة في إطار سلمي.
ان إجراء الانتخابات البرلمانية في سبتمبر المقبل لن يقود إلى ملعب مستو وما زال رأيي ورأي كثيرين يقول بضرورة تأجيل الانتخابات إلى ان نعطي لكل مصر الفرصة في ان يستطيع المشاركة الفاعلة.
كذلك أرى ضرورة ان تكون الانتخابات البرلمانية بطريقة القائمة النسبية، حيث ان الانتخابات على الأساس الفردي ستؤدي في هذه المرحلة الحرجة إلى ظهور العصبيات خاصة في الأقاليم، فضلا عن فتح الفرصة كلها للجماعات الإسلامية سواء المنظمة منها أو غير المنظمة وكذلك أعضاء الحزب السابق، ومن ثم في النهاية لن تمثل جميع فئات الشعب المصري.
انني مع طريقة اختيار الأفكار والمبادئ وليس الأفراد والعصبيات وغير ذلك من مظاهر غير موضوعية..
انني أود ان أرى في البرلمان القادم ممثلين عن النوبيين ولبدو سيناء وللمرأة وللأقباط. وكل ذلك سيأتي إذا قمنا بالانتخاب بطريقة القائمة النسبية.. وبعد ذلك تأتي الانتخابات الرئاسية.
إذ كيف يمكن ان تكون هناك انتخابات رئاسية قبل أن أعرف طبيعة النظام السياسي للدولة.. ان رئيس جمهورية في دولة تختار النظام الرئاسي يختلف عن رئيس جمهورية في دولة تقوم على النظام البرلماني. ودائما أقول انني لا استطيع ان اتقدم لوظيفة لا أعرف مواصفاتها. ومن ثم فلا بد ان يكون هناك دستور أولًا تعقبه انتخابات برلمانية ثم انتخابات رئاسية.. هناك ثمة خلاف في رؤيتي هذه مع رؤية أعضاء المجلس العسكري ومع آخرين خاصة جماعة الاخوان المسلمين.
* قلت له: انهم -الاخوان المسلمون- يردون هنا بقولهم انه ليس ذنبنا ان نكون منظمين وجاهزين لأي انتخابات برلمانية!
- أجاب: نعم هذا صحيح! إنما لا بد ان نأخذ في اعتبارنا ظروف مصر التاريخية. فعندما ننتقل إلى نظام ديمقراطي بعد ستة عقود من غياب الديمقراطية لا بد ان أعطي كل مصري الفرصة ليساهم على نفس القدر من المساواة والعدالة في ملعب متساو.
وحقيقة الأمر ان مصر لم تكن فيها أحزاب قوية وبالتالى أناشدهم ان يتفهموا الموقف.. لقد كنت أول من طالب بعدم ابعادهم وتسميتهم بالجماعة المحظورة وكنت أطالب بحقهم في المنافسة الشريفة.. ولا شك ان المنافسة الشريفة بعد 25 يناير تقتضي ان نعطي الفرصة للجميع حتى يجهز كل حزب نفسه للتواصل مع الشعب.. وإذا أخرنا هذه الانتخابات لستة شهور ستكون الفائدة أعم.. انه طلب مشروع حيث لا بد ان تكون الديمقراطية قائمة على فكرة العدالة والمساواة وعدالة الفرص.
* سألت الدكتور البرادعي: أعرف ان علاقتكم بالسيد عمرو موسى المرشح المنافس في الانتخابات الرئاسية جيدة وكذا علاقتكم بالسيد حمدين صباحي والمستشار هشام بسطاويسي والدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح وهم كلهم مرشحون منافسون، فلماذا لا تشكلون تكتلا لمخاطبة المجلس العسكري وجموع الشعب بضرورة التمهل في خطوات المرحلة المقبلة؟
- قال: نعم نحاول ذلك، ولكن مخلفات النظام القديم في عدم القدرة على توحيد الصفوف ما زالت قائمة.. ان كل المرشحين يتفقون معي في هذا الطرح وكذا الشباب الذين رفضوا المشاركة في الحوار القائم لانهم الشباب الذين رفضوا المشاركة في الحوار القائم ولانهم جميعا يرون ان خطة الطريق غير واضحة وانه ما زالت هناك محاكم عسكرية.. هناك كرة جليد تكبر في مصر حاليا نحو المطالبة بإعادة النظر في خطة الطريق المتعلقة بالمرحلة الانتقالية.. ولعلنا نلاحظ جميعا أن الاستفتاء الأخير لم يكن حول التوقيت وإنما كان على تعديل دستور فقط بعد الاستفتاء بيومين.
اننا نعمل الآن من خلال إعلان دستوري أصدره المجلس العسكري وهذا الإعلان الدستوري يتغير بالتأكيد بتغير الظروف وفي مصر ثمة تغيرات تحدث كل يوم فهناك صعوبة لان تجرى انتخابات خلال شهرين في ظل غياب أمني واضح..
وعموما فنحن نمر بمرحلة مخاض آمل ان تنتهي إلى وفاق وطني وهذا هو المهم.
انني أطرح الآن مشروعا يقضي باتفاق كل القوى على عدد من أساسيات شكل الدولة ومجموعة الحقوق غير القابلة للتصرف أو التغيير ومنها حرية الرأي، وحرية تكوين النقابات وكل الحريات التي اتفق عليها العالم من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ان يتم ذلك حتى وان جرت الانتخابات البرلمانية قبل إعلان الدستور.. أريد ان أقول اننا جميعا ينبغي ان نتفق على أرضية مشتركة تشكل العقد الاجتماعي الذي يضم أفراد كل دولة هذا هو ما أحاول مع آخرين ان أفعله في تلك المرحلة. لقد كسرنا الجدار وأصبحنا نرى أمامنا وبالتالى نستطيع ان نتلافى (المطبات).
* قلت له: إذن فأنت ماض في الترشح سواء كانت الانتخابات قبل الدستور أو بعده؟
- قال: أنا ماض في قراري طالما يتم في إطار ديمقراطي.
* قلت: وماذا عن اقتراحك الخاص بمجلس رئاسي لفترة انتقالية؟
- قال: لم يقابل بالترحيب من المجلس العسكري وأنا ما زلت أرى انه الأنسب بحيث يستمر المجلس الرئاسي لعامين.. انني أقدر ظروف المجلس العسكري وأعلم انه يريد ان يعود لثكناته سريعا.. واتفهم ذلك وقلت لهم إذا كنتم تريدون التفرغ لمهمتكم الأساسية في الدفاع عن البلاد، فيمكن إنشاء مجلس رئاسي يشاركون فيه مع عدد من المدنيين لإدارة المرحلة الانتقالية، وكتابة الدستور والإشراف على الانتخابات، لكن هذا الطرح لم يجد ترحيبا من جانبهم.
لقد قامت دول عديدة بتشكيل مجلس رئاسي يدير المرحلة الانتقالية مثل سلوفينيا وحققت نجاحا كبيرا.
والمهم في البداية والنهاية ان تحقق الثورة ما قامت من أجله بحيث يكون كل مصري حرا وله الحق في حياة آمنة وكريمة.
ومع ذلك فأنا مرن جدا في الأساليب أما المبادئ فلا تتغير.. ومن هذه المبادئ ان نصل إلى ديمقراطية حقيقية وعدالة اجتماعية وليس استنساخ النظام السابق.
* إلى أي نظام رئاسي تميلون؟
- أميل إلى نظام رئاسي برلماني لانه يقوم على المؤسسات أكثر من الأشخاص، ونحن في مصر وعلى امتداد التاريخ كان النظام أقرب للنظام الفرعوني.. ولكن في غياب أحزاب قوية من الصعب ان نبدأ بنظام برلماني وإذا كان الائتلاف الذي سيتشكل من الأحزاب الخمسة أو الستة الموجودة فسوف يصيب الحياة السياسية بالشلل ومن ثم فانه ينبغي في المرحلة الأولى وكي نستطيع ان ننضج سياسيا من الناحية الديمقراطية ان يكون هناك نظام خليط بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني كالنظام الفرنسي ويتلخص في اعطاء بعض الصلاحيات لرئيس الجمهورية وبعضها للحكومة والبعض الثالث للبرلمان مع وجود نظام قضائي متين.
هذا برنامجي
* سألته: وماذا عن برنامجكم الانتخابي؟
- أجاب: أبرز ملامح برنامجي الانتخابي هو التركيز على الطبقات المهمشة في المجتمع.. هناك 50% من أبناء الشعب المصري تحت خط الفقر وليست لديهم الحاجات الأساسية من صحة وتعليم وملبس وهكذا ومهمتنا ان نحاول مساعدة هذه الطبقات المحرومة من مستوى الحياة اللائق.. وفي نفس الوقت كيف يمكن ان يزداد دخل مصر فلكي نستطيع ان نحقق الحياة الكريمة للشعب ينبغي ان تكون هناك موارد.. كذلك لا بد ان يكون هناك حد أدنى لائق للأجور..
ان تركيزنا في المرحلة الحالية ينبغي ان ينصب في كيفية زيادة دخل مصر وان تكون هناك بنية أساسية متكاملة كما فعلت دول الخليج وبحيث تكون البنية لائقة بموقع ومكانة مصر.
ان تعظيم العائد الاقتصادي لمصر لن يتم الا بواسطة بنية أساسية قوية على غرار سنغافورة وجبل علي، وكذا عن طريق الصناعات اللوجستية.. وكذلك نستطيع ان نحقق تنمية زراعية هائلة بحيث نكون من الدول الزراعية المصدرة لحاصلات مرتفعة القيمة..
وكذلك أرى ضرورة خصخصة الإدارة في القطاع الصناعي.. فليس بالضرورة ان نبيع الشركات الخاسرة وإنما يمكن ان نخصخص إدارتها حيث لا يمكن ان تكون الحكومة مديرا ناجحا في كل الأوقات.. وباختصار فان زيادة القدرة الإنتاجية للإنسان المصري هي الأساسي كما نرى في اليابان وماليزيا وكوريا وغيرها..
وهذا ينقلنا مباشرة للتعليم.. اننا نتكلم كثيرا عن مشروع قومي وأرى ان يكون مشروعنا القومي هو القضاء على الامية.. لقد كنت في كوبا على سبيل المثال وهي دولة تخضع للعقوبات منذ 50 عاما ومع ذلك فان نسبة الامية فيها وصلت إلى صفر في المائة.. كذلك فان لدينا موارد بشرية في الخارج.. في الخليج وأوروبا وأمريكا ويمكن الاستفادة منها في تنمية العملية الاقتصادية والاجتماعية بل والسياسية أيضًا بحكم ما لديها من خبرات وتجارب ونبوغ يتحدث عنه العالم كله.
ان المصريين الآن في كل أنحاء العالم يقولون إذا تحسن حال مصر وبدأت عملية البناء الحقيقي سنعود وسنشارك في عملية البناء الكبير.
انني أرى انه ليس لدينا مشكلة في الموارد المالية فكل الدول ترغب في المساهمة لان مصر هي قاطرة التقدم والتنوير الحضاري وإذا استعادت هذه الدور فسيكون لها تأثير على منطقتها العربية وموقعها الدولي.
نعم لدينا مشاكل ولكن لدينا الحلول ولذلك برغم المطبات في المرحلة الحالية آمل في الفترة القليلة القادمة ان نضع أقدامنا على الطريق الصحيح وان فعلنا ذلك سنكون حديث العالم كله مثلما كنا في ميدان التحرير.
* سألته: ما هي أقرب شرائح المجتمع قربا لك وبعبارة أخرى أنت مرشح التغيير أم مرشح الطبقات الفقيرة؟
- قال: أنا مرشح الشعب مرشح توافقي لكل المصريين وهذا ما تحتاجه مصر الآن، مصر بحاجة لمرشح يعمل مع الجميع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.. مع رجال الأعمال مع الفلاحين والعمال والمثقفين.. ولكن بصراحة فان الشباب قريبون إلى قلبي لانهم هم المستقبل وهم الذين فجروا هذه الثورة.
كما لا أضع نفسي في بوتقة فكرية محددة.. فقط حرية وعدالة ومساواة..
انني أرى في دول شمال أوروبا أمثلة نموذجية نستطيع ان نحققها على المدى الطويل.. ان تعطي الفرد حرياته كافة، وفي نفس الوقت هناك شبكة اجتماعية تساعد غير القادر والعاجز والمهمش وكبير السن.
وإذا أردت ان تضع ميولي الفكري في إطارها الصحيح فقل الشورى والتضامن الاجتماعي المستمدين من الدين الحنيف.
الفاروق عمر
* سألته: ومن الذي استوقفك من الشخصيات المعاصرة والتاريخية أيضًا تأثرت به؟
- قال: من المعاصرين نيلسون مانديلا وغاندي ومارتن لوثر كينج.. فهؤلاء استطاعوا بفكرهم فقط ان يحرروا شعوبهم وأوطانهم من الاحتلال الأجنبي والقهر المحلي والتفرقة العنصرية.
ومن التاريخ الإسلامي أحاول استلهام المثل من الفاروق عمر رضي الله عنه في العدل والصدق والأمانة وكل القيم الإسلامية الجميلة.. وكذلك الخلفاء الراشدون الآخرون بما يمثلونه من قيم حقيقية للإسلام.
* سألته: هل تعتقد أن كثيرًا من الأقباط سيصوتون لكم؟
- قال: لا أستطيع اأن أعرف، لكني أعتقد انه كما سيصوت لي اعداد كبيرة من الاخوان المسلمين سيصوت لي كثير من الإخوة الأقباط لاني كما ذكرت أود ان أكون مرشحا توافقيا لجميع المصريين نركز على ما يجمعنا وننبذ ما يفرقنا وما يجمعنا كثير وكثير جدا وما يفرقنا سطحي وسطحي جدا.. وعموما فان النقطة التي تجمعنا كلنا هي المساواة.
أولويات السياسة الخارجية
* سألت الدكتور البرادعي عن أولويات السياسة المصرية الخارجية من وجهة نظره؟
- قال: رؤيتي بالطبع هي اننا يجب ان نعود لقلب الوطن العربي.. لقد تشرذم العالم العربي بشكل مؤسف وعرفت الحروب والفتن طريقها إليه.. وعندما نرى كم الحروب الأهلية والانقسامات وانعدام الثقة نستشعر الفضاء الحيوي لمصر.. فمكان مصر الحقيقي في قلب العرب.. وعندما يكون هناك توازن قوي ووحدة عربية سينظر لنا العالم بنظرة مختلفة وستحل جميع قضايانا تلقائيا بما فيها قضيتنا الفلسطينية.
ان حجم التجارة الداخلية البينية بين الدول العربية لا يتجاوز 3% وهذا يستدعي ضرورة التكامل الاقتصادي والثقافي بين العرب..
ثم بعد ذلك يأتي اهتمامنا بعمقنا الافريقي الذي أهملناه كثيرا ونجني ثمار ذلك الآن، ثم يأتي إطارنا الإسلامي الذي نأمل ان يصل التوافق والتضامن فيه إلى مستوى جيد.
نحن وإسرائيل
* وماذا عن العلاقات المصرية الإسرائيلية؟
- كنت وما زلت ضد الاتفاقات الخاصة بالسلام المنفرد وأؤمن ان يكون لدينا في نهاية المطاف سلام في المنطقة على أساس عادل.. ان حل القضية الفلسطينية معروف منذ عام 1967م وتم الاتفاق عليه دوليا. سواء فيما يتعلق بالقدس أو بقضية اللاجئين. ثم جاءت المبادرة السعودية أو العربية التي قدمها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله للعالم لتؤطر هذه الرؤية العربية وكيف اننا مستعدون للسلام ولعلاقات طبيعية مع إسرائيل بشرط استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.. لكن شيئا من ذلك لم يتحقق.
ان العلاقات المصرية مع إسرائيل ليست الا علاقة سلام بين الحكومة المصرية أو النظام المصري وبين إسرائيل، وبالتالى فهي ليست بين الإسرائيليين والشعب المصري.. وعندما نريد ان يكون سلام لا بد ان يكون ذلك بين الشعوب العربية وبين إسرائيل وهذا لن يحدث الا بعودة الحقوق وبتعديل إسرائيل لسياستها القمعية والعدوانية من عسف بالفلسطينيين وبناء للمستوطنات.
ان الكرة الآن في الملعب الإسرائيلي ولن تحل هذه القضية عن طريق ما يسمى بالسلام المصري الإسرائيلي لانه سلام وهمي وفي رأيي اننا لسنا في حالة حرب مع إسرائيل ولسنا في حالة سلام ولن تحل المشكلة عن طريق الحرب وإنما عن طريق السلام.. وأقول ان القضية لن تحل الا بتوحد العرب على رأي واحد وعندما يكون لدينا رصيد قوي ناتج من 400 مليون عربي متعلم وقادر على الدخول في عالم التكنولوجيا الحديث.. عندها فقط ستأتي إلينا إسرائيل للبحث عن حل لمشكلتها مع العرب.
حكيم العرب
* قلت له: تحدثتم في أكثر من محفل دولي عن حكمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز فما هي رؤيتكم للعلاقات المصرية السعودية في الفترة المقبلة؟
- قال: لي تقدير كبير لخادم الحرمين الشريفين نابع من معرفتي وتحدثي إليه ومقابلتي معه أكثر من مرة والحق انني رأيت فيه رؤية ثاقبة لجميع المشاكل والقضايا العربية ولمستقبل العرب.. ان لديه رؤية عربية واضحة لان تكون الأمة متكاملة ومتضامنة في إطار من الثقة والتعاون.
وأذكر له الكثير من عباراته التي تلخص جراح العرب وتشخص قضاياهم بموضوعية وصراحة متناهية.. ولن أنسى له كلماته في إحدى القمم باعتبارها أول تصريح علني لزعيم عربي عن خطورة فقدان أنظمة الحكم العربي للثقة بينها وبين شعوبها.. وعندما قابلته بعدها قلت له انني سأستعير كلماتك القوية والواضحة على لسانكم وأرددها دائما لانني لو قلتها من جانبي سأتعرض لكثير من المشاكل.
لقد كان مدركا منذ سنوات طويلة للمشاكل التي تعاني منها بعض الأنظمة العربية الآن ونرى نتائجها في تونس واليمن وليبيا بل وفي مصر.. انني أرى المصداقية في هذا الرجل وأرى الرؤية الثاقبة فيه.. ولا أكون مبالغا إذا قلت انني على المستوى الشخصي أرى فيه نموذجا للقيم العربية الأصيلة.
أما بالنسبة للعلاقات المصرية السعودية فأقول إذا كانت للعرب ركيزتان فهما مصر والمملكة ولن تقوم أي نهضة عربية الا على هاتين الركيزتين.. ليس لأسباب مادية وإنما لانهما دول ذات ثقل كبير.. وهما تكملان بعضهما البعض.
وحتى في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها مصر فانني أعرف كم تسعى السعودية للدعم ليس لمجرد النخوة العربية وإنما لان مصر لا تستطيع العيش دون السعودية والعكس صحيح.
* سألته عن موقفه من مسألة محاكمة الرئيس السابق مبارك وصيغ العفو والصفح التي تصدر بين الحين والآخر في عواصم عربية بل وفي مصر ايضًا؟
- عندما اسافر للدول العربية ألحظ نوعًا من التعاطف باعتبار ان مبارك الآن رجل مريض وكبير في السن وانما هناك بالطبع فرق بين التعاطف وما يراه الشعب المصري من انه لا يوجد أحد فوق المساءلة وأستحضر هنا الحديث الشريف: “لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها”، لقد جاء حجم الفساد المالي كبيرًا.. ومن ثم ينبغي ان تكون هناك محاكمات عادلة واشدد على العدالة هنا، حيث انه عند بناء دولة جديدة تقوم على المساواة والعدالة ينبغي أن تكون محاكمة الرئيس السابق على درجة عالية من المساواة والعدالة.
أما بشأن المحاكمة السياسية لمبارك دون الجنائية، فإن ذلك يحدث لو أن مبارك ما زال رئيسًا، لقد اصبح الآن مواطنًا عاديًا ومن ثم لم يعد يصلح محاكمته بقانون “الغدر” الذي صدر عام 1953م.. والمنطقي الآن ان تكون هناك امام القضاء العادي وأرفض تمامًا محاكمته عسكريًا أو ثوريًا أو نحو ذلك.. لا بد أن نلتزم بالمبادئ والديمقراطية حتى في حالة مبارك.
أما صيغ العفو والصفح فهي متروكة للشعب المصري ورؤيتي الآن انه في ضوء حجم الفساد الذي ظهر يستدعي المحاكمة وأرى ان الحديث عن العفو في المرحلة الحالية لن يجد قبولًا.. ولو كان الرئيس مبارك ترك مصر عندما خاطبته يوم 12 فبراير لكان الشعب سيكون سعيدًا وكانت كرامة الرئيس مبارك محفوظة وكنا تخلصنا من هذه الفترة التي تمر بها مصر وتشغلها عن اشياء كثيرة.. في رأيي ان لدينا كثيرًا من العمل.. لدينا مهمة أكبر في مضاعفة الدخل القومي كيف سنضاعف دخلنا ونرفع الحد الأدنى للاجور ونبحث في توفير المسكن الملائم والمأكل الملائم وعودة حقوق المواطن المصري كاملة.. لدينا مهمات شاقة في بناء مصر من جديد.. هذا هو ما ينبغي ان يشغل المواطن المصري الآن، اما المحاكمات والاحكام فهي مهمة القضاء والمحاكم النزيهة.. يجب ان نوجه اهتمامنا لكيفية بناء مصر.. أن امامنا حجم كبير من المشاكل حيث لا بد ان ننصرف لبناء مصر من جديد.. من الصفر وهي مهمة شاقة لكنها محفزة لكل مصري لأن يعود للبناء.. الشعب موجود وقدراته موجودة ويجب أن نبدأ سريعًا في البناء.
* أخيرًا قلت للدكتور البرادعي ان الاحترام المتبادل بينك وبين مرشحي الرئاسة الآخرين ينبغي ان يتحول لكتلة أو قوة ضاغطة نحو تحسين الاوضاع وترتيب الامور في المرحلة الانتقالية وهذا ما لا أراه وما لم ألحظه عند زيارتي الاخيرة لمصر.
قال: معك كل الحق.. هذا صحيح ويجب أن نبذل جهودًا مضاعفة في هذا الاطار.. وعموما لدي مبادرة لتكوين رؤية مشتركة لتقديمها ليس فقط للمجلس العسكري وانما للشعب كله.. لقد تزايدت الآراء الموحدة حول ضرورة وضع القيم الاساسية التي سنبني عليها مصر من ناحية شكل الدولة واساسيات الحكم آخذين في الاعتبار اهمية وضع دستور جديد للدولة وضرورة تأجيل الانتخابات البرلمانية.. هناك تقارب كبير بين جميع المرشحين في هذا المجال.. ونحن في الوقت الحالي في حوار مستمر لكي نخرج برؤية مشتركة في الاسابيع القليلة المقبلة.

المصدر جريدة المدينة السعودية

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق