بلال فضل .. لعبة الكراسي المستبدة

بلال فضل
لعبة الكراسي المستبدة
Sunday, July 17, 2011 at 9:57am

ضحكت حتى كدت أنفجر، ومع ذلك لم أكن سعيدا فقد كنت أضحك من غـُلبي. في بروجرام واحد هناك من يتهمني في ميداني روكسي ومصطفى محمود بأنني أقوم بتحريض الجماهير ضد المجلس العسكري، بينما هناك في ميدان التحرير من يطالب بفضحي لأنني خنت الثورة، فإلى أي ميدان سأذهب إن أردت الاعتصام يا ربي؟!

قال لي صديق إن شابا يتهمني بخيانة الثورة قال لمنتقديه على «تويتر»: «اللي زعلان إننا بنهاجم بلال فضل يشوف الكليب ده الأول وبعدين يتكلم، ويا ريت يقول لنا ليه ما بتحطش قناة (التحرير) الكليب ده على موقعها»، جريت لكي أشاهد الكليب فأرى فضيحتي التي تصورت أن أحدا لفقها لي فوضع على لساني كلاما أهاجم فيه الثورة أو أدعو إلى استعباد الشعب المصري من جديد أو أبرر جرائم النظام السابق، فهذه هي الفضائح التي أخشى التورط فيها، أما ما عدا ذلك فلي فيه أخذ وعطاء مع من أراد. الضحك الذي ضحكته من غـُلبي كان بعد اكتشافي أن جسم الجريمة كان مداخلة أجراها معي على الهواء في قناة «التحرير» اللواء حسن الرويني قائد المنطقة المركزية رد فيها على انتقادات وجهتها إلى تصريحاته عن علاقة الجاسوس الإسرائيلي بشباب الثورة، نفى اللواء الرويني ما نُسب إليه وأنا انتهزت الفرصة وسألته عن كل ما يدور على ألسنة الناس يومها، وأجاب هو بإجابات قد تتفق أو تختلف معها، لكنك لا يمكن وأنت تستمع إلى مجمل الحوار إلا أن تترحم على أرواح الشهداء الذين أصبحنا بفضل تضحياتهم قادرين على أن نخوض في موضوعات شائكة على الهواء دون أن نخشى لومة لائم، صحيح أن هذا لم يمتد بعد إلى كل أفراد الشعب، لكنها خطوة على الطريق يجب أن نكافح من أجل أن تكتمل.

أما موضع الخيانة الذي بنى عليه الناشطون كلامهم فقد كان عندما جدد اللواء الرويني تأكيده انحياز جميع قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى مطالب الثورة وأهدافها، وقال لي: «وأظنك قابلت بعضهم واتكلمت معاه وشفت ده بنفسك»، كانت هذه إذن هي الخيانة التي اكتشفها الثائر الذي لم يقرأ على ما يبدو أكثر من سبعة مقالات كتبت فيها كثيرا مما دار بيني وبين أولئك القادة من حوارات خصوصا أنني ذهبت إليهم بصفتي كاتب رأي يحسبه البعض على الثورة ويحسب نفسه كذلك، وكنت أتمنى أن تتاح لي الفرصة لنشر مقالات أكثر عن تفاصيل تلك اللقاءات لكن المساحة دائما كانت تخذلني مهما اتسعَت.

منذ يومين كتب شاب ثائر على «تويتر» غاضبا على الدكتور علاء الأسواني لأنه كتب الأسبوع الماضي عن لقاء دار بينه وبين عدد من قادة المجلس العسكري مثنيا عليهم، لكنه لاحظ أنهم بعيدون عن صناعة القرار وأن دورهم استشاري لا غير، على الرغم من أن ما قاله الأسواني يمكن أن يغضب هؤلاء أكثر من الثائر نفسه. لا أريد أن أفيض في سرد ما يكتبه ثائرون كثيرون عن شخصيات تتخذ مواقف لا تتفق معهم، أو ما يشنونه من هجوم على ائتلاف شباب الثورة الذين يطلقون عليهم ألفاظا يخجل منها القانون لمجرد أنهم قابلوا المجلس العسكري أكثر من مرة، على الرغم مما قام به شباب الائتلاف من مواقف متشددة ضد المجلس فعلوها لإرضاء رفاق لهم وعلى الرغم من ذلك لم يرضوا عنهم، ونسي هؤلاء وأولئك أن على من يعمل في السياسة أن يترك القنوات مفتوحة مع كل الأطراف دون سدها ما دام يراعي ضميره ولا يخون مبادئه، وأن على من يعمل في الصحافة والإعلام أن لا ينسى دوره كشخص ينبغي أن يوصل أسئلة الناس إلى حيث ينبغي أن تصل حتى لو لم يتلق عنها إجابات ترضيه وترضيهم.

منذ أيام اندلعت مشادة «تويترية» بين شركاء على موقع «تويتر» لأن بعضا من شباب الثائرين ذهب ليقابل الدكتور عصام شرف في لقاء غير رسمي نقلوا له فيه مطالب المعتصمين في الميدان، واندلعت المزايدات بحقهم لدرجة دفعت بعض عقلاء «تويتر» إلى التدخل لإطفاء اللهيب قبل أن يتفاقم، بعدها بيوم سمعنا عن طرد الشيخ صفوت حجازي من الميدان في تصرف مؤسف للغاية، يمكنني أن أكتب عشر مقالات في نقد الشيخ صفوت والاختلاف معه، لكنني أكون جاحدا لو أنكرت للحظة دوره المشرّف يوم موقعة الجمل ويوم مد الاعتصام إلى شارع مجلس الشعب، وأعتقد أن كثيرين يشاركونني في ذلك، وأعتقد أن طرد الشيخ صفوت من الميدان أو حتى إجباره على أن يتركه خطأ تسببت فيه النفوس المحتقنة التي لم تعد تتحمل أي كلمة تختلف معها، وهو خطأ يجب على من تسبب فيه أن يصلحه لكي يدير خلافه مع الشيخ في قلب الميدان بالحوار وإن كان عنيفا، وبالخلاف وإن كان حادا، أقول هذا وأنا من الذين يتحاورون مع الناس بعنف ويختلفون معهم بحدة، لكن أن تصل المسألة إلى حد طرد الثوار بعضهم بعضا من قلب الميدان، بل وتتجاوز ذلك إلى حد الذهاب إلى مكتب قناة فضائية لاقتحامه من أجل ضرب شخص يختلف معنا في الرأي أيا كان رأيه، فهذا أمر ينذر بأننا على وشك أن نلعب لعبة الكراسي المستبدة التي نحتل فيها مكان الذين كانوا يطعنون في وطنيتنا ونزاهتنا ويسعون لإقصائنا وقمعنا وإسكات أصواتنا.

صدقوني أحب كثيرا الآن أن أعزو تلك التصرفات فقط إلى مندسين زرعتهم أجهزة غامضة وسط الثوار المعتصمين لكي يشوهوا صورة الثورة، لكن وجه أستاذ جراحة الاستبداد الأول الشيخ عبد الرحمن الكواكبي يطل عليّ ليمنعني من ذلك ويذكرني بمقولته الشهيرة التي نحتاج إلى وضعها نصب عقولنا لكي يتخلص كل منا من مبارك القابع بداخله وحبيب العادلي الذي يسكن تلافيف مخه: «… إذا سأل سائل لماذا يبتلي الله عباده بالمستبدين، فأبلغ جواب مسكت هو أن الله عادل مطلق لا يظلم أحدا، فلا يولّي المستبد إلا على المستبدين، ولو نظر السائل نظرة الحكيم المدقق لوجد كل فرد من أسرى الاستبداد مستبدا في نفسه، لو قدر لجعل زوجته وعائلته وعشيرته وقومه والبشر كلهم حتى وربه الذي خلقه تابعين لرأيه وأمره، فالمستبدون يتولاهم مستبد والأحرار يتولاهم الأحرار وهذا صريح معنى كيفما تكونوا يولّى عليكم».

أما وقد أصبحنا الآن أحرارا بفضل دماء الشهداء، فالشعب يريد توحيد الميدان

هذا المحتوى من

 

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق