أيمن الجندى .. روعة القرآن «2»

روعة القرآن «2»
أيمن الجندي
Wed, 27/04/2011 - 08:00
يفهمُ القرآن ويتأثرُ به أبسطُ الناس. لكن لاشك أنه كلما زادت خبرتك بأساليب القرآن فى التعبير، وتزايد محصولك اللغوى والثقافى والإنسانى، صرت أقدر على تذوق أنواع من الجمال والتناسق فى القرآن الكريم لا يفطن إليها القارئ العادى.
خذ عندك مثلا هذه الآيات: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ، وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا، وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَاتِ الأَرْضِ، وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُبِين) «الأنعام: 59».
المعنى الذى يصل إلى القارئ العادى من هذه الآية هو شمول علم الله سبحانه وتعالى. لكن حينما يقرؤها ناقد فنى بحجم «سيد قطب» خَبر أساليب القرآن فى التعبير، فإنه يكتشف آفاقاً من الجمال والتناسق لا تخطر على البال.
يقول سيد قطب: «يُجلّى القرآن حقيقة الألوهية فى مجال الغيب المكنون، وعلم الله بهذا الغيب، ويرسم صورة فريدة لهذا العلم، ويرسل سهاماً بعيدة المدى تُشير إلى آماده وآفاقه: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو). الغيب هو «المجهول» المطلق فى الماضى والحاضر والمستقبل، يقابله «المنظور» المطلق فى: (ويعلم ما فى البر والبحر) «المنظور» على إطلاقه هنا يناسب «الغيب» على إطلاقه هناك.
 ثم (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها). حركة الموت والفناء، والسقوط والانحدار، يقابلها: (ولا حبة فى ظلمات الأرض) حركة البزوغ والنماء، المنبثقة من الغور إلى السطح، ومن كمون وسكون إلى اندفاع وانطلاق.
(ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب مبين). التعميم الشامل، الذى يشمل الحياة والموت، والازدهار والذبول، فى كل حى على الإطلاق.
إنها صورة لعلم الله الشامل المحيط. إن الخيال البشرى لينطلق وراء النص القصير، وإن الوجدان ليرتعش وهو يرتاد أستار الغيوب، مفاتحها كلها عند الله، لا يعلمها إلا هو. ويتتبع الأوراق الساقطة من أشجار الأرض، وعين الله على كل ورقة تسقط. ويلحظ كل حبة مخبوءة فى ظلمات الأرض لا تغيب عن عين الله. جولة تدير الرؤوس، وتذهل العقول، فى الزمان والمكان، والمنظور والمحجوب، تُرسم دقيقةًً شاملةً فى بضع كلمات.
إن الفكر البشرى - حين يتحدث عن موضوع شمول العلم وإحاطته - لا يرتاد هذه الآفاق. لأنه ينتزع تصوراته من اهتماماته، وهذا المشهد الشامل الواسع العميق الرائع، مشهد الورق الساقط من شجر الأرض جميعا، والحب المخبوء فى أطواء الأرض جميعاً، والرطب واليابس فى أرجاء الأرض جميعا. إن هذا المشهد لا يتجه إليه الفكر البشرى والاهتمام البشرى، وكذلك لا تلحظه العين البشرية، ولا تلم به النظرة البشرية، إنه المشهد الذى يتكشف هكذا بجملته لعلم الله وحده». انتهى كلام سيد قطب مع الاختصار.
............
لذلك أقول بثقة وخبرة إن القرآن الكريم أجمل بكثير جدا مما يخطر ببال أى واحد منا، وإننا إذا استطعنا تدريب أنفسنا على تذوقه زادت حساسيتنا لهذا الجمال الفريد.

المصدر جريدة المصرى اليوم

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق