وائل قنديل .. مصر المنفلتة ومصر الغائبة

وائل قنديل
11 اغسطس 2011 08:22:45 ص بتوقيت القاهرة
مصر المنفلتة ومصر الغائبة

 لا توجد دولة طالما أن أهالى قرية بكفر الشيخ يخرجون فى مسيرة تضم بلطجية للإمساك ببلطجى وتقطيع يديه وقدميه ورقبته والذهاب بجثته إلى قسم الشرطة الذى رفض تسلمها.

لا توجد دولة طالما الحرب لا تزال مشتعلة فى مدينة جرجا بسوهاج منذ أربعة أيام وتصل نيران مدفعيتها إلى مقرات الشرطة دون أن تستطيع «الحكومة» إيقاف هذه المهزلة حتى الآن.

وعندما تكون الدولة غائبة فلا تندهش حين تقرأ أن أهالى جرجا اقتحموا مركز الشرطة واستولوا على كل ما فيه من أسلحة وأطلقوا سراح كل المحبوسين فيه وأضرموا فيه النار، احتجاجا منهم على التقصير فى مواجهة الانفلات الأمن.

هذان المشهدان يؤكدان ليس فقط غياب الدولة، بل غياب العقل أيضا، ففى كفر الشيخ يتم التخلص من بلطجى بالاستعانة بعشرات البلطجية، وهنا قمة العبث لأنك تحارب البلطجة بالبلطجة، فإذا قضى على البلطجى بهذا الشكل ففى اللحظة ذاتها يظهر بلطجية آخرون ومع الاعتذار للراحل الكبير أمل دنقل أخشى أن نقول « فخلف كل بلطجى يموت بلطجى جديد» كما كان يقول أمل «وخلف كل قيصر يموت قيصر جديد» فى رائعته «كلمات اسبارتكوس الأخيرة».

وفى سوهاج يحتجون على التقصير والانفلات الأمنى بممارسة أوضح أشكال الانفلات الأمنى، فأن تحرق مركز الشرطة وتستولى على كل أسلحته وتطلق سراح المحبوسين فيه فهذا يشبه كثيرا الانتحار وبتر العضو للتخلص من الألم، أو احتجاجا على أداء الطبيب أو هيئته أو طريقة كلامه.

ويبقى مشهد ثالث قد يبدو بعيدا فى تفاصيله عن المشهدين السابقين لكنه أيضا دليل على تحلل دور الدولة ومؤسساتها، فعندما يذهب مجموعة من الصحفيين إلى مرشد الإخوان المسلمين لكى يقدموا له شكوى ضد الزميل محمد عبدالقدوس مقرر لجنة الحريات ورئيس لجنة القيد الاستئنافية بنقابة الصحفيين يتهمونه فيها بتأخير قيدهم فى جداول النقابة، فهذا يعنى أيضا موت «دولة الصحفيين» وتحللها وعدم اعتراف أبنائها بوجودها.

إن الصحفيين توجهوا بالشكوى إلى المرشد لكون محمد عبدالقدوس عضوا فى جماعة الإخوان المسلمين، وترجمة ذلك الوحيدة أن هؤلاء «الزملاء» قرروا البحث عن قوة أكبر وأعلى من نقابتهم لكى تحل لهم مشكلتهم، على طريقة «تدويل الأزمات» أو اللجوء إلى «القوى الكبرى» لعرض قضايا داخلية وطلب التدخل لحسمها.

والطريف فى المسألة أن الصحفيين المحترمين ينتمون إلى صحف حكومية، بل وبعضهم فى صحيفة «الحزب الوطنى المنحل» وهذا ليس تقليلا من شأنهم بقدر ما هو توقف عند دراما الموقف، فمحررو صحف حكومية يلجأون إلى مرشد الإخوان للحصول على عضوية نقابة الصحفيين.

صحيح أن الزميل محمد عبدالقدوس أكد حرصه على الفصل بين عمله النقابى وانتمائه الإخوانى، غير أن المشكلة تبقى قائمة وهى أن الدولة غائبة، أو قل إن دولة القانون غائبة بدليل ما جرى فى كفر الشيخ وجرجا ومكتب الإرشاد.

إذن عندما ينتحر القانون وتسود القوة لا يمكنك أن تتحدث عن قوام دولة.. وعندما ترى كل هذا الحشد من القوات فى ميدان التحرير «الخالى من سكانه» بينما حفلات الدم اليومية لا تتوقف فى قلب مصر وأطرافها، تأكد أن هناك خللا ما فى الإدارة.

هذا المحتوى من

 

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق