فهمي هويدي .. إمارة زنجبار الإسلامية

بقلم: فهمي هويدي
1 يونيو 2011 08:02:41 ص بتوقيت القاهرة
إمارة زنجبار الإسلامية

«إمارة زنجبار الإسلامية» تعد أحدث حيلة استخرجها الرئيس اليمنى من كيسه لتبرير استمراره فى السلطة، إذ بعدما ظل يناور ويراوغ فى رفض التنحى طوال أربعة أشهر، وبعد الدماء التى أسالها والنعرات القبلية التى حاول إثارتها، وبعدما لوَّح باحتمالات الحرب الأهلية، واستنفد رصيده من الأعذار والحيل التى تعلل بها لعدم توقيع المبادرة الخليجية للانتقال السلمى للسلطة. بعد كل ذلك فإنه وجد أن «القاعدة» هى الحل.

لست واثقا مما إذا كان الرئيس اليمنى التقط فكرة فزاعة القاعدة من نظيره الليبى أم لا، لأن الأخير استخدم الفزاعة ذاتها لإثارة مخاوف الغربيين من الثائرين على نظامه، ولكننا نعرف أن لتنظيم القاعدة وجودا فى اليمن (حيث أصول أسرة بن لادن) قبل أن تصل أصداؤه إلى المغرب العربى.

نعرف أيضا أن التخويف بالفزاعة الإسلامية شائع فى أوساط المستبدين (وبعض المثقفين) العرب، وأن التلويح بحضور تنظيم القاعدة هو أعلى درجات التخويف. وظل منطق القادة المستبدين يردد حجة واحدة، خلاصتها أن أنظمتهم إذا كانت سيئة (هم لا يظنون أنها كذلك) فإن البديل عنهم يظل الأسوأ، ليس فقط فيما يمكن أن يوقعه من ظلم واحتكار وفساد، وإنما أيضا فيما يشكله من تهديد للمصالح الغربية. وهى حجة صدقها الساسة الغربيون ولم ينسوها طوال الوقت. ولذلك فإنهم شملوا العقيد القذافى برعايتهم، وظلوا على دعمهم للرئيس على صالح الذى فتح للأمريكيين أبواب اليمن وسماواتها، لكى يقودوا بأنفسهم ملاحقة عناصر القاعدة وتصفيتهم، وهو ما لم تقصر فيه الاستخبارات والقوات الخاصة الأمريكية. ولكن الأمريكيين وكل الساسة الغربيين حين داهمتهم الانتفاضات العربية رفعوا أيديهم ووقفوا يتفرجون، وباتوا يراهنون على الورقة الرابحة. وفى حين تدخلوا إلى جانب الثوار فى ليبيا، فإن السفير الأمريكى وممثلى الاتحاد الأوروبى كانوا حاضرين فى مختلف مراحل التفاوض لنقل السلطة فى اليمن.

من الواضح أنه حين ضاق الخناق حول الرئيس اليمنى، فاتسع نطاق الجماهير المطالبة برحيله. ولم تفلح عمليات القمع والترهيب التى مارسها رجاله، فإنه ألقى بورقة الإمارة الإسلامية لكى يبلغ الجميع ــ خصوصا الدول الخليجية والغربية ــ بأن خطر تنظيم القاعدة حقيقى وليس مجرد فزاعة، وأن اليمن مرشحة لأن تصبح أفغانستان أو صومالا أخرى، إذا ما ترك الحكم أو أرغم على ذلك.

كان اليمنيون أول من أدرك ذلك، إذ لاحظوا أن محافظ «أبين» والمسئولين فى الدوائر الحكومية والمراكز الأمنية وأجهزة السلطة المحلية غادروا مدينة زنجبار عاصمة المحافظة الجنوبية بصورة مفاجئة. بدت أقرب إلى الانسحاب والإخلاء المتعمد للساحة. فى الوقت ذاته فإن عددا من المسلحين الذين يتراوحون بين 300 و500 شخص دخلوا إلى المدينة من مختلف الاتجاهات، حيث كان معظمهم يتمركز فى مديرية «جعار» التى يسيطرون عليها منذ منتصف شهر مارس الماضى، وبسهولة اقتحم هؤلاء المقار الحكومية ومعسكرات الشرطة والأمن المركزى ومبنى جهاز الاستخبارات. بعدما تم إخلاؤها من الجنود والحراسات التى اختفت بدورها بصورة غامضة فى أماكن غير معلومة. وبمنتهى اليسر تمكنوا من الاستيلاء على ما فى تلك الأماكن من عتاد وأسلحة مختلفة بينها عربات مصفحة وناقلات جند ورشاشات متوسطة وقذائف وقنابل هجومية وصواريخ محمولة على الكتف من نوع بازوكا وآر.بى.جى.

فى فضح العملية أصدرت قيادة القوات المسلحة المؤيدة للثورة بيانها الأول الذى قالت فيه إن الرئيس اليمنى أصدر توجيهاته للأجهزة الأمنية فى «أبين» بتسليم مؤسسات الدولة للجماعات المسلحة لإيهام الدول الغربية بأن اليمن مرشح لأن يصبح صومالا أخرى. وأعلن البيان فى مؤتمر صحفى حضره ثمانية من قادة الجيش برتبة لواء. وهو ما اتفق معه وزير الداخلية اليمنى السابق حسين محمد عرب الذى قال إن القاعدة لم تشن أى هجوم على زنجبار ولكن القيادات الأمنية سلمت المدينة إلى المسلحين الذين أعلنوها «إمارة إسلامية» ونصبوا عليها أميرا يدعى بسام بالعيدى ينتمى إلى قبيلة المراقشة فى «أبين».

لقد آثر الرئيس على عبدالله صالح أن يتحالف مع «القاعدة» ليستمر فى السلطة، بدلا من أن يسلم البلد إلى الوطنيين الشرفاء الذين طالبوه بالرحيل، الأمر الذى يسوغ لنا أن نقول بأن رئيسا كهذا لا تناسبه إلا «قاعدة» من ذاك القبيل!

المصدر جريدة الشروق

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق