فهمي هويدي
13 يوليو 2011 09:37:23 ص بتوقيت القاهرة
أسئلة الساعة وضروراتها
الخبر الجيد أن الشعب والجيش لايزالون يدا واحدة. الخبر السيئ أن الثوار والمجلس العسكرى لم يعودوا كذلك. على الأقل فذلك ما تدل عليه التطورات التى شهدتها مصر خلال الأيام الأخيرة، التى بدا فيها أن الفجوة تتسع بين المجلس العسكرى وبين شريحة واسعة من ثوار 25 يناير. لدرجة أن البعض عاتبنى لأننى ذكرت فيما كتبت يوم الإثنين الماضى أننى «متعاطف» مع المجلس، رغم أننى أوردت تحليلا انتقدت فيه ممارساته التى وصفت بعضها بالارتباك والارتجال.
وكان ضيق البعض باستخدام وصف «التعاطف» مثيرا للدهشة ولا يخلو من دلالة جديرة بالملاحظة الأمر الذى أقنعنى بأن ذلك التحول فى المشاعر يحتاج إلى تفسير.
أسجل ابتداء خشيتى من أن يتأثر البعض بانفعالات اللحظة المسكونة بالاستياء ونفاد الصبر، فينسون أن المجلس العسكرى هو الذى حرس الثورة وأمنها ونجَّحها أيضا، بما يعنى أنه لولا موقفه لما تنحى الرئيس السابق ولما حققت الثورة هدف إسقاط النظام. أضيف إلى ذلك أن المجلس العسكرى ومن ورائه القوات المسلحة لايزالون يؤدون دورهم فى حراسة الثورة وتأمينها. ولولا هذا الدور لشهدنا فى مصر استنساخا للمشهد السورى أو اليمنى أو الليبى، حيث يبدى النظام فى تلك الأقطار استعدادا لسحق الجماهير وقصف المتظاهرين وتصفية المعارضين، ثمنا لبقائه واستمراره. وهى خلفية تسلط الضوء على خطورة الدعوة التى يروج لها البعض هذه الأيام ممن توقفوا عن الحديث عن الثورة المضادة. وبدأوا يشيرون بأصابع الاتهام إلى المجلس العسكرى. ومنهم من ذهب به الانفعال حدا جعله يضم المجلس إلى مربع تلك الثورة.
ما أريد أن أقوله هنا ثلاثة أمور. أولها أن بقاء المجلس العسكرى يظل ضرورة وطنية، حتى يتسلم المدنيون السلطة، وأنه على الذين يتحرون المصلحة الوطنية حقا أن يتحاوروا تحت هذا السقف. الثانى أن التسليم بضرورة دوره لا يعنى على الإطلاق لا التسليم بكل ما يصدر عنه ولا تحصينه ضد النقد والمساءلة. وأزعم فى هذا الصدد أنه إذا كان بقاء المجلس ضرورة، فإن نقده يظل ضرورة بدوره. لكنه النقد الذى يصوب المسيرة وليس ذلك الذى يهدم المعبد على من فيه. الأمر الثالث أنه على الذين يصوبون سهامهم صوب المجلس العسكرى أن يفكروا جيدا فى بدائله، التى هى الأسوأ بكل المعايير.
شهدت جلسة حوار انقسم المشاركون فيها فريقين، أحدهما انتقد تباطؤ الإجراءات التى أصدرها المجلس العسكرى وفسر ذلك بسوء التقدير والتردد فى اتخاذ القرار. أما الثانى فقد ذهب به سوء الظن حدا دفعه إلى رفض فكرة التباطؤ وترجيح احتمال «التواطؤ». ورغم أن الأخيرين يعدون قلة، إلا أن مجرد ظهورها فى الظرف الراهنة يعد جرس إنذار يجدر ملاحظة دوافعه ومراميه.
ما أدهشنى فى هذا الفريق الأخير أن أصحابه الذين كانوا فى الجلسة من أشد المتحمسين للثورة والغيورين عليها، ولا يستطيع أحد أن يدعى أنهم من الساخطين أو المتآمرين عليها. الأمر الذى يدعونا للانتباه إلى أن ثمة غلطا ما وقع وأوصل الأمور إلى ما وصلت إليه. هل هو بطء إجراءات محاكمة المسئولين عن القتل والفساد فى العهد السابق؟ هل هو القصور فى التواصل مع الرأى العام بما يؤدى إلى إيضاح ما التبس وتوضيح ما انغلق؟ هل هل هو الإعلام الذى انحاز إلى الإثارة والتهييج على حساب الموضوعية والمسئولية؟ هل هى الأجندات الخاصة التى تبناها البعض وفرضوها على المجتمع من خلال الأبواق التى تعبر عنهم؟ هل هم الذين قفزوا إلى صدارة المشهد وأرادوا اختطاف الثورة منتهزين فرصة فراغ الساحة السياسية وغياب القيادة التى تعبر عن الإجماع الشعبى؟ هل هم «الفلول» المتربصون والساعون إلى الوقيعة بين الثوار والمجلس العسكرى؟ هل هى الأصابع الأجنبية التى تريد إدامة الفوضى وإشغال الرأى العام بغير الأهداف الحقيقية للثورة؟
قد تكون هناك تساؤلات أخرى. وقد لا يكون هناك سبب واحد يمكن الارتكان إليه فى تفسير الشرخ الحاصل الآن، وإنما أدت إليه أسباب عدة، وربما هذه الأسباب مجتمعة. لكنى لا أستطيع فى تفسير تحول المشاعر واستدعاء سوء الظن أن أتجاهل الدور المهم الذى أسهم به غموض بعض المواقف والقرارات. حيث لم يفسر لنا أحد لماذا تأخرت كثيرا محاكمة المسئولين عن قتل الثوار وعن الفساد الذى استشرى فى البلاد، فى حين تسارعت محاكمة أعداد كبيرة من المدنيين أمام المحاكم العسكرية. كما لم تفسر لنا بعض التعيينات التى تمت فى مواقع عدة وأثارت الحيرة والدهشة، على الأقل فى حين إنها بدت أكثر ملاءمة للنظام السابق منها لمصر ما بعد الثورة.
غدا نواصل بإذن الله.
هذا المحتوى من
13 يوليو 2011 09:37:23 ص بتوقيت القاهرة
أسئلة الساعة وضروراتها
الخبر الجيد أن الشعب والجيش لايزالون يدا واحدة. الخبر السيئ أن الثوار والمجلس العسكرى لم يعودوا كذلك. على الأقل فذلك ما تدل عليه التطورات التى شهدتها مصر خلال الأيام الأخيرة، التى بدا فيها أن الفجوة تتسع بين المجلس العسكرى وبين شريحة واسعة من ثوار 25 يناير. لدرجة أن البعض عاتبنى لأننى ذكرت فيما كتبت يوم الإثنين الماضى أننى «متعاطف» مع المجلس، رغم أننى أوردت تحليلا انتقدت فيه ممارساته التى وصفت بعضها بالارتباك والارتجال.
وكان ضيق البعض باستخدام وصف «التعاطف» مثيرا للدهشة ولا يخلو من دلالة جديرة بالملاحظة الأمر الذى أقنعنى بأن ذلك التحول فى المشاعر يحتاج إلى تفسير.
أسجل ابتداء خشيتى من أن يتأثر البعض بانفعالات اللحظة المسكونة بالاستياء ونفاد الصبر، فينسون أن المجلس العسكرى هو الذى حرس الثورة وأمنها ونجَّحها أيضا، بما يعنى أنه لولا موقفه لما تنحى الرئيس السابق ولما حققت الثورة هدف إسقاط النظام. أضيف إلى ذلك أن المجلس العسكرى ومن ورائه القوات المسلحة لايزالون يؤدون دورهم فى حراسة الثورة وتأمينها. ولولا هذا الدور لشهدنا فى مصر استنساخا للمشهد السورى أو اليمنى أو الليبى، حيث يبدى النظام فى تلك الأقطار استعدادا لسحق الجماهير وقصف المتظاهرين وتصفية المعارضين، ثمنا لبقائه واستمراره. وهى خلفية تسلط الضوء على خطورة الدعوة التى يروج لها البعض هذه الأيام ممن توقفوا عن الحديث عن الثورة المضادة. وبدأوا يشيرون بأصابع الاتهام إلى المجلس العسكرى. ومنهم من ذهب به الانفعال حدا جعله يضم المجلس إلى مربع تلك الثورة.
ما أريد أن أقوله هنا ثلاثة أمور. أولها أن بقاء المجلس العسكرى يظل ضرورة وطنية، حتى يتسلم المدنيون السلطة، وأنه على الذين يتحرون المصلحة الوطنية حقا أن يتحاوروا تحت هذا السقف. الثانى أن التسليم بضرورة دوره لا يعنى على الإطلاق لا التسليم بكل ما يصدر عنه ولا تحصينه ضد النقد والمساءلة. وأزعم فى هذا الصدد أنه إذا كان بقاء المجلس ضرورة، فإن نقده يظل ضرورة بدوره. لكنه النقد الذى يصوب المسيرة وليس ذلك الذى يهدم المعبد على من فيه. الأمر الثالث أنه على الذين يصوبون سهامهم صوب المجلس العسكرى أن يفكروا جيدا فى بدائله، التى هى الأسوأ بكل المعايير.
شهدت جلسة حوار انقسم المشاركون فيها فريقين، أحدهما انتقد تباطؤ الإجراءات التى أصدرها المجلس العسكرى وفسر ذلك بسوء التقدير والتردد فى اتخاذ القرار. أما الثانى فقد ذهب به سوء الظن حدا دفعه إلى رفض فكرة التباطؤ وترجيح احتمال «التواطؤ». ورغم أن الأخيرين يعدون قلة، إلا أن مجرد ظهورها فى الظرف الراهنة يعد جرس إنذار يجدر ملاحظة دوافعه ومراميه.
ما أدهشنى فى هذا الفريق الأخير أن أصحابه الذين كانوا فى الجلسة من أشد المتحمسين للثورة والغيورين عليها، ولا يستطيع أحد أن يدعى أنهم من الساخطين أو المتآمرين عليها. الأمر الذى يدعونا للانتباه إلى أن ثمة غلطا ما وقع وأوصل الأمور إلى ما وصلت إليه. هل هو بطء إجراءات محاكمة المسئولين عن القتل والفساد فى العهد السابق؟ هل هو القصور فى التواصل مع الرأى العام بما يؤدى إلى إيضاح ما التبس وتوضيح ما انغلق؟ هل هل هو الإعلام الذى انحاز إلى الإثارة والتهييج على حساب الموضوعية والمسئولية؟ هل هى الأجندات الخاصة التى تبناها البعض وفرضوها على المجتمع من خلال الأبواق التى تعبر عنهم؟ هل هم الذين قفزوا إلى صدارة المشهد وأرادوا اختطاف الثورة منتهزين فرصة فراغ الساحة السياسية وغياب القيادة التى تعبر عن الإجماع الشعبى؟ هل هم «الفلول» المتربصون والساعون إلى الوقيعة بين الثوار والمجلس العسكرى؟ هل هى الأصابع الأجنبية التى تريد إدامة الفوضى وإشغال الرأى العام بغير الأهداف الحقيقية للثورة؟
قد تكون هناك تساؤلات أخرى. وقد لا يكون هناك سبب واحد يمكن الارتكان إليه فى تفسير الشرخ الحاصل الآن، وإنما أدت إليه أسباب عدة، وربما هذه الأسباب مجتمعة. لكنى لا أستطيع فى تفسير تحول المشاعر واستدعاء سوء الظن أن أتجاهل الدور المهم الذى أسهم به غموض بعض المواقف والقرارات. حيث لم يفسر لنا أحد لماذا تأخرت كثيرا محاكمة المسئولين عن قتل الثوار وعن الفساد الذى استشرى فى البلاد، فى حين تسارعت محاكمة أعداد كبيرة من المدنيين أمام المحاكم العسكرية. كما لم تفسر لنا بعض التعيينات التى تمت فى مواقع عدة وأثارت الحيرة والدهشة، على الأقل فى حين إنها بدت أكثر ملاءمة للنظام السابق منها لمصر ما بعد الثورة.
غدا نواصل بإذن الله.
هذا المحتوى من
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق