جولة «تحت المراقبة» بشوارع طهران.. والمرافق «من جهة سيادية»


رغم الخلاف فى الرأى، فإن الاعتراف بما نجح الإيرانيون فى تحقيقه فى بلادهم أمر واجب لا مناص منه.. يلفت نظر الجميع نظافة الشوارع والطرقات، والنظام الدقيق، الذى يسعى المواطنون هناك للحفاظ عليه بدأب فى كل مكان.. تلمح تفاصيل بساطة حياة المواطنين، ملامح فقر لا تتراءى لعابرى السبيل أمثالنا الذين لم يحتكوا بشكل مباشر بحياة المواطنين هناك، لكن فى الوقت ذاته هناك حالة من الاكتفاء المجتمعى بما هو متاح.تلتقط عيناك فى شوارع طهران اختلاف الزى النسائى بين الشادور بلونه الأسود، والملابس الحديثة وغطاء الرأس الذى لا يغطى سوى نصف الرأس، وتظهر من تحته صبغات الشعر المصفف بعناية، ولا تتجاهل عيناك جمالاً لافتاً للنظر.. المساجد هناك لها ملامح خاصة بمئذنتيها وقبة تتوسطهما، تتزين جدرانها بـ«الموزاييك» الأزرق.فى الحلقة الأولى، الإثنين، رصدت «المصرى اليوم» ملامح وعقبات رحلتنا إلى إيران.. وفى هذه الحلقة نرصد تفاصيل شوارع طهران ومبانيها ونتعرف عن قرب على ملامح علاقات البشر ونظرتهم لنا فى مصر وأشياء أخرى.
فى الثامنة والنصف من صباح أول يوم لنا فى طهران، اصطحبنا مرافقونا فى أتوبيس سياحى إلى مبنى هيئة إذاعة وتليفزيون الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أهم ما يلفت نظرك عند الخروج من باب الفندق فى ضوء النهار هو نظافة الشارع وكثرة اللون الأخضر به، الذى ينتشر على جانبى الطريق بتنسيق غير خافٍ على عين الناظر.
وما إن تحرك الأتوبيس بنا سائرا فى شوارع طهران، حتى أدركنا أن النظافة وتنسيق الزرع سمتان عامتان فى العاصمة، حتى فى تلك الأحياء التى تغلب عليها البساطة وقلة المورد.
المسافات فى العاصمة الإيرانية بين مقاصدنا طويلة، تستغرق وقتا فى الوصول، ورغم زحام بعض الشوارع فإن نظام المرور واضح وضوح الشمس، حتى بالنسبة للسائرين على أقدامهم، حيث يلتزمون بأضواء الإشارات المتعاقبة.
لفت أتوبيس الوفد نظر الإيرانيين فى الشوارع التى نمر بها، حيث تتحرك أمامه سيارة شرطة بيضاء، بها خطان باللون الأخضر كتب عليها بالفارسية «بليس» أى بوليس، وسيارتان ملاكى كتبت على لوحتيهما المعدنيتين كلمة «تشريفات»، وهو ما يوحى بأهمية الراكبين فى الأتوبيس.
وصلنا هيئة الإذاعة والتليفزيون، لنكتشف مساحتها الشاسعة، وأنها ليست مجرد مبنى للقنوات والاستديوهات، وعلمنا أن الهيئة تضم 110 قنوات ومحطات إذاعة تبث بالعديد من اللغات.. توقفنا أمام قاعة المؤتمرات بها، ودخلنا لنجد عدسات الكاميرات ومسؤولين إيرانيين فى استقبالنا، يتقدمهم السيد ضرغام، رئيس الهيئة، الذى يتوسط مكتبه القاعة.
«ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم فى الأرض ونُرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون».. هكذا انطلق صوت القارئ كريم منصورى، يردد الآيات الأولى من سورة القصص، وما إن ينتهى القارئ من التلاوة، حتى تعرض عبر شاشتين كبيرتين يتوسطان القاعة أغنية باللغة العربية عن الثورة المصرية، تصاحبها مشاهد من مظاهرات المصريين ضد النظام السابق، وبعدها بدأت كلمات الحضور بكلمة للسيد ضرغام، الذى تضمن حديثه العديد من النقاط، أهمها أن ما قام به المصريون مصدر فخر وعزة للأمة الإسلامية.
وأضاف: «إيران كانت تتابع الثورة لحظة بلحظة، وتبث أغنيات وطنية فى وسائل الإعلام حتى يشعر المصريون أن إخوتهم فى إيران بجانبهم فى ثورتهم، وهناك تزامن بين يوم انتصار الثورة المصرية وانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية».
وتابع: «حققتم نصركم يوم 11 فبراير، ونحن حققنا نصرنا يوم 22 بهمن وهو نفس التوقيت الذى ما زلنا نحتفل به عبر مسيرات للايرانيين فى شوارع إيران، ومضى أكثر من 30 عاما ونحن ننتظر اللقاء بكم لنجلس ونتباحث».
ثم أنهى السيد ضرغام حديثه بالتأكيد على رغبتهم بإيران فى الاستماع إلينا لمعرفة أبعاد ثورتنا التى نجحت فى الإطاحة بنظام وصفه بالـ«ديكتاتورى.. كان عميلا لأمريكا وإسرائيل».
وتحدث البعض منا من المشاركين فى الوفد وشرحنا لهم أن ثورتنا كانت اجتماعية للحرية والعدالة، دعا إليها الشباب وقادها ودعمها الشعب كله مسيحيوه ومسلموه، وكيف أن لكل ثورة خصوصياتها، وأننا نريد منهم إثبات حسن النية تجاه المصريين، ليشعر المسؤولون الإيرانيون باستنكارنا حديثهم عن الثورة المصرية بشكل أو بآخر، فأخذ القائم بالأعمال الإيرانى فى القاهرة مجتبى أمانى الكلمة، معربا عن سعادتهم بوجودنا وأن مقارنتهم للثورة المصرية بنظيرتها الإيرانية من باب التعاطف وأنهم يقارنون ثورتنا بأغلى شىء عندهم.
ثم تحدث مساعد رئيس البرامج الموجهة فى هيئة الإذاعة والتليفزيون، الدكتور محمد سارافراز، قائلا: «نحن قريبون من بعضنا البعض ونجل كل الاحترام لشهداء ثورة مصر وتسميتنا أحد شوارعنا باسم خالد الإسلامبولى تكريم لشهيد، وتعالوا نتحاور لنعرف لماذا يمثل هذا الشارع عقبة أمام تواصل العلاقات، لأننا نرى أن «السادات ومبارك»، كانا أعوانا لـ«مريكا والصهيونية».
وهكذا بدأنا شرح وجهة نظرنا، تجاه ما قالوه مدركين اختلاف الثقافات والرؤى، مقدمين حسن النية على الخلاف فى الرأى.. استمعوا إلينا وهزوا رؤوسهم واعدين بنقل وجهة النظر للقيادة الأعلى، بعدها قادنا الحديث للخلاف الطائفى بيننا وبينهم وما نعرفه عنهم من رغبتهم فى إحداث مد شيعى فى المنطقة، فتحدثوا عن عدم وجود علاقة لهم بسب الصحابة وبخاصة أم المؤمنين عائشة، تنفيذاً لتعاليم الإمام الخمينى الذى نهى عن ذلك - حسب قولهم.
وأكدوا أنهم لا يسعون لنشر مذهبهم الشيعى كما يروج العدو الصهيونى - الأمريكى ليزيد من الفرقة بيننا وبينهم، وأنهم يوصون الحجاج الإيرانيين كل عام بالاقتداء بأهل السنة فى أداء مناسك الحج، ثم انتقلوا للحديث عن مبدأ التقية الشيعى، فأكدوا أنهم يحتمون بهذا المبدأ، لكنهم يمتلكون الشجاعة لإبداء آرائهم والدفاع عنها لا بالقول فقط، لكن بالفعل أيضا، والدليل تأييدهم لحماس وحزب الله - حسب قولهم.
انتهى اللقاء وعدنا للفندق، على أن نعود مرة أخرى لعقد لقاء آخر بالمسؤولين الإيرانيين فى هيئة الإذاعة فى الرابعة عصراً.. اعتذرت عن عدم حضور اللقاء وقلت للفريق الأمنى المرافق لنا إننى سأتجول فى شوارع طهران، للتعرف على البلد وأهله، فأخذوا يشرحون حديثى بالإنجليزية لبعضهم بالفارسية وتناقشوا بعبارات غير مفهومة، ثم وجدتهم يخبروننى أمام إصرارى على التجول فى طهران، بأنهم سيخصصون لى سيارة لمرافقتى ومعى أحدهم ليساعدنى، إن احتجت لشىء.
اتفقنا على التحرك فى الرابعة والنصف، وكان من بين أعضاء الوفد المصرى محيى الدين حلمى، رئيس مجلس إدارة شركة مصر - إيران للاستثمار، وهو على علاقة جيدة بإيران وأهلها، بحكم عمله، وهو رجل شديد الأدب والخبرة بسنوات عمره التى جاوزت السبعين.
عرف الرجل برغبتى فى التجول بطهران، فاتصل بفتاة إيرانية تجيد التحدث بالعربية اسمها ناجية، طالبا منها المجىء للفندق لمرافقتى والتنقل معى فى العاصمة، وهو ما سهل علىَّ رحلة التجول فى شوارع طهران، والتى بدأناها ومعنا رفيقنا «الأمنى»، بشارع «فالى عسر» أو «والى عسر» ويعنى بالفارسية «الإمام الغائب».
ويُعد الشارع أهم وأطول شارع فى طهران، وهو شارع إدارى سكنى، يتصل فى نهايته بشارع «انقلاب» أو كما ينطقونها بالفارسية «انغلاب»، الذى سمى بهذا الاسم بعد اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، حيث توجد فيه جامعة طهران التى انطلقت منها مظاهرات الطلبة الإيرانيين فى الثورة وانضم إليهم فئات وشرائح المجتمع الإيرانى.
تلمح فى شارع انقلاب العديد من مكتبات بيع الكتب بلغات عدة، والطريفأن تجد كتباً مترجمة من العربية للفارسية، ومن بينها روايات نجيب محفوظ وجمال حمدان وأشعار نزار قبانى.. توقفنا فى شارع فالى عسر لنشاهد محال بيع التذكارات التقليدية، وفى مقدمتها منتجات الزجاج الملون، والنحاس المرسوم، الذى تظنه فى البداية فخاراً.
وشرح لنا البائع كيف يصنعونه بدقة وفى درجات حرارة عالية للغاية، تجعل هناك استحالة فى زوالها من عليه، ولذا ترتفع أسعاره ليصل سعر القطعة الصغيرة منه لنحو 60 دولاراً.
«جهار باغ».. هكذا كتب على أحد تلك المحال.. يستقبلنا البائع ببشاشة عند علمه أننى من مصر وسمح لى بالتصوير بعد استئذان رفيقتى ناجية منه، عرض علينا التحف الإيرانية من سجاد وكليم ومنتجات يدوية.
استوقفنى وجود أكثر من نموذج لـ«الشيشة» المصنعة بعناية وإبداع لافت للنظر، ونماذج مصغرة لفتيات ورجال الغجر الإيرانيين بملابسهم المزركشة، الذين يملأون المكان، سألت البائع عما إذا كانوا يصنعون تلك المنتجات بأيديهم، فأخبرنى بأنها تصنع فى مدينة أصفهان، التى يطلقون عليها اسم «نصف العالم»، ثم تنقل لهم فى طهران لبيعها لمن يريد.
ركبنا السيارة وواصلنا رحلتنا، وعرفت من رفيقتى «ناجية» أنها من منطقة الأهواز التى تشتهر بوجود عرب إيرانيين، يبلغ تعدادهم فى كل إيران 5 ملايين نسمة، أخبرتنى بأنها مسؤولة القسم الثقافى فى السفارة اللبنانية بطهران لإجادتها العربية والفارسية والإنجليزية أيضاً.
وقالت إنها تعيش وحيدة فى طهران شأنها شأن الكثير من الفتيات والنساء هنا، على استحياء أسألها عن عمرها فتقول إنها فى الثلاثين.. يقطع حديثنا وصولنا لجامعة طهران، فنتوقف وننزل لالتقاط الصور والحديث مع بعض طلابها الواقفين أمامها بعد انتهاء مواعيد الدوام بها.
لفت نظرى بساطة البناء وتصميمه فلم أصدق أننى أمام الجامعة الرئيسية فى إيران، واستوقفنى مشهد لم أتوقع رؤيته فى إيران.. فتاة وشاب يجلسان على الأرض بجوار بعضهما مستندانا لحائط الجامعة الخارجى. عرفت أن الفتاة تدعى «هدى»، طالبة فى السنة النهائية بكلية الآداب قسم فارسى، أما صديقها فهو «على»، الذى لم يلتحق بالجامعة بعد انتهائه من المرحلة الثانوية، لأن عليه اجتياز اختبارات معقدة قبل التحاقه بالجامعة، كما ينص القانون الإيرانى.
سألتهما عن مدى قبول الصداقة بين الشاب والفتاة فى طهران، فأجابنى على: «هذا مسموح لكن فى حدود، نحن أصدقاء فقط ولكن لا يسمح لنا بالعيش مع بعضنا بلا زواج».
على مسافة من «هدى وعلى» جلس «أمير - 26 سنة» وحيداً يدخن سيجارة تبدو على وجهه ملامح اليأس، اقتربت منه ورفيقتى الإيرانية ومن خلفنا الرفيق الأمنى - الذى كان يستمع لكل حواراتنا.. عرفت من أمير أنه مفصول من الجامعة التى كان يدرس فى كلية الفنون الجميلة بها.
حدثنا بفارسية ترجمتها ناجية، لكنها فجأة توقفت عن الترجمة وهى ترى متابعة الرفيق الأمنى لنا، وتنظر لى بعينيها نظرة أفهم منها أن علينا الانصراف.. وفى طريق العودة للسيارة تخبرنى بعربية سريعة، أن أمير فصل من الجامعة بسبب آرائه السياسية المؤيدة للتيار الإصلاحى وتعبيره الدائم عنها فى مناقشاته مع الأساتذة، وأنه قال لها إنه يتمنى العيش خارج إيران بل ويبحث عن أى فرصة تمكنه من ذلك، حيث لا أمل له هناك.. بالطبع لم أكن فى حاجة للسؤال عن سبب عدم ترجمتها لحديثه فى وجود الرفيق المصاحب لنا.
فى الشوارع كثير من الشباب الإيرانى، الذين تقول الإحصائيات إنه يمثل نصف السكان البالغ عددهم نحو 77 مليون نسمة، ولفت نظرى فى الطريق بائع صحف إيرانى، سألته عن عالم الصحافة الإيرانية، فعرفت منه أن هناك العديد من الصحف، لكن قراءة صحيفة واحدة تغنيك عن البقية، لأنها تنقل الأخبار نفسها بالصيغة ذاتها.
وعلمت أن كثيراً من الصحف غيرت اتجاهها حتى لا تُغلق من قبل السلطات، قطعت السيارة طريقها فى اتجاه ميدان «آزادى» وتعنى الكلمة بالعربية «الحرية»، وقالت لى رفيقتى: «هذا الميدان يشبه ميدان التحرير لديكم، هنا تجمع الإيرانيون وقت الثورة الإسلامية، وأغلق الأمن وقتها الطريق الواصل بين شمال طهران الذى يعيش فيه الأثرياء، وجنوبه الفقير خوفا من انتقام الفقراء الزاحفين على الأحياء الثرية، لكن فاجأهم الناس وزحفوا على قوات الأمن من الغرب والشرق فحاصروهم، ولا أحد يستطيع الوقوف فى وجه غضب الشعوب».. هكذا قالت رفيقتى عبارة فلسفية جعلتنى أرددها بينى وبين نفسى مرة أخرى.. نعم لا أحد يمكنه الوقوف فى وجه غضب الشعوب.
نقلت إليها رغبتى فى الذهاب لشارع خالد الإسلامبولى، فطلبت من الرفيق الأمنى إيصالنا له، ونظر لى قائلا بالفارسية: «حاضر ولكنه شارع صغير لا يلتفت له أحد».. ترجمت لى «ناجية» الحديث للعربية وهى تهز لى رأسها فى علامة نفى لحديث رفيقنا الذى فهم غرضى من زيارة الشارع.
عرفت من «ناجية»، خلال الرحلة، أن عددا كبيرا من الإيرانيين لا يقبلون الإساءة للمصريين ويحترمون مشاعرهم ولا يرون سببا لاستمرار وجود اسم خالد الإسلامبولى على أحد شوارع طهران.
وأضافت: «هل نخسر شعباً بأكمله من أجل اسم شارع يحمل اسم قاتل رئيسهم.. لا يعقل هذا».. باركت كلمات «ناجية» وتوقفنا تحت اسم لافتة تحمل اسم خالد الإسلامبولى فى شارع طويل يضم على جانبيه منازل أنيقة تدل على منزلة اجتماعية فوق المتوسطة.
قبل عودتى للسيارة استوقفت رجلا كان يمر بالشارع، نظر لى متعجبا من التقاطى الصور تحت اللافتة، وبمجرد معرفته بأننى مصرية سارع بالقول: «نحب المصريين أكثر من أى شعب آخر، ونرى أنكم مثلنا تمتلكون التاريخ والحضارة والثقل السياسى، وكثيرون منا يتمنى زيارة مصر وآثارها السياحية والدينية، وعندما نبحث عن وصف لكم نقول (مسلمون طيبون)».
تكونت الصورة المأخوذة عن الإيرانيات فى أذهاننا، كمصريين، بأنهن ضعيفات يعشن فى ضعف وخنوع تحت جناح الرجل المتحكم فى كل شىء، ويتحركن خارج بيوتهن يرتدين «الشادور» الذى فرض عليهن بعد ثورة «الخمينى» عام 1979.
هذه الصورة غير حقيقية كما شاهدنا هناك، إذ عرفنا أن المرأة هى صاحبة اليد الطولى فى إيران، وأن الرجل لا يملك اغتصاب حق لها ولا يقدم على خطوة إلا بعد أخذ رأيها وأنها تتمتع بحريتها وحقوقها بشكل لا يقبل المساس، وقد نجحن فى خوض كل المجالات فى المجتمع وهناك سياسيات إيرانيات بازغات ومنهن وزيرة الصحة «مرضية وحيد دستجروى»، كما اقتحمن مجال العلم وباتت هناك عالمات فى مجال الذرة والبرنامج النووى.
استرعى انتباهى فى الشارع الإيرانى المرأة التى ترتدى الشادور، وحين سألت عنه عرفت أن له قصة، فعقب الثورة الإسلامية أراد الثوار معاقبة أى امرأة لا ترتدى الحجاب وزى الشادور، لكن كان لـ«الخمينى» رأى آخر، حيث طلب من الثائرين اعتبار المرأة التى لا ترتدى الحجاب لا وجود لها، فإذا أشارت لتاكسى لا يقف لأن لا وجود لها، وإن دخلت أى مكان وتحدثت مع من فيه لا يرد عليها أحد لأنها هواء غير مرئى.
وهكذا بالتدريج فرض الحجاب ذاته، لكن ومع مرور الوقت وجدت المرأة لذاتها وسيلة للفرار من ذلك الرداء الإجبارى عبر ارتداء بنطلون جينز أو قماش عليه قميص طويل يقترب من ركبتيها، وعلى رأسها غطاء رأس يكشف عن مقدمة شعرها الذى تصففه وتصبغه على أحدث الموضات.
«عمرى 41 عاماً وأعيش بمفردى هنا فى طهران بعد انفصالى عن أسرتى فى إحدى القرى فى الجنوب الإيرانى».. هكذا تحدثت «مائدة»، الفتاة الإيرانية ذات الملامح الجذابة بثقة وهدوء. وأضافت: «أنهيت دراستى الجامعية فى مجال الفلسفة لكن قلة الوظائف دفعتنى لاحتراف التجارة، والحياة هنا ليست سهلة بخاصة إيجارات المنازل، وأنا أعيش فى شقة 25 متراً بإيجار يقدر بنحو 300 دولار فى الشهر».
لفت نظرى حديث «مائدة»، التى لم تتزوج رغم جمالها واستقلاليتها، وعرفنا منها أن هناك الكثيرات فى إيران غير متزوجات والسبب كما تقول هو أن هناك الكثير من الشباب بلا عمل، إذ تبلغ نسبة البطالة نحو 20٪ فى المجتمع الإيرانى، إضافة لارتفاع تكاليف الزواج.
أما السبب الذى يخيف فتيات إيران من الزواج فهو صعوبة الحصول على الطلاق لتعقيد إجراءاته فيفضلن ظل الحائط على ظل رجل يقيد حريتهن ويصعب عليهن الانفصال عنه حال استحالة العشرة.
فى «طهران»، اكتشفت وجود تاكسى يحمل اسم «تاكسى بانوان»، سألت عنه فعرفت أنه تاكسى تقوده نساء لمن تريد التنقل بصحبة امرأة، وأن تلك التاكسيات تتبع شركة يمكنه الاتصال بها ليأتى التاكسى وقائدته لنقل الزبونة.
يعد برج ميلاد أعلى مبنى فى طهران ويصل ارتفاعه لنحو 335 متراً وهو رابع برج تليفزيون واتصالات ارتفاعا فى العالم، حكى لى البعض أنهم صمموا البرج مستندين إلى العناصر الأساسية للخليقة.. «الماء والهواء والتراب والنار»، كما استندوا - كما يقولون - إلى المفاهيم الثابتة «الحياة والموت والعشق والعدالة والسلام».
بدأ بناء البرج فى عهد الرئيس «خاتمى»، وتم الانتهاء منه فى عهد أحمدى نجاد. جمعنا لقاء فى قاعة مؤتمرات البرج وعددا من المسؤولين الإيرانيين فى مقدمتهم الدكتور محمد باقر قاليباف، رئيس بلدية طهران، ذات المنصب الذى كان يشغله «نجاد» قبل توليه الرئاسة عام 2005، وهو أحد أهم المرشحين للرئاسة فى الانتخابات المقبلة.
عرفت أن الرجل حصل عام 2010 على جائزة دولية لتحقيقه أفضل سيولة مرورية فى مدينة طهران. وكان عليه أن يذهب لنيويورك لتسلم الجائزة لكنه لم يذهب.. وإلى الحلقة المقبلة
المصدر جريدة المصرى اليوم

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق