بلال فضل .. يوم عشرة

بلال فضل
يوم عشرة
Wednesday, August 10, 2011 at 11:36am

هذه السطور التى ستقرأها اليوم نشرتها فى العام الماضى فى يوم العاشر من رمضان المجيد، ولو قلت لى يومها أن هذه السطور ستصبح فقط بعد عام جزءا من ماض كئيب غار عن مصر غير مأسوف عليه لما كنت سأصدقك، فاللهم لك الحمد، ومنك العون علىإكتمال عبور مصر إلى الحرية دون ثغرات ولا إنتكاسات، إنك على ماتشاء قدير.
“ الساعة الآن الثانية ظهرا، واليوم هو العاشر من رمضان الموافق لليوم السادس من أكتوبر فى عام 1973، تخيل أنك الآن تقف صائما على شط القنال، تضع روحك على كفك، وتتأهب لإقتحام أقوى مانع عسكرى فى العالم، وتتلهف إلى اللحظة التى ترفع فيها علم بلادك على أرضك السليبة مستعدا لدفع حياتك ثمنا لذلك. فجأة يأتيك هاتف شيطانى قادم من المستقبل ليوسوس إليك قائلا أن الأرض التى ستبذل روحك من أجلها لن يستمتع بخيرها أبناؤك من بعدك، وأن بلادك ستصبح يوما ما قابلة للتوريث كأنها متاع أو عقار، وأنها ستنسب إلى إسم حاكم كأنها مملوكة له، وأن الأراضى التى حررتها لن ينال خيرها أبناء الذين عبروا مثلك بل أبناء الذين هبروا، وأنك ستسحق خط بارليف لينسحق أبناءك يوما تحت خط الفقر الذى صنعته بإصرار حكومات الفشل وإنعدام الكفاءة والتخبط السياسى، وأن هناك أجيالا سيسعى المنتفعون لكى يمحوا من ذاكرتها كل معانى الوطنية والعزة والكرامة، لكى لا يبقى من ذكرى الشهداء لديها إلا العرفان لهم لأنهم يزيدون رصيد تلك الأجيال من الأجازات.
ماذا ستفعل وقتها بالله عليك؟، أعلم أنه سؤال مرير مؤلم يفتح عمل الشيطان من قنوط ويأس وإيثار للسلامة، لكننى أعتقد جازما والعلم عند الله، أنك لو كنت واحدا من أحفاد خير أجناد الأرض، وجاءك ذلك الهاتف اللعين، فإنك لن تستسلم له أبدا، بل ستفعل نفس مافعله المقاتل المصرى فى يوم العاشر من رمضان، ستعبر الهزيمة وتستعيد أرضك مضحيا بروحك، ستؤدى واجبك وتفعل ماعليك، دون أن تفكر فى مستقبل الأرض التى ستحررها، لأنك تعلم أن مسؤوليتها فى المستقبل ستتحملها الأجيال القادمة التى سيكون عليها أن تختار مصيرها بنفسها، عندما تجد هذه الأجيال نفسها يوما معرضة للهزيمة أمام جحافل الفساد والإفقار والتجهيل والتطرف والتوريث وسحق الإرادة؟، هل ستختار إرادة العبور أم ستفضل الإستسلام؟، أنت تعلم أن تلك الأجيال ستجرم فى حق نفسها لو ظنت أن صمتها وسلبيتها وطرمختها وعبثيتها سيجعلون حياتها أفضل، أنها ستكون واهمة لو تصورت أن إنكفاء أفرادها على حلول خاصة سيعبر بهم وببلادهم إلى بر الأمان، أنها ستجرم فى حق نفسها لو لم تدرك أن العالم تغير ولم يعد فيه مكان لحكومات مستبدة تطعم الشعوب من جوع وتؤمنها من خوف، ولا لشعوب تظن أنها تمتلك إمتيازات إلهية خاصة تجعل الله تعالى يغير سننه من أجلها، وأنها إذا لم تتحرك لإنقاذ نفسها ستنهار وتفنى.
أنت أيها المقاتل المصرى العظيم تعلم أن شعبك ليس شعب الله المختار كما يروج البعض، لكنه أيضا ليس شعبا محكوما عليه بالخنوع والذل كما يزعم الكثيرون، أنت تعلم أنه كأى شعب من مخاليق الله فى دنياه الواسعة، عندما يواجه إختبار الفناء، ستستيقظ فيه غريزة البقاء، وسيختار الحياة بدلا من الموت، والتغيير بدلا من الفناء، هذه فطرة الله التى فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ولذلك ستدير ظهرك لوساوس الشيطان وستعبر، وأنت تدرك واثقا أن فكرة العبور التى ستجسدها بدمائك ستكون وحدها الملهمة للأجيال التى ستليك إذا رغبت فى الخلاص.
كل الكلام رخيص أمام الدم الزكى الذى سال على تراب سيناء، صدقنى ما أسهل الكلام، ولكن صدقنى ما أصعبه أيضا عندما تكون فى حضرة دماء الشهداء، لذلك لا تنتظر منى اليوم أن أجيد الكتابة، تماما كما أننى لن أنتظر منك إكمال هذه المقالة المتعثرة المرتبكة المخنوقة. عارف؟، هناك خطوات كثيرة قطعتها الصحافة بإتجاه الإتصال التفاعلى، كنت أتمنى لو كان من بينها أن أتوقف عن الكلام الآن، وأسمعك فورا صوت الفنان المصرى الفذ المعجز سيد مكاوى وهو يشدو من كلمات والد الشعراء العظيم فؤاد حداد بأغنية من أغنيات ملحمتهما الخالدة “المسحراتي” إخترت لها على كمبيوترى إسم “يوم عشرة”، بعد أن أهداها لى الإنترنت الذى أنقذها من مجزرة محو الذاكرة المصرية، وها أنا أستمع إليها الآن وأنا أحاول أن أكون قد ما أكتب عنه، وأتمنى أن تصنع بنفسك جميلا وتنزلها من على الإنترنت، أظنك لو كتبت فى جوجل إسم سيد مكاوى ستجد إليها سبيلا مثلى، بالله عليك إسمعها اليوم قبل السحور بعد أن تقرأ الفاتحة للأبطال الذين صنعوا النصر الذى ظللنا من ساعة تحققه، نحاول أن نمحوه ومع ذلك لم ننجح تماما فى سعينا، ولن ننجح بإذن الله.
إسمع مرة، وفى الثانية لا تكتف بالإستماع، خذ طبلتك أو قلمك أو لافتتك
أو صنعتك أو هوايتك أو حرفتك أو خوفك أو أملك أو يأسك، وإنزل به إلى شوارع المحروسة، وشارك سيد مكاوى وفؤاد حداد فى سعيهما إيقاظ مصر والمصريين، وإبدأ بنفسك أولا “ إصحى يانايم.. إصحى وحد الدايم.. وقول نويت بكره إن حييت.. الشهر صايم
والفجر قايم.. إصحى يانايم وَحِّد الرزاق .. رمضان كريم.. مسحراتى فى ليالى السماح.. مِنَقّراتى وطبلتى بجناح .. ونَغَمى يِلف القلعة والسيدة.. والدنيا زى العَيِّلة مِعَيِّدة.. ونغم يلف القنطرة والعريش.. وعشت يوم فرحان بإنى أعيش.. ونغم يدوب فى مصر وحبها.. ست الجمال والحسن والأبهة.. وأدحرج الضحكة على الفدادين.. نغم على الجبهة يِحَيِّى الجنود.. يا بدر من رمضان يانور النبى.. يا كل أحلام الجدود قَرّبى.. إصحى يانايم وحد الرزاق.. رمضان كريم  يوم عشرة بالحرية والإنتصار.. مصر الأميرة تِبَشّر الأمصار.. كل الولاد
بيقولوا يحيا الوطن.. وأنا باغنى وأقول شرارة بدر .. طاقة قدر.. المشى طاب لى.. والدق على طبلى.. ناس كانوا قبلى قالوا فى الأمثال.. الرجل تدِبّ مطرح ماتحب.. وأنا صنعتى مسحراتى فى البلد جوال .. حبيت ودبيت كما العاشق ليالى طوال.. وكل شبر وحتة من بلدى.. حتة من كبدى حتة من موال.... إصحى يانايم.. يانايم إصحى.. وَحِّد الرزّاق

هذا المحتوى من

 

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق