فهمى هويدى .. حزمة أسئلة مزعجة

بقلم: فهمي هويدي
15 مايو 2011 08:07:03 ص بتوقيت القاهرة
حزمة أسئلة مزعجة

 هذه رسالة مهمة حول الموقف الاقتصادى الراهن فى مصر تحذر من خطورة الاستدانة من صندوق النقد الدولى، الذى أعلن يوم الخميس الماضى أن مصر طلبت اقتراض ما بين 10 و12 مليار دولار منه.

وصاحب هذه الرسالة هو الدكتور محمود الخفيف، الخبير الاقتصادى بالأمم المتحدة، وقد كتبها تعبيرا عن رأيه الشخصى الذى لا علاقة له بالمؤسسة التى يعمل بها.

خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، تراجعت احتياطيات البنك المركزى من النقد الأجنبى من 36 إلى 28 مليار دولار، الأمر الذى يعنى أنه خرج من مصر خلال تلك الفترة ما يزيد على 8 مليارات دولار، تمثل 22٪ من احتياطى البنك المركزى فى شهر ديسمبر الماضى. وتشير التقارير إلى أن السحب الأكبر من الاحتياطى تم بعد انتصار ثورة 25 يناير، وأن أعلى نسبة كانت فى شهر مارس الذى تم فيه سحب أكثر من 3.4 مليار دولار فى شهر مارس. والمرجح أن يكون كل ذلك الانكماش له صلته بتهريب الأموال الفاسدة، التى سطت عليها رموز النظام السابق.

والغريب فى الأمر أنه فى مثل هذه الظروف الاستثنائية، وحتى اللحظة الراهنة، لم يعلن البنك المركزى أو وزارة المالية عن مسببات ذلك التراجع، ولم تتخذ أى إجراءات استثنائية للسيطرة على حركة رءوس الأموال، كما فعلت ماليزيا فى عام 2008، علما بأن تسريب أموال شعب مصر وعدم اتخاذ أى خطوات لكبحه أمر خطير لا يقل خطورة عن الفساد ذاته.

الأمر الذى لا يقل خطورة عن ذلك هو اللجوء إلى الاستدانة من الصندوق والبنك الدوليين بمبلغ مهول يمثل ما بين 5 و6٪ من حجم الاقتصاد المصرى. الأمر الذى يرفع مديونية مصر بمقدار الثلث تقريبا، ويعنى فى ذات الوقت أن الحكومة الانتقالية الحالية ستسلم الخزانة خاوية إلى الحكومة التى ستأتى بعدها.

يعنى ذلك أيضا أننا نستهلك مما سننتجه فى المستقبل، مما يقلل من قدرتنا المستقبلية على الاستثمار، أما إذا واجهنا صعوبة فى السداد تحت أى ظرف فإننا قد نواجه بشروط وقيود ربما تهدد أهداف الثورة الساعية إلى زيادة الإنتاج وتوفير العدل الاجتماعى.

إن اللجوء إلى هذه الخطوة يثير أسئلة عديدة منها مثلا: هل سنعود إلى «إصلاحات» الصندوق والبنك من جديد رغم أننا نعلم أن الجهتين تتبعان أجندة الدول الغربية التى تمتلك الجزء الأعظم من أموال المؤسستين.

وهى ذات الدول التى تستقر فيها وتستفيد من الجزء الأعظم من أموال الفساد فى العالم الثالث. ثم هل نحن بحاجة حقيقية إلى تلك القروض؟ وهل درسنا كل سبل سد العجز والتى يجب أن يكون منها مشاركة الشعب والتقشف والحد من أنواع الإنفاق الباذخ؟ وهل من حق حكومة ستذهب بعد أشهر معدودة أن تقترض وتزيد من ديون مصر دون الرجوع إلى الشعب. ولأن مثل هذه القروض يجب (قانونا) أن يصدق عليها مجلس الشعب، ولأن المجلس محلول الآن، فمن إذن له الحق على التصويت على قروض بهذا الحجم والثقل؟ هل هو مجلس الوزراء، هل هو وزير المالية، هل هو المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟

هناك أسئلة أخرى من قبيل: لماذا تزيد ديوننا بما يتراوح بين 10 و12 مليار دولار؟ ومن صاحب القرار فى ذلك؟ وأين ستذهب تلك الأموال؟

وهل هى للاستهلاك وتهدئة الشعب وللوفاء بوعود سياسية واستهلاكية، أطلقها بعض أعضاء الحكومة المؤقتة، وليس لدينا القدرة على احتمالها الآن؟ أم أنها لأغراض الاستثمار فى الوطن والصناعة والزراعة والتعليم والصحة؟ وما هى الفترة التى ستستخدم وتستهلك فيها هذه القروض؟ وما هى المدة التى ستسدد خلالها؟ وهل لدينا القدرة على السداد فى هذه الفترة؟ وما هى شروط هذه القروض ميسرة كانت أو غير ميسرة؟ وقبل كل شىء.. لماذا الصندوق والبنك، أهما الملجأ الأول والأخير؟ ألا توجد سبل أخرى شعبية وطنية وعربية وإسلامية وأفريقية، كبنك التنمية الإسلامى وبنك التنمية الأفريقى ودول عربية وإسلامية وأفريقية صديقة؟ وألا يوجد حل وطنى لسد العجز مثل بعض إجراءات التقشف والسيطرة على حركة رءوس الأموال، كما فعلت كوريا الجنوبية وماليزيا فى عام 2008 حتى لا يلجآ للصندوق والبنك، وذلك لمعرفتهما بخطورة اللجوء لمثل هذه المؤسسات، والذى عادة ما يؤدى إلى تقويض قدرتنا على تنمية أنفسنا فى المستقبل.

لقد اتبعنا «نصائح» الصندوق والبنك لأكثر من 35 سنة. وكانت النتيجة أننا وقعنا فى قبضة نظام ليبرالى متوحش من السياسات والنظم الاقتصادية وبرامج خصخصة لأموال شعب مصر، الأمر الذى أدى بشكل مباشر لكل هذا القدر من الفساد والإفساد وسوء توزيع الدخل وسوء التنمية وسوء تعليم وسوء صحة وسوء الأخلاق.

المصدر جريدة الشروق

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق