بلال فضل .. مصر تنظر إليكم يا قناوية

مصر تنظر إليكم يا قناوية 
 بلال فضل
Thu, 21/04/2011 - 08:05
فى فتنة قنا الكل باطل وقبض الريح. المجلس العسكرى أخطأ عندما اختار المحافظين بنفس معايير النظام القديم الذى كان يتبع الوصفة الشهيرة: لكى يكون لديك حركة محافظين ضع فى الخلاط عدة لواءات جيش على عدة لواءات شرطة على كام أستاذ جامعة واحرص على أن يكونوا جميعاً من داخل جهاز الدولة العتيق المتهالك الذى يؤمن بالولاء قبل الكفاءة. الدكتور عصام شرف رئيس حكومة الثورة أخطأ عندما وافق على أن تمر حركة المحافظين دون أن يبدى فيها رأيه ودون أن يحرص على اتساقها شكلاً وموضوعاً مع روح الثورة التى جاءت لهدم النظام القديم بعقليته وطريقته العقيمة فى الاختيار.
لم أكن أتمنى أن يوضع محافظ مسيحى فى محافظة قنا، كنت أتمنى أن يكون هناك خمسة محافظين مسيحيين أو عشرة أو أن يكون كل المحافظين مسيحيين طالما كانت هناك معايير معلنة شفافة لاختيارهم، لكى لا نسمع اعتراضات بلهاء أو غير موضوعية على أى محافظ، ولكى نخزق عين أى أحد يستخدم النبرة الطائفية فى الاعتراض على أى مسؤول.
أهالى قنا أخطأوا عندما سمحوا بقطع خط السكة الحديد فى تحد سافر لهيبة الدولة كان لابد أن يقابل بحزم قاطع سافر يطبق فيه القانون ولكن دون أن تقع تجاوزات كالتى حدثت مثلا فى فض اعتصام 9 مارس، المهم أن يدرك كل مصرى أن التظاهر حق مشروع للجميع لكنه عندما يحمل هتافات طائفية فإنه يصبح جريمة كاملة الأركان سواء كان الهاتف به مسلما أو مسيحيا.
للأسف بعض المثقفين من أعيان قنا أخطأوا عندما ظهروا على الشاشات لكى يجاملوا أهالى محافظتهم وينفوا أن المظاهرات قامت اعتراضا على ديانة المحافظ، فى حين شاهدنا عشرات الفيديوهات المحزنة التى يظهر فيها ناس يهتفون «إسلامية إسلامية.. وعلى على الصوت.. الإسلام مش هيموت»، وكل واحد من هؤلاء أخطأ عندما تصور أنه ينصر الإسلام بتلك الهتافات فى نفس الوقت الذى يأكل فيه قمحا مستوردا من بلاد الفرنجة، ويرتدى ملابس صنعت بماكينات اخترعها المسيحيون، ويهتف للإسلام فى ميكروفون ربما صنعه بوذى، ويصور المظاهرات بموبايل صممه وصنعه مسيحيون، ومع ذلك يهتف بحرقة كأن قنا لو حكمها محافظ مسلم ستصبح من محافظات العالم الأول.
لقد كنت أتمنى أن يعترض أهل قنا بأنفسهم على كل من يثير بينهم مسألة ديانة المحافظ المسيحية، لكى تظل الاعتراضات مقتصرة على كفاءة المحافظ أو تاريخه أو مشواره الأمنى، وأن يتم طلب تحقيق شفاف فى كل ما يوجه إليه من اتهامات لكى لا يُظلم أى مواطن مصرى لمجرد أنه كان لواء شرطة فهذه ليست سبّة بل يمكن أن تكون شرفا لمن وصل إلى هذه الرتبة بعد أن خدم وطنه وشعبه دون أن تتلوث يداه بدماء المصريين، أو تبشم معدته من أموالهم. كنت أتمنى أن يقول أهل قنا الأحرار لبعضهم البعض: إن اعتراضنا على ديانة المحافظ بهذا الشكل لا يليق أبدا بهذه المحافظة العظيمة التى أنجبت لمصر بعضا من أنبل وأشرف أبنائها من السياسيين والمبدعين والكتاب الذين سكنوا وجدان مصر بعطائهم وليس بديانتهم،
 لذلك تعالوا نتذكر دماء الشهداء التى سالت لكى نعيش فى وطن حر لجميع المصريين يسوده العدل والحرية، وطن يرد لأهل الصعيد حقوقهم التى انتهكها نظام مبارك، يا جماعة الخير كما أخطأنا عندما صمتنا سنين طويلة على محافظين غير أكفاء مسلمين ومسيحيين فى ظل نظام فاسد ظالم أهان المصريين جميعا وسرقهم جميعا، فإننا لن نكفر عن هذا الخطأ بخطيئة قطع السكة الحديد وهز هيبة الدولة وإشعال الفتنة الطائفية فى البلاد كلها بتلك الهتافات التى تهدم أساس الدولة المصرية التى هى دولة لكل المصريين أيا كانت ديانتهم.
كنت أتمنى أن ينتفض أهالى قنا جميعا ليقولوا للمصريين: نحن لسنا فى حاجة إلى لجان لتبويس اللحى وإرضاء كل الأطراف، نحن أجدع منكم جميعا وأعقل منكم جميعا، سنثبت لكم أننا لسنا دعاة فتنة ولا أنصار تفرقة، سنجلس سويا مسلمين ومسيحيين وسنختار محافظا مسيحيا محترما كفئا من أبناء قنا، فقط لكى لا يسجل التاريخ أننا كنا أول من أرسى سابقة يمكن أن تتكرر لهز هيبة الدولة وإشعال الفتنة بين المصريين، بالعكس سنرسى سابقة فى مصر كلها أننا كنا أول محافظة تختار محافظها كما كان ينبغى بعد قيام الثورة، سنثبت لمصر كلها أننا لسنا أناسا انفعاليين يمكن أن يسيروا خلف أشخاص لم نرهم يعترضون أبدا على الظلم والفساد والتعذيب والقهر والإفقار، وكلها أمور يهتز لها عرش الرحمن،
فلماذا نصدق الآن فجأة أنهم أصبحوا يغارون على الدين الإسلامى، وما يدرينا بصدق نواياهم، وحتى لو صدقت نواياهم فما يدرينا برجاحة عقولهم وأنهم أولى بالاتباع والانقياد، سنثبت لكم جميعا أننا أكثر تحضرا ووعيا وإدراكا لجوهر الدين الحنيف وأكثر خوفا على مصر التى لو غرقت ستغرق بنا جميعاً مسلمين ومسيحيين، وإن كان على الغضب والزعل الذى أظهرناه لأننا شعرنا بالظلم والتجاهل طيلة السنين الفائتة، فسنقول لمصر كلها مسلميها ومسيحييها: معلهش صعايدة ودمنا حامى لكن كرامة مصر وأمنها ووحدتها أغلى عندنا من أنفسنا، واعتبروا أن ما حدث فرصة لكى تواجهوا أنفسكم بما أجرمتموه فى حق الصعيد، لعلكم تبدأون فى تصحيح ذلك الآن، الآن وليس غداً.
مصر تنظر إليكم يا أهل قنا، فلا تخيِّبوا أملها فيكم.
belalfadl@hotmail.com
المصدر المصرى اليوم

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق