التجربة الألمانية
Wed, 27/04/2011 - 08:00
والحكاية التى تستحق أن نتأملها جيداً، ونتعلم منها، أن التحالف المسيحى الحاكم فى ألمانيا كان يرى فى وزير الدفاع الشاب «39 سنة»، خلفاً مناسباً للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والأهم من ذلك أن نسبة كبيرة من الشعب الألمانى كانت تثق، حتى أوائل شهر فبراير الماضى، فى أن الوزير الشاب هو الأصلح لتولى منصب المستشارية بعد «ميركل»، وفى آخر استطلاع للرأى أجراه أحد أهم المعاهد الألمانية عمن يصلح لهذا المنصب، اكتسح «جوتنبرج» الجميع، فقد حصل على أصوات 42٪ ممن شملهم الاستطلاع، بينما حصل أقوى المنافسين له على 20٪ فقط، وحصل زعيم الحزب المسيحى الاجتماعى، الذى ينتمى إليه جوتنبرج، على 11٪ فقط من الأصوات!
وفى قمة هذا النجاح، قادت المصادفة محررة فى جريدة إقليمية إلى اكتشاف الخطأ الفادح الذى أطاح بالوزير الشاب الذى يحمل لقب «بارون»، فقد كانت المحررة تطالع رسالة الدكتوراة التى حصل عليها «جوتنبرج» فى الاقتصاد، عندما شعرت بأن بعض الصفحات فى الرسالة ليست جديدة تماماً، وأنها قد تكون اطلعت عليها من قبل فى مراجع أخرى، وراحت المحررة تبحث فى المكتبات والنت حتى تأكدت من أن «جوتنبرج» انتحل العديد من الفقرات والصفحات ووضعها فى رسالته للدكتوراة، دون الإشارة إلى المصادر الأصلية التى اعتمد عليها.
وما إن نشرت المحررة نتائج بحثها حتى قامت الدنيا فى ألمانيا، وانقسم المجتمع الألمانى كله إلى قسمين، الأول متعاطف مع الرجل يطالب بالتأكد أولاً من صدق التهم المنسوبة إليه، والثانى يطالب بإقالته فوراً حماية لسمعة ألمانيا العلمية، وحتى لا يكون هذا الوزير الناجح نموذجاً يقلده الشباب الألمانى الذى قد يظن أن بعض السرقات أو بعض الأخطاء ليست عائقاً أمام النجاح أو التميز،
وفى منتصف شهر فبراير الماضى انطلقت على النت عدة حملات لمطاردة السارق، أو لكشف تحايل «وزير القص واللزق»، وقضت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أسبوعين كاملين تنتقل من مكان لآخر، ومن مؤتمر سياسى إلى آخر علمى، فى محاولة لطلب الغفران المجتمعى والعلمى لهذا الوزير الموهوب الذى تحتاج ألمانيا إلى جهوده الخلاقة التى شهد بها العدو قبل الصديق، وفى كل مرة كانت عاصفة من الاحتجاج تطيح بكل ما قالته، وكانت سمعة ألمانيا العلمية، بوصفها قبلة للعلماء، هى الحجة التى لم تستطع «ميركل» الصمود أمامها، وفى النهاية رضخت «ميركل»، وخرج جوتنبرج كسيراً حزيناً فى مؤتمر صحفى حاشد ليعلن للرأى العام الألمانى: «أقدم اعتذارى إلى جميع الذين أسأت إليهم.. وأقدم استقالتى كوزير للدفاع، وأستقيل أيضاً من جميع مناصبى السياسية والحزبية.. إننى أذهب ليس بسبب رسالة الدكتوراة، رغم أننى أتفهم أنها سبب كاف من وجهة النظر الأكاديمية، وإنما أذهب بسبب الشك فى قدرتى على القيام بمسؤولياتى بالكامل».
والسؤال الآن: ماذا لو طبقنا هذا النموذج الألمانى على رؤساء الجامعات وعمداء الكليات فى كل الجامعات المصرية؟ هل سيبقى أحد منهم فى موقعه؟.. طرحت هذا السؤال على أستاذ جامعى مرموق فأطلق ضحكة مدوية قبل أن يجيب: من لم يذهب بسبب السرقة العلمية سيذهب بسبب التعامل المشين مع مباحث أمن الدولة، إلا من عصم ربى!
elbrghoty@yahoo.com
المصدر جريدة المصرى اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق