إبراهيم عيسى يكتب: حكم مصر 2011 بطريقة ما قبل 2002

طريقة تعيين المحافظين الجدد التى جاءت سقيمة قديمة بدت كأن مبارك هو الذى عينهم حتى ظننا أن تقارير حسن عبدالرحمن رئيس مباحث أمن الدولة المحبوس حاليا هو من أمد اصحاب القرار بالقرار ؟
هذه الطريقة فى تعيين المحافظين تؤكد أن إدارة الحكم فى مصر حاليا –مع احترامنا للمجلس العسكرى وللدكتور عصام شرف – تريد أن تعود بنا إلى حكم مصر قبل سنة 2002!
مصر قبل جمال مبارك حين اقترب وتمكن وتسيطر وتسلطن وتحكم فى البلد تحت رعاية والده
بينما تريد مصر ان تنتقل إلى عصر ما بعد مبارك  فإنهم ينقلوننا إلى مصر قبل جمال مبارك
فقط وكأن هذا هو نصر المرحلة الانتقالية الوحيد
إن ما نعيشه من قرارات ونمط إتخاذ قرار وطر يقة إتخاذ القرار (علوية منعزلة غامضة لاعلاقة لها بالناس وتهبط بالقرار على رؤوس المواطنيين لا تنتظر من المواطنيين الرأى والمشاركة  ) يوحى أن شيئا حقيقيا فى صناعة القرار فى مصر لم يتغير !

هنا سأعود إلى ما كتبته  ضمن مشروع كتابى عن ثورة 25يناير لعله مفيدا :

(كان الخيال القديم يدير الدولة متغافلا تماما عن أن ما هاجمه فى عقر نفوذه ومكمن قوته هو الخيال الجديد ،
بدا الصراع غرائبيا تماما بين لغتين تتحدثان  تكاد كلاهما لا تتعرف على دلالة مفردات الآخر
بينما كان مبارك ونجله وحلقة القصر الضيقة تضيق أكثر وتقتصر على الوالد ونجله وزكريا عزمى لصيق الرئيس وأقرب رجل إلى أذنه وصفوت الشريف الذى انتقل للقصر منذ يوم الخميس السابق على جمعة الغضب والعادلى المتواصل تليفونيا  الذى انتهى دوره فى مساء الجمعة بينما تعلق رئيس جهاز أمن الدولة بمنصبه ودوره بجوار النجل حتى تنحى مبارك وفى الحلقة يدور ويلف أنس الفقى  مثل أرنب يكتسب أهميته بين الأرانب بأنه يخدم فى عرين الأسد يذهب لمبنى التليفزيون ويبيت فى مكتبه معتقدا أن لديه مهمة إنقاذ العالم وقد كان صادقا مع نفسه على الأقل فهو يحاول انقاذ عالمه الذى تداعى أمامه مرتين قبل أن يتهاوى فى الثالثة !
خارج هؤلاء لم يكن هناك أحد

كانت أدوات وموظفين ورجال أعمال اكتشفوا أن اهتزاز مبارك وخفوت وراثة نجله سيدفع مستقبلهم للانهيار دفعا
لكنهم جميعا كان محافظين على خيالهم القديم الذى لايزال يستند على قوة سحرة فرعون
لم يتورع الشريف ليلتها عن ترديد مقولاته التى لاتشك حتى حيوانات حديقة الحيوان فى الجيزة أنها كاذبة بينما يرددها بإخلاص صوتى ووقار لفظى مثير لأعصاب شعب نزعوا عن سلكه الكهربائى مغلف الحماية قال صفوت الشريف الذى لايجب ان ننسى أنه الأمين العام للحزب الوطنى ورئيس مجلس الشورى  وقتها  إن "مطالب الناس فوق رؤوسنا، وهناك تكليفات واضحة للحكومة بحل عدد من القضايا المهمة التى تحقق الراحة الاجتماعية والمعيشية"،
نغمة قديمة بالية لكنه عازف لم يعد يرى جمهوره

ثم دشن  صفوت الشريف اول خطوة فى الاحتواء الاعلامى الأمنى لهذه المظاهرات حيث قرر أن يختصر المظاهرات فى الشباب والحركة فى الشباب والغضب فى الشباب دون الشعب اوالمواطنين عموما وعلى هذا الدرب السقيم مشى الرئيس نفسه ومضخة إعلامه الحكومى والخاص فغزلوا غزلهم منطلقين من تأسيس الشريف للأزمة بإعتبار (أن الفاشلين فى السياسة تستروا خلف هؤلاء الشباب واستغلوا الموقف لإثارة الفتنة، مناشدهم "ارفعوا أيديكم عن الشباب لأن البلد فيها دستور وقانون )
جميع البرامج المسائية  كانت تقدم معزوفتها فى تنفيذ تعليمات أمن الدولة ووزير الإعلام أنس الفقى والتى تلقاها أصحاب ومالكو المحطات ومديروها ومقدمو برامجها بلا استثناء حيث حصروا وحاصروا المظاهرات فى الشباب كفاعلين (وليس كداعين مثلا ) والغضب منصب على الحكومة لا الرئيس  وأن المشكلة أن الحكومة لم تلب طموحات الرئيس ولم تنفذ تعليماته وتوجيهاته وأن الشباب كالورد والفل لكن هناك عناصر تركب الموجة حتى أن قال بوضوح أحد ضيوف برنامج تم إفراد الحوار له  (مقام الرئيس محفوظ ومنطقة محرمة  ولا أحد يقترب منه لكن الحكومة هى التى تتحمل مسئولية الفشل  ).

تكاد تكون هذه المقولة هى التعلميات التى تلقاها شفويا كل مسئول فى محطات الفضائيات الخاصة وكل مذيع ومذيعة (بعضهن بكين  لما تلا مبارك خطابه الثانى  ثم رحن يتحدثن بعد التنحى عن نظام فاسد !)
كان النظام يلعب دورا فى الشطرنج  بخطة نابليون ، تقليدية جدا وبدائية تماما ومعروفة كلية ومكشوفة حتى السذاجة وكان متصورا أنه يكسب بها كأن اللاعب المنافس بليدا أو غبيا أو يلعب مباراته الأولى
ولم يكن هذا متوفرا فى تلك اللحظة التاريخية التى لم يلمس مبارك حوافها بل لعله لم يراها أصلا ، من هنا كان النظام  يدير نفس تروسه القديمة !)
خلاص كفاية !

المصدر جريدة الدستور الأصلى


Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق