فهمي هويدي .. كرسى فى الكلوب

بقلم: فهمي هويدي
4 يونيو 2011 09:13:45 ص بتوقيت القاهرة

كرسى فى الكلوب

 الفكرة ليست جديدة إذ شاهدناها فى أفلام كثيرة حين يدخل أى «عزول» إلى السرادق المنصوب ويلقى بكرسى فى الكلوب (المصباح الكبير) ليطفئ النور ويفسد المناسبة. وهى لقطة تذكرتها حين تم ترتيب أمر الوفد الشعبى المسافر إلى إيران، الذى ضم نحو خمسين شخصا كانوا خليطا من السفراء السابقين والسياسيين والمثقفين. فى محاولة لتنشيط دور المجتمع برفع صوته وإثبات حضوره، خصوصا بعدما ثبتت إيجابيات ذلك التواصل الشعبى حين سافر وفد مماثل إلى السودان، وآخر إلى إثيوبيا وثالث إلى أوغندا.
وبدا لكثيرين أن رحلة الوفد الشعبى إلى إيران لها أهمية خاصة ومسئوليتها أكبر. لأن الوفود التى سافرت قبل ذلك كانت مهمتها فى حدود تحقيق التواصل وتقريب وجهات النظر. فى حين أن رحلة الوفد إلى طهران أريد لها طى صفحة التخاصم المفتعل ومد الجسور مع أحد أضلاع «مثلث القوة» فى المنطقة الذى يرى التفكير الاستراتيجى الحصيف أنه يضم مصر وتركيا وإيران.

كان يفترض أن تأتى طائرة إيرانية خاصة لكى تحمل أعضاء الوفد الشعبى من القاهرة يوم الأحد الماضى، ولأن خط الطيران ليس مفتوحا بين البلدين (لا تنس أنه مفتوح بين القاهرة وتل أبيب). فقد تطلب الأمر استصدار تصريح خاص يسمح للطائرة الإيرانية بأن تهبط فى مطار القاهرة. لكن إجراءات التصريح ظلت تتأجل يوما بعد يوم. وفى حين تأهب الجميع للسفر فإنهم فوجئوا بالكرسى الذى أطلق فى «الكلوب» وهو ما تمثل فى الخبر الذى أعلن عن اتهام دبلوماسى إيرانى بالتجسس لحساب استخبارات بلاده وجمع معلومات عن الأوضاع الاقتصادية فى مصر، والتحقيق معه ثم إبعاده خارج البلاد باعتباره شخصا غير مرغوب فيه.

إخراج المشهد كان متواضعا للغاية، الأمر الذى أثار الشك فى أن توقيت إعلان ضبط الدبلوماسى الإيرانى مساء السبت أريد به إفساد الرحلة التى يفترض أن تتم صباح الأحد. كما أن تعطيل إصدار ترخيص هبوط الطائرة حتى اللحظة الأخيرة ظل مثيرا للشك فى أن هناك عدم رغبة من جانب بعض الجهات فى إتمام الرحلة. وهو ما دعا السفير الأسبق فى طهران محمد رفاعة الطهطاوى، الذى كان بين أعضاء الوفد المقترح، إلى التصريح لصحيفة الشروق (عدد 30/5) بأن: هناك قوى تعمل على تعطيل التقارب المصرى الإيرانى.

لأن اللقطة تبدو منتمية إلى عصر ما قبل 25 يناير، فإن تغطية الخبر استلهمت بدورها لغة تلك المرحلة، حيث وجدتها فلول أمن الدولة فرصة للصيد فى الماء العكر. فقرأنا فى «الأهرام» مثلا (يوم 30/5) أن الرجل ضابط فى جهاز الاستخبارات الإيرانية، وأنه تولى إنشاء عدد من الشبكات الاستخبارية، وتكليفها بجمع معلومات سياسية واقتصادية وعسكرية عن مصر ودول الخليج العربى، نظير مبالغ مالية ضمن خطة تنفيذ السياسة الإيرانية ومحاولة تصدير ثورتها فى ظل حالة الفراغ الأمنى بعد ثورة 25 يناير. وهو كلام إذا صح فإنه يعنى أننا بصدد قضية كبيرة تتجاوز الدبلوماسى الإيرانى لتشمل آخرين تم تجنيدهم فى الشبكات الاستخبارية التى ذكر الخبر أنه أنشأها نظير مبالغ مالية، ضمن خطة تصدير الثورة إلى مصر. وهى شكوك كان إعلانها كافيا لترحيل الرجل، لكن القضية تظل مفتوحة، على الأقل لملاحقة الشبكات التى مهمتها ليس فقط التجسس على مصر وإنما أيضا لجمع المعلومات عن دول الخليج العربى. ولأن الأمر كذلك فلابد أن العملية خصصت لها مبالغ ضخمة تتناسب مع حجم الهدف المرصود. لذلك فإن التحقيقات يفترض أن تشمل مساءلة بقية المتهمين وتتبع المبالغ المالية التى وضعت تحت تصرف الشبكات المذكورة.

أما إذا اكتفت مصر بتسفير الدبلوماسى الإيرانى وإغلاق الملف بعد ذلك دون الكشف عن تلك الشبكات ومحاكمة الضالعين فيها، فأخشى أن يظن كثيرون أننا كنا بصدد فرقعة إعلامية لا تختلف فى شىء عن عملية قذف الكلوب بالكرسى.

لقد ألغيت رحلة الطائرة الإيرانية حقا، لكن أعضاء الوفد سافروا بعد ذلك على الطيران العادى عبر دبى، وكان معهم الدبلوماسى الإيرانى المرحل، الأمر الذى يعنى أن محاولة إقامة الجسر فى بدايتها وأنه أمكن وصل «شعرة معاوية» (الذى لا يحبه الشيعة) بين الشعبين. ولا بأس من ذلك ليس فقط لأن للمنافع أبوابا عدة، ولكن أيضا لأن نصف العمى أفضل من العمى كله.
المصدر جريدة الشروق

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق