حسن نافعة .. الربيع العربى ومستقبل الجامعة العربية

الربيع العربى ومستقبل الجامعة العربية
حسن نافعة
Tue, 05/07/2011 - 08:00

تسلم الدكتور نبيل العربى مهام منصبه كأمين عام لجامعة الدول العربية خلفا للسيد عمرو موسى فى ظروف فريدة لم يسبق للجامعة العربية أن شهدت لها مثيلا منذ تأسيسها عام 1945. ولأن جامعة الدول العربية كانت ولاتزال منظمة حكومية تقتصر العضوية فيها على الدول، ممثلة بحكوماتها، فقد ظلت النظم الحاكمة هى المهيمن الوحيد على آليات صنع القرار، ولم يسمح لمنظمات المجتمع المدنى بأن تلعب فيها أى دور مؤثر، لذا لم تستطع الجامعة العربية أن تعبر فى أى وقت عن الطموحات والآمال الحقيقية للشعوب العربية، وتحولت إلى مطية سعت النظم الحاكمة لاستخدامها وتوظيفها كشماعة تعلق عليها أخطاءها وتبرر بها ضعفها وتبعيتها.

 ورغم ذلك كله كان بوسع الجامعة العربية أن تقترب أحيانا من طموحات شعوبها وأن تتخذ من القرارات ما يتجاوب - ولو جزئيا - مع هذه الطموحات حين كانت تتوافر ظروف وأوضاع محلية وإقليمية تدفع ببعض النظم الحاكمة فى الدول العربية، خاصة مصر وسوريا والسعودية، لتنسيق سياساتها فى قضايا تتعلق بإدارة الصراع مع الدول الغربية عموما ومع إسرائيل على وجه الخصوص.

 أما الآن فلم يعد حتى هذا الاحتمال قائما فى اللحظة الراهنة بعد أن تغيرت الأوضاع العربية كليا بسبب فقدان الشعوب العربية ثقتها تماما بالأنظمة الحاكمة، وقررت الثورة عليها لتأسيس أنظمة عربية جديدة أكثر قدرة على التعبير عن طموحاتها. وها هو نبيل العربى يدلف إلى عتبة الجامعة بينما رياح التغيير تهب بقوة على العالم العربى من أقصاه إلى أقصاه، دون أن يكون بوسع أحد أن يتنبأ بما يمكن أن تكون عليه ملامح المرحلة المقبلة. فلا النظام الإقليمى العربى القديم، المطعون فى شرعيته وفى مصداقيته سقط، ولا النظام العربى الجديد المأمول تأسس.

فى هذه الظروف الملتبسة، التى قد تستمر لأشهر طويلة وربما لسنوات، من المتوقع أن يواجه الأمين العام الجديد خيارات صعبة وقاسية، فى مقدمتها كيفية المحافظة على الجامعة حية، إلى أن يستعيد جسدها المسجى الآن فى غرفة العناية المركزة قدرته على التنفس من جديد، فهناك دول عربية نجحت ثوراتها، مثل تونس ومصر، لكنها تمر بمرحلة انتقالية تفرض عليها تركيز كل جهدها على ترتيب بيتها من الداخل، ومن ثم لا يمكن التعويل عليها فى هذه اللحظة للعب دور القاطرة لانتشال النظام العربى من محنته الراهنة. والدول العربية التى لاتزال تعيش «حالة الثورة»، مثل ليبيا واليمن وسوريا، تبدو مهددة بحروب أهلية وباحتمالات تدخل خارجى لن يكون بوسع الجامعة أن تفعل الشىء الكثير لدرء مخاطرها فى هذه الظروف الملتبسة والمعقدة. والدول العربية التى لم تهب عليها رياح التغيير بعد تعيش حالة من الذعر والخوف من المستقبل، وقد تدفعها الرغبة فى محاصرة الثورة لارتكاب حماقات.

فى سياق كهذا، يبدو الأمين العام الجديد كأنه يسير على حبل مشدود فى سيرك كبير منصوب. وأظن أن كل ما يستطيع أن يفعله هو حراسة أجهزة التنفس الصناعى فى الجامعة، ومحاولة الإبقاء عليها حية فى هذه المرحلة الصعبة، والتنبه للمحاولات الرامية لتوريطها فى تقديم غطاء سياسى للقوى والمصالح الخارجية التى تسعى بإصرار للتدخل فى الشؤون الداخلية للعالم العربى بحجة تأمين ربيع ثوراته ودفع أزهارها للتفتح!

لا بأس من ذهاب الأمين العام إلى جنوب السودان لحضور الاحتفال بحصول دولته الجديدة على استقلالها، رغم ثقل المهمة من منظور قومى عربى، ولا بأس من أن يشجع هذه الدولة الجديدة الخارجة من رحم الزمن العربى الردىء على الانضمام إلى الجامعة. غير أن المجال الوحيد الذى يستطيع نبيل العربى أن ينجز فيه الآن هو مجال الصراع العربى - الإسرائيلى، وله فيه باع طويل، إذ عليه أن يبحث عن كل ما هو ممكن عربيا ودوليا فى هذه المرحلة لدعم المصالحة الفلسطينية وتعظيم الجهود الرامية لتثبيت حقوق الشعب الفلسطينى، وفى المقدمة منها حقه فى تقرير مصيره، على الصعيد الدولى، والحيلولة دون تمكين إسرائيل من استغلال الظروف العربية الحالية فى فرض تسوية بشروطها على المنطقة.

تمنياتى المخلصة للدكتور نبيل العربى بالتوفيق فى مهمته الصعبة

المصدر جريدة المصرى اليوم


Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق