حسن نافعة .. الإخوان والحزب

الإخوان والحزب
حسن نافعة
Mon, 02/05/2011 - 08:00
لأول مرة، منذ سنوات طويلة، ينعقد «مجلس شورى الإخوان» علناً دونما خوف أو وجل أو ملاحقة الأجهزة الأمنية. ويعد هذا، فى حد ذاته، دليلا على حجم التغير الذى طرأ على الساحة السياسية فى مصر منذ ثورة 25 يناير، شكلا ومضمونا.
وقد أعلن رسميا، فى أعقاب هذا الاجتماع التاريخى، عن قرار الجماعة تشكيل حزب سياسى يسمى «حزب الحرية والعدالة»، وهو ما يعد، فى حد ذاته أيضا، دليلا على حجم التطور الذى طرأ على الجماعة منذ تأسيسها على يد حسن البنا عام 1928. فقد غلب الطابع الدعوى على النشاط التنظيمى للجماعة لسنوات طويلة استطاع التنظيم الإخوانى خلالها أن يتغلغل عميقا فى تلافيف المجتمع المصرى، بعدها بدأت كفة النشاط السياسى ترجح لتتحول الجماعة إلى تنظيم فريد من نوعه لم تعرفه الحياة السياسية أو الاجتماعية فى مصر من قبل.
 فلا هى تحولت إلى حزب سياسى مسجل ومعلن بهذه الصفة، رغم حرصها منذ وقت مبكر على القيام بأنشطة سياسية، كخوض الانتخابات البرلمانية، ولا هى اعتبرت نفسها جمعية أهلية تمارس نشاطا خدميا، تحت إشراف ومراقبة وزارة الشؤون الاجتماعية، رغم حرصها الدائم على المشاركة فى تقديم هذه الخدمات.
لذا ظلت «الجماعة»، لسنوات طويلة، ترفض التحول إلى حزب سياسى، بدعوى أن الإسلام «لا يعرف الحزبية والتحزب»، وتصر فى الوقت نفسه على عدم الفصل فى نشاطها بين الدعوى والسياسى، بدعوى أن الإسلام دين ودنيا، مما تسبب فى وقوع صدامات متكررة ودموية مع الدولة المصرية نفسها، وليس فقط مع نظام حكم بعينه. لذا لم يكن غريبا أن يتم حلها عدة مرات، ومن جانب مختلف أنواع الأنظمة التى تعاقبت على حكم مصر سواء قبل ثورة 52 أو بعدها.
فى سياق كهذا، من الطبيعى أن ننظر إلى قرار الجماعة تشكيل حزب سياسى منبثق عنها ومرتبط بها عضويا، باعتباره القرار الأهم والأخطر فى تاريخها.
وربما يكون من السابق تقييم الآثار المحتملة لهذا القرار على تطور الحياة السياسية والاجتماعية فى مصر. غير أنه يبدو واضحا من الآن أنه بقدر ما يتيح هذا القرار من فرص ويفتح من آفاق أمام تطور وازدهار التجربة الديمقراطية، بقدر ما يطرح فى الوقت نفسه من إشكاليات وتحديات جسام قد تعرقل التجربة وتحول دون تطورها نحو الأفضل.
ولأن مستقبل الديمقراطية فى مصر بات مرهونا بإيمان جماعة الإخوان بقيم الديمقراطية واحترامها لقواعدها، فليس هناك من شك فى أن قرار الجماعة تشكيل حزبها السياسى يشكل خطوة كبيرة على هذا الطريق.
 غير أن عدم حل الجماعة واستمرار وجودها كتنظيم دعوى، دون تحديد دقيق لطبيعة العلاقة مع الحزب المزمع إنشاؤه، قد يؤدى إلى إعادة خلط الأوراق، ومن ثم العودة من جديد إلى الحلقة المفرغة نفسها التى أوصلت مصر فى الماضى إلى طريق مسدود.
فرغم البيان الذى أصدره مجلس شورى الجماعة وتحدث فيه عن شكل العلاقة بين «الجماعة» وحزب «الحرية والعدالة»، فلا تزال صيغة ومضمون العلاقة بين الدعوى والسياسى ملتبسة. لذا أضم صوتى إلى صوت المطالبين بمزيد من الوضوح فى هذا الشأن، ووضع خطوط فاصلة بين ما هو دعوى، والذى يجب أن يخضع تنظيميا لقانون الجمعيات الأهلية، وبين ما هو سياسى، والذى يجب أن يخضع تنظيميا لقانون الأحزاب السياسية. ولأننى أعتقد أن الممارسة هى وحدها الكفيلة بضبط هذه العلاقة تدريجيا، بما يتفق مع احتياجات الدولة والمجتمع معا، فلست مع المطالبين للجماعة باتخاذ قرار فورى بحل نفسها.
 فالضغط الزائد عن الحد، فى هذا الاتجاه وفى هذا التوقيت بالذات، قد يؤدى إلى نتائج عكسية. وأعتقد أن نجاح التجربة الديمقراطية فى مصر هو الذى سيدفع الجماعة حتما نحو الفصل التدريجى بين البعدين، إلى أن ينتهى الأمر بتغليب البعد السياسى فى النهاية، الذى يجسده نشاط الحزب، وترك أمر النشاط الدعوى إلى جماعات خيرية لا تشترط أن يدين أعضاؤها بالولاء المطلق لقادتهم، أو أن يخضعوا لفترة اختبار قبل الالتحاق بها!.
أما فيما يتعلق بالجانب «الأممى» فى الدعوة، الذى يجسده «التنظيم الدولى» للجماعة، فيمكن لحزب «الحرية والعدالة» تعويضه بالعمل على تشكيل أممية سياسية إسلامية خاصة به، على غرار أمميات الأحزاب الشيوعية أو الاشتراكية أو الليبرالية!

المصدر جريدة المصرى اليوم

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق