عمر طاهر
مزايا خطاب المجلس الأعلى
July 14, 2011 at 10:23am
الخطاب الذي أزعجنا بالأمس لا يخلو من مزايا عديدة رغم كل ما فيه من ضوضاء.
لفت الخطاب نظر الثوار والمعتصمين إلى علاقة الناس العادية بالثورة وعلمنا شيئا مهما في هذه الجزئية، فالتصعيد الأحمق للاعتصام قد يمنح الفرصة لكل متنطع لا يعرف إلا جملة «آدي اللي خدناه من الثورة» أن يقولها، والناس مهيأة لأسباب نفسية بحتة لأن تقول هذه الجملة بمناسبة ودون مناسبة، وكثرة ترديديها تجعلها يقينا مستقرا في وجدان البعض حتى لو لم يمتلكوا دليلا عليها (كنت في الأيام الثلاثة الماضية قد تعاملت مع أكثر من سائق تاكسي يحملني من بيتي على بعد خطوات من التحرير إلى أماكن مختلفة، وفي كل مرة كان السائق يفتتح كلامه معي بالهجوم على اللي واقفين حالنا، وفي كل مرة أحاول أن أقنع السائق بأن ما يقوله غير صحيح، فقد أخذني من عند الناس اللي واقفين حاله في وسط البلد وحملني إلى مكان بعيد وحصل على أجرة تفوق العداد بكثير ولم نتورط خلال المشوار في أي ارتباكات مرورية غير عادية، لكن السائق في كل مرة ينظر إلي بدهشة كأنني دولفين يجلس إلى جواره في التاكسي.. الواقع مناف لما يقوله السائق تماما لكنه لا يراه ولا يرى سوى الجملة التي تزنّ حوله طوال اليوم ).
التصعيد يجب أن يتم تقديره بميزان الذهب حتى لا يتخذ الناس موقفا معاديا لكل ما تطرحه الثورة مستقبلا سواء كان طرحها عبارة عن مرشح في انتخابات رئاسة أو برلمان أو نقابة، أو عبارة عن مشروع قومي أو وزير أو رئيس حكومة أو حتى عملا خيريا، قدر الثورة أن تناضل بالقوة ضد الكبار وبالحسنى والرفق ومراعاة مصالح الغلابة لأنها قامت من أجلهم في الأساس، إذا افترضنا أن عشرة موظفين سيقدرون أن الثوار يقطعون خط المترو لفرض مطالبهم، فهناك عشرة آلاف في المقابل سيثورون عكسيا لأن مبارك بنظامه استطاع أن يشوههم ذهنيا بجدارة لدرجة أنه حولهم إلى مواطنين لا يحملون هم شيء سوى أكل العيش حتى لو كان عيشا حافا في ظل القهر والفساد.
التربص بالثورة كامن في نفوس الكثيرين، وللأمانة فالاستعداد الفطري للتربص بالثورة ليس مقصورا على الغلابة فقط بل يضم أصحاب المصالح الحاقدين على الثورة، والفاسدين الذين انغلق باب منح الفساد في وجوههم، وبعض أصحاب الميكروفونات في الإذاعة والفضائيات يجرون كل يوم استفتاء لمعرفة رأي الناس في ما يحدث في التحرير، ولأن الثوار والمشغولين بالثورة ليسوا مثلا ودون ذكر أسماء من مستمعي «نجوم إف إم» فتجد أن أغلبية المشاركين في الاستفتاء يضخمون وجهة النظر التي تقول إن الثورة تنقلنا من سيئ إلى أسوأ.. تتضخم الفكرة عبر البرنامج وتنتشر حتى تصبح عدوى (ارجع إلى مثال سائقي التاكسي).
من مزايا الخطاب أيضا أنه يفرض على القوى السياسية المتناحرة أن تعيد النظر في أدائها وأن تخرج من دائرة الصراعات التليفزيونية وصراعات منصات الميدان لأن معظم هذه القوى أصبحت «بتجيب الكلام للثورة» وأصبحت تَصِم المعتصمين حبا في البلد بأنهم من راغبي القفز على السلطة، وهذا أمر قد يليق بهواة المناصب، لكن أغلبية سكان الميدان لا يشغلون بالهم أبدا بالفكرة.
من المزايا أيضا أن يضطر المجلس إلى الإعلان عن منحه الدكتور شرف جميع الصلاحيات، وهو اعتراف ضمني بأنه كان محروما منها من قبل، ونجح ضغط المعتصمين في أن يخضع المجلس لرغبة الدكتور شرف في تغيير وزرائه وهو حلم فشل في تحقيقه كثيرا على مدى الأسابيع الماضية.
وحّد خطاب اللواء الفنجري الناس داخل الميدان وفي المحافظات، وألهب حماس كثيرين ومنح المعتصمين اعترافا ضمنيا بأنهم محقون تماما في ما يطلبونه وأنهم يسيرون في الطريق الصحيح، وكانت استجابة المجلس العسكري لبعض طلباتهم رد اعتبار لهم أمام كل من اتهمهم بأنهم بلطجية وفوضويون ومخربون يستحقون التفريق بالقوة وأنهم ليسوا من الثوار وأنهم شيوعيون وملاحدة وعلمانيون كفرة.
كان المجلس يتيه علينا بأنه هو الذي حمى الثورة ومنحها الشرعية بأن ضرب لشهدائها تعظيم سلام، والآن ضرب المجلس إصبعه في أعيننا وكور لنا قبضته بمنتهى الحدة والغضب، أحرز المجلس هدفا مبكرا في بداية الثورة، والآن أحرز هدفا في نفسه سحب منه الأفضلية، دلوقتي بقينا خالصين.. لذلك أعتبر أن أجمل ما في الخطاب أنه جعل الثورة غير مدينة لأحد بأي شيء
هذا المحتوى من
مزايا خطاب المجلس الأعلى
July 14, 2011 at 10:23am
الخطاب الذي أزعجنا بالأمس لا يخلو من مزايا عديدة رغم كل ما فيه من ضوضاء.
لفت الخطاب نظر الثوار والمعتصمين إلى علاقة الناس العادية بالثورة وعلمنا شيئا مهما في هذه الجزئية، فالتصعيد الأحمق للاعتصام قد يمنح الفرصة لكل متنطع لا يعرف إلا جملة «آدي اللي خدناه من الثورة» أن يقولها، والناس مهيأة لأسباب نفسية بحتة لأن تقول هذه الجملة بمناسبة ودون مناسبة، وكثرة ترديديها تجعلها يقينا مستقرا في وجدان البعض حتى لو لم يمتلكوا دليلا عليها (كنت في الأيام الثلاثة الماضية قد تعاملت مع أكثر من سائق تاكسي يحملني من بيتي على بعد خطوات من التحرير إلى أماكن مختلفة، وفي كل مرة كان السائق يفتتح كلامه معي بالهجوم على اللي واقفين حالنا، وفي كل مرة أحاول أن أقنع السائق بأن ما يقوله غير صحيح، فقد أخذني من عند الناس اللي واقفين حاله في وسط البلد وحملني إلى مكان بعيد وحصل على أجرة تفوق العداد بكثير ولم نتورط خلال المشوار في أي ارتباكات مرورية غير عادية، لكن السائق في كل مرة ينظر إلي بدهشة كأنني دولفين يجلس إلى جواره في التاكسي.. الواقع مناف لما يقوله السائق تماما لكنه لا يراه ولا يرى سوى الجملة التي تزنّ حوله طوال اليوم ).
التصعيد يجب أن يتم تقديره بميزان الذهب حتى لا يتخذ الناس موقفا معاديا لكل ما تطرحه الثورة مستقبلا سواء كان طرحها عبارة عن مرشح في انتخابات رئاسة أو برلمان أو نقابة، أو عبارة عن مشروع قومي أو وزير أو رئيس حكومة أو حتى عملا خيريا، قدر الثورة أن تناضل بالقوة ضد الكبار وبالحسنى والرفق ومراعاة مصالح الغلابة لأنها قامت من أجلهم في الأساس، إذا افترضنا أن عشرة موظفين سيقدرون أن الثوار يقطعون خط المترو لفرض مطالبهم، فهناك عشرة آلاف في المقابل سيثورون عكسيا لأن مبارك بنظامه استطاع أن يشوههم ذهنيا بجدارة لدرجة أنه حولهم إلى مواطنين لا يحملون هم شيء سوى أكل العيش حتى لو كان عيشا حافا في ظل القهر والفساد.
التربص بالثورة كامن في نفوس الكثيرين، وللأمانة فالاستعداد الفطري للتربص بالثورة ليس مقصورا على الغلابة فقط بل يضم أصحاب المصالح الحاقدين على الثورة، والفاسدين الذين انغلق باب منح الفساد في وجوههم، وبعض أصحاب الميكروفونات في الإذاعة والفضائيات يجرون كل يوم استفتاء لمعرفة رأي الناس في ما يحدث في التحرير، ولأن الثوار والمشغولين بالثورة ليسوا مثلا ودون ذكر أسماء من مستمعي «نجوم إف إم» فتجد أن أغلبية المشاركين في الاستفتاء يضخمون وجهة النظر التي تقول إن الثورة تنقلنا من سيئ إلى أسوأ.. تتضخم الفكرة عبر البرنامج وتنتشر حتى تصبح عدوى (ارجع إلى مثال سائقي التاكسي).
من مزايا الخطاب أيضا أنه يفرض على القوى السياسية المتناحرة أن تعيد النظر في أدائها وأن تخرج من دائرة الصراعات التليفزيونية وصراعات منصات الميدان لأن معظم هذه القوى أصبحت «بتجيب الكلام للثورة» وأصبحت تَصِم المعتصمين حبا في البلد بأنهم من راغبي القفز على السلطة، وهذا أمر قد يليق بهواة المناصب، لكن أغلبية سكان الميدان لا يشغلون بالهم أبدا بالفكرة.
من المزايا أيضا أن يضطر المجلس إلى الإعلان عن منحه الدكتور شرف جميع الصلاحيات، وهو اعتراف ضمني بأنه كان محروما منها من قبل، ونجح ضغط المعتصمين في أن يخضع المجلس لرغبة الدكتور شرف في تغيير وزرائه وهو حلم فشل في تحقيقه كثيرا على مدى الأسابيع الماضية.
وحّد خطاب اللواء الفنجري الناس داخل الميدان وفي المحافظات، وألهب حماس كثيرين ومنح المعتصمين اعترافا ضمنيا بأنهم محقون تماما في ما يطلبونه وأنهم يسيرون في الطريق الصحيح، وكانت استجابة المجلس العسكري لبعض طلباتهم رد اعتبار لهم أمام كل من اتهمهم بأنهم بلطجية وفوضويون ومخربون يستحقون التفريق بالقوة وأنهم ليسوا من الثوار وأنهم شيوعيون وملاحدة وعلمانيون كفرة.
كان المجلس يتيه علينا بأنه هو الذي حمى الثورة ومنحها الشرعية بأن ضرب لشهدائها تعظيم سلام، والآن ضرب المجلس إصبعه في أعيننا وكور لنا قبضته بمنتهى الحدة والغضب، أحرز المجلس هدفا مبكرا في بداية الثورة، والآن أحرز هدفا في نفسه سحب منه الأفضلية، دلوقتي بقينا خالصين.. لذلك أعتبر أن أجمل ما في الخطاب أنه جعل الثورة غير مدينة لأحد بأي شيء
هذا المحتوى من
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق