وإنه ليحزّ فى نفسى! بقلم بلال فضل ٣/ ٥/ ٢٠١١ لا تتورط فى قراءة هذا المقال، فهو شخصى وطويل، والحياة قصيرة. بالأمس قال لى صديقى وهو يحاورنى: يا أخى إنت هتجننى، أقرأ من يومين فى أحد مواقع الإنترنت أنك قلت فى ندوة بمكتبة الإسكندرية: السلفى والإخوانى أقرب إلىّ من صفوت الشريف وزكريا عزمى، ثم بعدها بيوم أقرأ فى أكثر من موقع أنك قلت فى مداخلة مع برنامج العاشرة مساء إن السلفيين ألغام زرعها مبارك فى مصر على مدى ثلاثين سنة، واتهمت فكرهم بالتخلف. قلت له: أشكرك أساسا لأنك مهتم أصلا بما أقوله هنا وهناك، لكنك لو كنت تتعاطانى بانتظام لأدركت أننى لا يمكن أن أصدر حكما مطلقا على جماعة من البشر يمكن أن تختلف آراؤهم وشخصياتهم ومواقفهم، ولو كنت أكملت جميلك واهتممت بالبحث عن نص كلامى بدلا من قراءة عرض شخص آخر له، لأدركت أننى لم أنطق بما نسبته تلك المواقع إلىّ، فوصف السلفيين جميعا بأنهم ألغام أو أنهم متخلفون حكم غير ديمقراطى وحكم غير علمى وحكم غير إنسانى، وهو أمر أرفضه مثلما أرفض تماما أن يأتى شيخ سلفى ليصف الليبراليين بأنهم عملاء يقبضون بالدولار، ودعاة انحلال وفسق وما إلى ذلك من اتهامات بلهاء يرددها كثير من المنابر السلفية. ببساطة نص ما قلته فى البرنامج هو أن كل ما نعيشه الآن ليس سوى ألغام وضعها مبارك بعناية طيلة ثلاثين سنة وأطلقها فى خطابه الشهير (أنا أو الفوضى)، وهو ما نقله بأمانة موقع الشروق الإلكترونى على عكس غيره من المواقع التى قامت بتحريف كلامى للأسف الشديد، بينما كنت أظن أنه كان من الأجدى عرض ما ذكرته عن بطلان فكرة تحريم الخروج على الحاكم التى يتبناها نفر من السلفيين، وهو كلام أحمد الله أنه أثار شهية الكثيرين لسؤالى عن مراجعه، لذلك أعد قريبا بنشر مقتطفات من دراسة رائعة عن حق مقاومة قهر السلطة الحاكمة كتبها الدكتور داود الباز، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بدمنهور، وهى المدينة نفسها التى خرج منها ذلك الملتحى الذى تداخلت معه، والذى قام بتكفير البرادعى والشيخ القرضاوى وإهدار دمهما بينما كان يسمى المخلوع مبارك أمير المؤمنين، وكل ذلك كان يقوله مشفوعا بنصوص من القرآن والسنة. بالمناسبة كنت قبلها بيومين قد تعرضت لتحريف مماثل لكلام قلته، ولكن هذه المرة على يد موقع (إخوان أون لاين) الذى فوجئت به ينشر أننى أشدت فى مكتبة الإسكندرية بفكر الإخوان وقلت إن الإمام حسن البنا أنشأ فكرا منفتحا على كل فئات المجتمع، وهو ما لم يصدر منى أبدا، وتسجيل الندوة موجود لمن أراد، وما قلته هو أننى دعوت شباب القوى السياسية المختلفة لأن يتعلموا من تجربة حسن البنا الذى رغم اختلافى مع أفكاره فإننى معجب بتجربته فى النزول إلى الشارع والمقاهى والبارات لإيصال أفكاره للناس، للأسف الموقع الإخوانى تعامل مع كلامى على طريقة الحزب الوطنى فنقل إشادتى بدور الإخوان فى الثورة لكنه لم ينقل ولا كلمة مما قلته من انتقادات لفكرة حزب «الحرية والعدالة» والأداء السياسى للإخوان. مثلما لا أشكو من كثرة المحبين وقلة الكارهين، لا أستطيع أن أشكو من إنعام الله على شخصى السمين بأن هناك من يهتم أصلا بما أقوله، فيقوم بالاقتباس منه ليضعه على مواقع الإنترنت، ظنا منه أن هناك من سيهتم بذلك الكلام سلبا أو إيجابا، لكننى أتمنى فقط على كل من يرى فى كلامى ما يستحق المدح أو الذم أن يتجدعن قليلا ويتحلى بأمانة الكلمة، ويضع بصحبة تعليقه على كلامى رابطا يحتوى على نص ما قلته مكتوبا أو مرئيا أو مسموعا لكى يكون من حق من يريد تكفيرى أو لعنى أو تخوينى أو حتى التغزل فى سواد حبرى أن يفعل ذلك بضمير مستريح، بالطبع ليس عندى أدنى أمل فى أن تتحقق هذه الأمنية، فقد تعودت على أن تتحقق لى أمنيتان فقط كل سنة، وقد تحققت الأولى فى ١١ فبراير، ولا أريد أن أضيع الأمنية الثانية فى أمر أعلم أنه لن يتحقق أبدا فى ظل وجود أناس يستسهلون تكفير الناس وتخوينهم على الطاير. وفى ذلك أذكر على سبيل المثال لا الحصر، أن قراء كراما أرسلوا إلىّ أكثر من رابط لمن يتهموننى بالجهل والخيانة والعمالة للجيش، «لأننى قلت إن ثورة ١٩ فشلت لأن الجيش لم يقم بحمايتها، بينما نسيت بكل جهل أنه لم يكن هناك جيش أصلا فى ذلك الوقت»، وفوجئت بأن كاتبة كانت زميلة لى فى كلية الإعلام كتبت فى مدونتها مقالة كاملة تردد فيه هذا الكلام الفارغ، ولو عادت هى وغيرها إلى المقالتين اللتين تحدثت فيهما عن ثورة ١٩، لما وجدت أننى أتيت بسيرة الجيش من قريب أو من بعيد، بل كنت أحذر من مناخ الانقسام السياسى الذى ساد مصر عقب ثورة ١٩ بسبب عدم اتفاق القوى الوطنية على خارطة طريق وجدول أولويات، وهما مقالتان أفتخر بكتابتهما، تماما كما أفتخر بأننى أصبحت مهماً لدرجة أن يتم تحريف كلامى عينى عينك، فهذه على حد علمى مكانة لا يصل إليها الكتَّاب بسهولة. ربما تأكيدا على تلك الهبة الإلهية وجدت نفسى قبل أيام متهماً على مواقع عديدة من أكثر من شخص بعضهم يتخفى خلف أسماء مستعارة بأننى عميل لأمريكا وإسرائيل بسبب مقالى (رابطة صناع الطغاة) الذى اعتبروه تحريضا صريحا على المجلس العسكرى، مستدلين على ذلك بأننى فى اليوم التالى تحدثت عن بطل الجيش العظيم أحمد عرابى بما لا يليق حيث اتهمته بالغرور، مع أننى لم أكن الذى أتهمه بالغرور، بل كان المؤرخ العظيم عبدالرحمن الرافعى الذى كنت أتمنى أن يقرأ هؤلاء عنه ليعرفوا من هو قبل أن يشتموه أو يهاجموه. أعترف بأن اتهامى بالخيانة والعمالة لأى طرف كان، هو أمر لايزال جديدا علىّ لدرجة أننى مازلت أتصوره دعابة غتيتة كلما قرأته أو سمعت عنه، على عكس التكفير الذى يجرى فى دمى منذ سنين، أول مرة تعرضت فيها للتكفير كانت سنة ١٩٩٥ عندما كتبت فى (الدستور) الأصلى دراسة تعرِض لبعض الآراء الفقهية التى تنكر إمكانية رؤية النبى، صلى الله عليه وسلم، فى المنام، ولا أنكر أننى فرحت بذلك التكفير فرحة عارمة، فقد كان من حق من يُهدر دمه وقتها أن يمشى بحراسة رسمية حفاظا على حياته، لذلك ضبطت نفسى أكثر من مرة أحلم بدخول الحارة التى أسكنها فى الجيزة بصحبة بوكس حراسة لكى أرهب صاحب «الخُنّ» الذى أسكن فيه فيصبر على الإيجار المتأخر. وللأسف عندما وصلت الجماعات الإسلامية المسلحة إلى ذروة إجرامها الدموى فى مذبحة الأقصر التى جعلت إهدار دم شخص مثلى لعب عيال، أغلقت الحكومة الصحيفة التى كنت أعمل فيها فلم يعد لدىّ منبر أكتب فيه ما يتسبب فى إهدار دمى، وعندما عدت ثانية إلى الكتابة الصحفية بعدها بسنوات كانت الجماعات الإسلامية قد أعلنت نبذها للعنف وإهدار الدم، وكنت أنا قد تغيرت بحيث أصبح من الممكن أن تجدنى أوصف فى موقع واحد على الإنترنت بأننى كافر وفى نفس الصفحة يصفنى شخص آخر بأننى أغازل المتطرفين، دعنى أقل لك إننى أعتبر واحدة من ذرى نجاحى المهنى قد تحققت عندما قرأت فى موقع سلفى إشادة بى من قارئة تختلف معى ولكنها تحترمنى، فردت عليها أخت فى الله لكى تحذرها من أمثالى الذين يدسون السم فى العسل وهم أخطر على الإسلام من الكفرة الصرحاء. أخيرا بدا بالأمس أن حلمى القديم يمكن أن يجد من يحققه، فقد قال لى أصدقاء إن موقعا مجهولا على الإنترنت أهدر دمى لأننى شيوعى، وأهدر أيضا بنفس «الهدارة» دم الكاتبة والناشطة نوارة نجم لأنها شيعية، وذلك لأننا وصفنا السلفيين بأوصاف غير لائقة، هذه المرة كدت أموت ولكن من الضحك، لأنه لن يكون من الجدعنة أن أطالب الشرطة بحراستى فى ظروفها المنيلة الحالية، زائد أننى أنتظر بين الحين والآخر بيانا من الحزب الشيوعى الذى عاد إلى النور لينفى نفيا قاطعا أنه يضم فى عضويته أمثالى من الرأسماليين محدثى النعمة. على أى حال، إذا كان دمى يعنى لك شيئا فأرجوك لا تتوتر، فأنا أعتقد يقينا أن الأمر ليس سوى دعابة رخيصة من شخص فارغ العقل، فلو كان لديه ذرة عقل لما رمى نفسه أمام قطار نوارة نجم السريع. بعيدا عن الهزل، أشهد للسلفيين تحديدا بأنهم أبعد ما يكونون عن ممارسة العنف الجسدى، صحيح أن بعضهم «لطاف» جدا لدرجة أنهم يكتفون بتوفير غطاء شرعى لمن يرغب فى ممارسة العنف، لكننى متأكد أنهم لن يفقدوا فجأة الصبر الجميل الذى مارسوه عشرات السنين بحق ضباط أمن الدولة الذين أهدروا حقوقهم وآدميتهم وكرامتهم. نعم، قلتها وأكررها، أنا لا أخاف من السلفيين سواء كانوا متشددين أو معتدلين أو ما بين ذلك، لأنهم فعلا أقرب إلىّ من زكريا عزمى وصفوت الشريف، هم خصوم سياسيون وليسوا أعداء، حتى لو كان بعضهم يعتقد أننى عدو، ولا أجد أن إيمانى بالديمقراطية يمكن أن يستقيم مع أى دعوة بإقصائهم أو قمع حرياتهم، وأعلم أن بعضهم من العلماء الذين يدركون سماحة الإسلام يشهد لى أحيانا بالإنصاف ربما بسبب ما كتبته عن السيد بلال، رحمه الله، أو غيرها من المقالات التى توافق هواهم أحيانا، لكننى أعلم أن كثيرا منهم يشن علىّ هجوما شرسا فى مواقعهم ومنتدياتهم كلما قلت رأيا يغضبهم، لكن ذلك ليس ديدنهم وحدهم بل هو رياضتنا المفضلة جميعا فى كل التيارات. نعم لا يخيفنى السلفيون، لأننى كما قلت فى (العاشرة مساء) أرى أن مشكلة أغلب الناس الذين يخافون من السلفيين تكمن فى اعتقادهم بأن لدى السلفيين سلاحا سريا فتاكا يخبئونه فى المجلدات التى يتصورون دائما وهى خلفهم، مع أن دواليب كتب تراث السلف الصالح ملك للجميع ويستطيع من أراد أن يستخرج منها ما يريد، هات لى أى تصور تريده للكون والحياة متشددا كان أو معتدلا، وامنحنى بعض الوقت، وسأعود إليك بعدها بذلك التصور مدعوما بما تشاء من آراء بعض رموز السلف الصالح المستندة إلى نصوص شرعية متعددة الفهم لأنها بحكم واقع الحياة «حمّالة أوجه» طبقا لتعبير الإمام على، كرم الله وجهه، ولذلك - ولذلك وحده - لا أخاف من السلفيين، وأستغرب ممن يخاف منهم. أعرف أننى شغلتك اليوم بنفسى أكثر من اللازم، لكن ربما كان عشمى أن هذه القضية هى فى الأساس قضية عامة فى مجتمعنا الذى يعانى طيلة الوقت من ثقافة العنعنة والاجتزاء والتدوير السريع للآراء فور تلقفها، وهو ما يكشف عن عدم رغبة الكثيرين فى بذل مجهود من أجل تكوين آراء متعمقة عن قضايا الواقع، تجعلهم لا يلجأون استسهالا لنقل رأى فلان أو علان فى أى قضية لمجرد أنه يطلع فى التليفزيون أو يكتب مقالا فى أى حتة، لأن الأصل فى الرأى أن تقوم بتكوينه لا تقليده، والمفروض أن تناقشه وتحاوره لا أن تلعنه وتطالب بتكويم صاحبه، لكن ماذا يمكن أن يقول البنى آدم منا غير إن «كل اللى يجيبه ربنا كويس». belalfadl@hotmail.com |
محرك البحث هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق