بلال فضل
رسالة الكرسي الخالي
Tuesday, July 12, 2011 at 9:50am
إذن، ها هي رسالة أخرى يبعثها المشير لثوار ميادين التحرير: تكريم معنوي قوي لرئيس وزراء عينه الرئيس المخلوع ووقفت ضده الثورة حتى أطاحت به.
آه، أنت أصلا لا تعتبر أن ظهور الفريق شفيق في حفل القوات الجوية كان رسالة، إذن أنت لست مطالبا بأن تضيع وقتك مع شخص مهووس بتحميل الأمور أكثر مما تحتمل، من حقك أن تعتبر أن ظهوره كان نوعا من البروتوكول المرتبط بتاريخه مع القوات الجوية وهو أمر لم يعلن على الشعب ليتفهمه، لكن هل أنت حقا تصدق أن أحدا من المحيطين بالمشير لم يقل له إن حضور الفريق شفيق سيكون له دلالات سيئة في ظل حالة الغليان التي يشهدها الشارع، والتي حاول عصام شرف أن يمتصها بمجموعة إجراءات، قال لشباب الثورة إنه سيترك منصبه هذه المرة لو لم يوافق عليها المجلس العسكري؟!
المشير بالتأكيد يعلم أن هناك بلاغات تم تقديمها إلى النيابة العامة ضد أحمد شفيق، ولا يعلم أحد حتى الآن ما مصير هذه البلاغات، وبالطبع لا داعي لأن يسأل أحد عن مصيرها بعد تكريم شفيق عيانا بيانا، فنحن نعرف أن «القانون ما فيهوش زينب»، لكن ما لا نعرفه، هل انتهز المشير الفرصة واختلى بشفيق على هامش الاحتفال وسأله الأسئلة التي تشغل الرأي العام منذ أشهر: لماذا تأخرت طلبات تجميد أموال مبارك ورجاله في بنوك أوروبا وأمريكا حتى رحل شفيق وما علاقة ذلك بإخفاء هذه الأموال وصعوبة تعقبها؟، كيف هرب في ظل حكومته صديق مبارك الصدوق حسين سالم ورشيد محمد رشيد ويوسف بطرس غالي؟، لماذا سمح شفيق لمحمود وجدي وزير داخليته بأن يخبره بتجميد جهاز أمن الدولة طبقا لمطالب الثورة، فيعلن شفيق ذلك على المصريين ثم يتضح بعد رحيل شفيق ووجدي أن ذلك لم يكن صحيحا، ويبدأ حرق وثائق أمن الدولة ثم يتم اقتحامها ونعرف أنها كانت تعمل بكل طاقتها حتى رحيل شفيق؟. نتمنى أن يكون المشير قد سأل شفيق هذه الأسئلة وغيرها على هامش الاحتفال، وليس مهما أن نعرف إجابات عنها، ولا يهم أن نعرف أيضا لماذا لم تتم محاسبة أحمد شفيق ومحمود وجدي على موقعة الجمل حتى الآن؟
بل لم يتم سماع شهادتيهما أصلا في جلسة استماع رسمية معلنة، لا يهم، فنحن نعرف أن لدينا ثورة عجيبة الشكل تعمل طبقا للمثل الشعبي الشهير: «يوم ما مطرت قلقاس.. جت على ناس ناس»، ولذلك لا يوجد أمل في أن نسأل: لماذا تقع قبضة العدالة على أناس بعينهم وتستثني أناسا ببلوفراتهم؟!
علينا ألا ننهب ونتذكر أن على الثورة أن تأكل منابها ولا تتبطّر على النعمة، وأن ترضى بقليلها وتحمد الله على أنها جت على قد كده.
تعودت كلما أتيت بسيرة الأسئلة التي تطرحها فترة حكم الفريق شفيق أن أتلقى مجموعة من أحط الشتائم من بعض أنصاره الذين يفاخرون الأمم بشياكته وتهذيبه ودماثة خلقه، وهي صفات أشهد له بها وأسأل الله أن تنتقل بالعدوى إلى كل محبيه، ولأن وقتي يضيق عن الرد عليهم فردا فردا فأتعشم أن يصدقوني في أنني أعتقد فعلا أنني لا أرقى إلى مستوى الفريق شفيق، فهو رجل كان صديقا مخلصا لواحد من أسوأ الحكام في تاريخ مصر، كما أنه بنى لمصر مطارات معجزة، لا يوجد مثلها في بوروندي وغينيا بيساوا وسورينام!
وإذا كان هذا يجعله أكبر من أن يمثل أمام العدالة كمشكو في حقه أو حتى كشاهد، فكل ما أطلبه أن نعرف منه شخصيا بصراحته المعهودة إجابات حاسمة عن أسئلة خطيرة، ولو كان ذلك حتى من باب تبرئة ساحته أمام الناس قبل تدشين حملته الانتخابية الرئاسية التي آن لها أن تنطلق بعد هذه الدفعة المعنوية الهائلة من المشير طنطاوي والتي لم يحظ بها أي مرشح من الذين نزلت أسماؤهم في استفتاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
أفتح قوسا هنا لأقول إنني أستغرب بشدة من أصوات ثائرة تتميز غيظا كلما جاءت سيرة ترشيح أحمد شفيق وعمر سليمان للرئاسة، أعتقد أن هذا لا يتفق مع روح الديمقراطية التي يجب أن تتسع للجميع، خصوصا أن طلبات الإقصاء والاستبعاد تعطي هذه الأسماء وغيرها حجما سياسيا أكبر من حجمها الطبيعي، وأعتقد أن الشعب المصري لن يرغب في إعادة إنتاج الماضي المباركي في أي صورة، أيا كانت شياكتها أو جهامتها، أما إذا قررت أغلبية الشعب أن تعيد إنتاج هذا الماضي فذلك من حقها، وعلى من تختاره أن يثبت جدارته بحل مشكلات الناس، وإلا فإنه سيضطر للرحيل عند انتهاء مدته الرئاسية، ماذا وإلا سنكون بصدد إعادة إنتاج الطبعة المباركية من الديمقراطية «ذات الأستك» التي تتسع وتضيق حسب الطلب.
يقودنا الحديث عن الرئيس القادم إلى لغز الكرسي الخالي الذي تم وضعه إلى جوار المشير، والذي ذهب البعض بعيدا في تفسيره، فتصوروا أنه يحمل، لا سمح الله، حنينا إلى الرئيس المخلوع مبارك بكل ما هو معروف عن تاريخه في القوات الجوية، وأتصور أن هذه التفسيرات غير صحيحة، ليس لأن الرئيس المخلوع كان في نفس اليوم يعاني من أزمة قلبية كادت تفتك بطبيبه المعالج (نسأل الله لمبارك الشفاء والانتقال إلى طرة ثم إلى قفص المحاكمة) بل لأن القوات الجوية هي جزء أصيل وحيوي من القوات المسلحة المصرية العظيمة، ولاؤها للوطن والشعب فقط وليس لشخص أيا كان، وانحيازها للثورة جزء من انحياز كل قادة وأفراد القوات المسلحة للثورة المصرية المجيدة، ثورة يناير طبعا، وهو الانحياز الذي أعلنته في كل بياناتها التي أصبحت ملزمة لها أمام الله والوطن والشعب والتاريخ.
في ظني، وبعض الظن ليس إثما، أن الكرسي الخالي كان رسالة من المجلس العسكري إلى كل المصريين تقول بصريح العبارة: هذه البلاد تحتاج إلى رئيس مدني منتخب، لديكم الآن فرصة أن تختاروه بأنفسكم لأول مرة، فتنهوا حكما عسكريا دام منذ عام 1952، فلا تضيعوا هذه الفرصة من أيديكم، والله الموفق والمستعان
هذا المحتوى من
رسالة الكرسي الخالي
Tuesday, July 12, 2011 at 9:50am
إذن، ها هي رسالة أخرى يبعثها المشير لثوار ميادين التحرير: تكريم معنوي قوي لرئيس وزراء عينه الرئيس المخلوع ووقفت ضده الثورة حتى أطاحت به.
آه، أنت أصلا لا تعتبر أن ظهور الفريق شفيق في حفل القوات الجوية كان رسالة، إذن أنت لست مطالبا بأن تضيع وقتك مع شخص مهووس بتحميل الأمور أكثر مما تحتمل، من حقك أن تعتبر أن ظهوره كان نوعا من البروتوكول المرتبط بتاريخه مع القوات الجوية وهو أمر لم يعلن على الشعب ليتفهمه، لكن هل أنت حقا تصدق أن أحدا من المحيطين بالمشير لم يقل له إن حضور الفريق شفيق سيكون له دلالات سيئة في ظل حالة الغليان التي يشهدها الشارع، والتي حاول عصام شرف أن يمتصها بمجموعة إجراءات، قال لشباب الثورة إنه سيترك منصبه هذه المرة لو لم يوافق عليها المجلس العسكري؟!
المشير بالتأكيد يعلم أن هناك بلاغات تم تقديمها إلى النيابة العامة ضد أحمد شفيق، ولا يعلم أحد حتى الآن ما مصير هذه البلاغات، وبالطبع لا داعي لأن يسأل أحد عن مصيرها بعد تكريم شفيق عيانا بيانا، فنحن نعرف أن «القانون ما فيهوش زينب»، لكن ما لا نعرفه، هل انتهز المشير الفرصة واختلى بشفيق على هامش الاحتفال وسأله الأسئلة التي تشغل الرأي العام منذ أشهر: لماذا تأخرت طلبات تجميد أموال مبارك ورجاله في بنوك أوروبا وأمريكا حتى رحل شفيق وما علاقة ذلك بإخفاء هذه الأموال وصعوبة تعقبها؟، كيف هرب في ظل حكومته صديق مبارك الصدوق حسين سالم ورشيد محمد رشيد ويوسف بطرس غالي؟، لماذا سمح شفيق لمحمود وجدي وزير داخليته بأن يخبره بتجميد جهاز أمن الدولة طبقا لمطالب الثورة، فيعلن شفيق ذلك على المصريين ثم يتضح بعد رحيل شفيق ووجدي أن ذلك لم يكن صحيحا، ويبدأ حرق وثائق أمن الدولة ثم يتم اقتحامها ونعرف أنها كانت تعمل بكل طاقتها حتى رحيل شفيق؟. نتمنى أن يكون المشير قد سأل شفيق هذه الأسئلة وغيرها على هامش الاحتفال، وليس مهما أن نعرف إجابات عنها، ولا يهم أن نعرف أيضا لماذا لم تتم محاسبة أحمد شفيق ومحمود وجدي على موقعة الجمل حتى الآن؟
بل لم يتم سماع شهادتيهما أصلا في جلسة استماع رسمية معلنة، لا يهم، فنحن نعرف أن لدينا ثورة عجيبة الشكل تعمل طبقا للمثل الشعبي الشهير: «يوم ما مطرت قلقاس.. جت على ناس ناس»، ولذلك لا يوجد أمل في أن نسأل: لماذا تقع قبضة العدالة على أناس بعينهم وتستثني أناسا ببلوفراتهم؟!
علينا ألا ننهب ونتذكر أن على الثورة أن تأكل منابها ولا تتبطّر على النعمة، وأن ترضى بقليلها وتحمد الله على أنها جت على قد كده.
تعودت كلما أتيت بسيرة الأسئلة التي تطرحها فترة حكم الفريق شفيق أن أتلقى مجموعة من أحط الشتائم من بعض أنصاره الذين يفاخرون الأمم بشياكته وتهذيبه ودماثة خلقه، وهي صفات أشهد له بها وأسأل الله أن تنتقل بالعدوى إلى كل محبيه، ولأن وقتي يضيق عن الرد عليهم فردا فردا فأتعشم أن يصدقوني في أنني أعتقد فعلا أنني لا أرقى إلى مستوى الفريق شفيق، فهو رجل كان صديقا مخلصا لواحد من أسوأ الحكام في تاريخ مصر، كما أنه بنى لمصر مطارات معجزة، لا يوجد مثلها في بوروندي وغينيا بيساوا وسورينام!
وإذا كان هذا يجعله أكبر من أن يمثل أمام العدالة كمشكو في حقه أو حتى كشاهد، فكل ما أطلبه أن نعرف منه شخصيا بصراحته المعهودة إجابات حاسمة عن أسئلة خطيرة، ولو كان ذلك حتى من باب تبرئة ساحته أمام الناس قبل تدشين حملته الانتخابية الرئاسية التي آن لها أن تنطلق بعد هذه الدفعة المعنوية الهائلة من المشير طنطاوي والتي لم يحظ بها أي مرشح من الذين نزلت أسماؤهم في استفتاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
أفتح قوسا هنا لأقول إنني أستغرب بشدة من أصوات ثائرة تتميز غيظا كلما جاءت سيرة ترشيح أحمد شفيق وعمر سليمان للرئاسة، أعتقد أن هذا لا يتفق مع روح الديمقراطية التي يجب أن تتسع للجميع، خصوصا أن طلبات الإقصاء والاستبعاد تعطي هذه الأسماء وغيرها حجما سياسيا أكبر من حجمها الطبيعي، وأعتقد أن الشعب المصري لن يرغب في إعادة إنتاج الماضي المباركي في أي صورة، أيا كانت شياكتها أو جهامتها، أما إذا قررت أغلبية الشعب أن تعيد إنتاج هذا الماضي فذلك من حقها، وعلى من تختاره أن يثبت جدارته بحل مشكلات الناس، وإلا فإنه سيضطر للرحيل عند انتهاء مدته الرئاسية، ماذا وإلا سنكون بصدد إعادة إنتاج الطبعة المباركية من الديمقراطية «ذات الأستك» التي تتسع وتضيق حسب الطلب.
يقودنا الحديث عن الرئيس القادم إلى لغز الكرسي الخالي الذي تم وضعه إلى جوار المشير، والذي ذهب البعض بعيدا في تفسيره، فتصوروا أنه يحمل، لا سمح الله، حنينا إلى الرئيس المخلوع مبارك بكل ما هو معروف عن تاريخه في القوات الجوية، وأتصور أن هذه التفسيرات غير صحيحة، ليس لأن الرئيس المخلوع كان في نفس اليوم يعاني من أزمة قلبية كادت تفتك بطبيبه المعالج (نسأل الله لمبارك الشفاء والانتقال إلى طرة ثم إلى قفص المحاكمة) بل لأن القوات الجوية هي جزء أصيل وحيوي من القوات المسلحة المصرية العظيمة، ولاؤها للوطن والشعب فقط وليس لشخص أيا كان، وانحيازها للثورة جزء من انحياز كل قادة وأفراد القوات المسلحة للثورة المصرية المجيدة، ثورة يناير طبعا، وهو الانحياز الذي أعلنته في كل بياناتها التي أصبحت ملزمة لها أمام الله والوطن والشعب والتاريخ.
في ظني، وبعض الظن ليس إثما، أن الكرسي الخالي كان رسالة من المجلس العسكري إلى كل المصريين تقول بصريح العبارة: هذه البلاد تحتاج إلى رئيس مدني منتخب، لديكم الآن فرصة أن تختاروه بأنفسكم لأول مرة، فتنهوا حكما عسكريا دام منذ عام 1952، فلا تضيعوا هذه الفرصة من أيديكم، والله الموفق والمستعان
هذا المحتوى من
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق