حسن نافعة .. السعودية والعمالة المصرية

السعودية والعمالة المصرية
بقلم   د. حسن نافعة    ١/ ٦/ ٢٠١١

نقلت الصحف المصرية الصادرة أمس الأول، تصريحات لوزير العمل السعودى أدلى بها خلال لقائه برجال أعمال غرفة جدة، أكد فيها عزم السعودية عدم التجديد للعمالة الأجنبية التى مضى على تواجدها أكثر من ٦سنوات، مما أثار قلق بعض الأوساط الرسمية من التأثيرات السلبية المحتملة لهذا القرار على العمالة المصرية هناك. وقد أشارت الصحف الصادرة فى اليوم نفسه إلى تصريحات أدلى بها رئيس الشعبة العامة لشركات إلحاق العمالة بالخارج، التابعة للغرفة التجارية، قال فيها إن الشعبة تعتزم إرسال مذكرة للجانب السعودى حول هذا القرار، موضحاً أن العمالة المصرية بالسعودية تعدت ٢.٥ مليون شخص، ٧٠% منهم مضى على عملهم ٦ سنوات، وهو ما يعنى أن نحو ١.٥ مليون مهددون بالعودة، ومحذراً من ارتفاع نسبة البطالة بمصر حال تنفيذ القرار. ولأن تصريحات وزير العمل السعودى تزامنت مع قيام وفد شعبى مصرى كبير بزيارة لإيران، فقد رأى البعض فيها محاولة غير مباشرة للضغط على مصر لإحباط جهود تُبذل حالياً لرفع مستوى التمثيل الدبلوماسى إلى مستوى السفراء وإعادة العلاقة بين مصر وإيران إلى حالتها الطبيعية، وهى خطوة يبدو واضحاً أنها تثير قلقاً لدى حكومة المملكة العربية السعودية.

ليست هناك دلائل قاطعة على وجود علاقة ارتباطية بين نية الحكومة السعودية عدم التجديد للعاملين الأجانب ممن أمضوا أكثر من ٦ سنوات فى السعودية وبين زيارة الوفد الشعبى المصرى لإيران، غير أن هذا لا يعنى استبعاد إمكانية إقدامها على استخدام سياسة العمالة والتوظيف وسيلة للضغط السياسى على مصر، استمراراً لسياسات شائعة تعكس، للأسف، نمطاً عربياً عاماً فى اتخاذ القرارات عادة ما يُغلّب مشاعر العاطفة والانفعال على حسابات الرشادة والعقل. والسؤال: كيف يتعين علينا وضع هذين القرارين - أى القرار المصرى بتطبيع العلاقة مع إيران، والقرار السعودى بعدم التجديد للعاملين الأجانب بعد السنة السادسة - فى ميزان التقييم العلمى، وهل ثمة مجال للربط بينهما.

من حق السعودية أن ترسم سياستها للتوظيف والعمالة انطلاقاً من رؤيتها الخاصة لمصالحها الوطنية، ومن الطبيعى أن تكون «السعودة» هى محور هذه السياسة ومنطلقها، فتصريحات وزير العمل السعودى نفسه تشير إلى وجود نحو نصف مليون عاطل سعودى عن العمل (يمثلون نحو ٥.١٠% من إجمالى قوة العمل، ٢٨% منهم من الإناث، ٤٠% من خريجى الثانوية العامة)، وإلى أن أعداد العمالة الأجنبية فى السعودية زادت بنسبة ٢.٤٪ فى الربع الأخير من ٢٠١٠، رغم هبوط أعداد العمالة الأجنبية فى منطقة الخليج بشكل عام على خلفية تأثيرات الأزمة المالية العالمية، غير أنه يتعين على السعودية فى الوقت نفسه أن تراعى فى سياستها تجاه العمالة الوافدة التزامات قانونية (بحكم عضويتها فى جامعة الدول العربية وفى المنظمات المتخصصة المرتبطة بها، ومنها منظمة العمل العربية)، وأخرى أخلاقية (بحكم روابطها القومية والتاريخية والثقافية بالشعوب العربية) تفرض عليها منح الأولوية للمواطنين العرب (الذين لا تتجاوز نسبتهم ٦% من إجمالى حجم العمالة الوافدة) بعد السعوديين مباشرة. ومعنى ذلك أنه بوسع السعودية استخدام سياسة توظيف بديلة تحقق الأهداف الوطنية المشروعة دون إلحاق الضرر بالعمالة المصرية أو العربية.

ومن حق مصر، طبقاً للمعايير ذاتها، أن ترسم سياستها الخارجية وأن تحدد شكل ومضمون علاقتها مع دول العالم انطلاقاً من رؤيتها لمصالحها الوطنية، وتأتى الجهود المبذولة حالياً لتطبيع العلاقة مع إيران، فى هذا السياق، لمعالجة أخطاء سابقة ارتكبها الجانبان ولتصحيح خلل قائم لا ينبغى له أن يستمر،

لكن من حق الدول العربية على وجه العموم، والسعودية ودول الخليج العربى على وجه الخصوص، التأكد من أنه لن يترتب على هذه الخطوة إلحاق الضرر بمصالحها، وهو حق تفرضه التزامات قانونية وأخلاقية أيضاً، فتطبيع مصر لعلاقاتها مع إيران لا يعنى تبنيها سياسات إيران الخارجية أو دعم مواقفها الدولية على طول الخط، وإنما يعنى فقط استخدام الوسائل والسبل المتحضرة والمتعارف عليها للتفاوض حول كيفية التغلب على الخلافات والتخفيف من حدة الأزمات فى المنطقة وتوسيع نطاق المصالح المشتركة، ولأنه من غير المعقول أو المقبول أن تكون لدول مجلس التعاون الخليجى علاقات ليست فقط دبلوماسية وإنما تجارية واقتصادية متينة مع إيران ثم تطلب من مصر فى الوقت نفسه «ألا تتعجل» فى تطبيع علاقتها مع إيران.. يجب على مصر ألا تخضع أبداً لمثل هذا النوع من الابتزاز.

فى تطبيع مصر لعلاقاتها مع إيران مصلحة عربية، لأن وجود مصر إلى جانب أشقائها من مجلس التعاون الخليجى فى أى مفاوضات دولية حول أى قضايا خلافية مع إيران يعطى للجانب العربى ثقلاً لا يستهان به، وبالتالى يحقق مصلحة عربية لا جدال فيها. أظن
أنه آن الأوان لترجيح كفة الحسابات العقلانية والرشيدة فى قراراتنا العربية.

المصدر جريدة المصرى اليوم

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق