إبراهيم عيسى .. نحن أفضل من 19 ومن 52

إبراهيم عيسى
نحن أفضل من 19 ومن 52
Monday, July 18, 2011 at 10:51am

أن نشعر الآن بالخضة هو أشد الأمور خطرا على الثورة!

لا شيء مما يجري يدعو للفزع من أي طرف، ممكن نقلق، نتوجس، نترقب، ننشغل، نشك، نحبط، نغضب، لكن لا يوجد سبب ولا مبرر كي يشعر طرف ما بالخضة، فزعا وجزعا!

التصرف وفق الخضة والفزع يعني تشوشا يسحب من التصرف صوابه وينحرف بسلامة بوصلته، ولكي نطمئن يجب أن نرجع إلى تاريخنا المصري في ما يخص فترات الثورات ومراحل الانتقال، ثم نعود كذلك لتجارب الأمم والشعوب التي مرت وتمر بما نعبره حاليا من ثورة تريد أن تكتمل فتنتصر، ومن مصدات وحواجز ومجهضات تريد للثورة أن تهمد قبل أن تخمد.

مثلا يقلق بعضنا من دعوات تصدر عن حماقة، أو عن حماسة، أو عن سذاجة، تطالب بإغلاق طرق أو مبان أو تعطيل أعمال، كذلك من تصرفات تتسم بروح عدوانية أو تخوين أطراف وتيارات أو أشخاص لبعضهم البعض أو تفتت في القوى التي وقفت موحدة تحت راية الثورة.

وكل هذا لا يساوي شيئا مما جرى في مصر قبلا (وفي العالم طبعا).

ثورة 25 يناير سلمية بكل المقاييس، رغم تفلت هنا أو هناك لبعض التصرفات العنيفة، لكن دعونا نتذكر أن ثورة 1919، التي كانت وما زالت مضرب المثل في سلميتها ونقائها ونموذجا لتوحد أمة، فنجدها وقد شابتها أعمال عنف وتخوين أفظع بمراحل وأكثر وأسوأ جدا.

سعد زغلول زعيم الثورة في منفاه، كان يرسل لعبد الرحمن فهمي (بطل الثورة الحقيقي على الأرض) رسائل يكتبها على هوامش صفحات مجلات أجنبية بماء البصل، وهو ما يشبه الحبر السري، يعطيه فيها تعليمات بالتصرف مع شخصيات وجهات وأحزاب يراها سعد زغلول ضد الثورة، فماذا فعل عبد الرحمن فهمي وعناصر الثورة الذين كانوا تحت قيادته؟

اعتدوا وضربوا صحفيين وكتابا وكسروا عظامهم، لأنهم كتبوا ضد الثورة، وهددوا وروعوا سياسيين وموظفين عموميين ومسؤولين، ورموا قنابل على مؤسسات صحفية، وفجروا عبوات ناسفة في سيارات زعامات وشخصيات سياسية كانت تنوي دخول وزارة ترفض الثورة تشكيلها، ونظموا مظاهرات تلقي حجارة وتقذف طوبا على مباني صحف وأحزاب تتخذ موقفا مناهضا أو حتى غير مؤيد للثورة!

كانت أعمال عنف حقيقية تثير غضبا عارما لدى قيادات الثورة من رفاق سعد زغلول، وكانوا يتهمونه بأنه وراء هذه الأحداث، وكان يكذب وينفي ويتبرأ منها، رغم أنه صاحب الأمر والنهي فيها (يمكن الرجوع إلى مذكرات عبد الرحمن فهمي ومراسلاته مع سعد زغلول ولكتب الدكتور محمد أنيس والدكتور عبد العظيم رمضان الشهيرة في تحقيق هذه الفترة).

أما التفتت والاختلاف فليس هناك دليل عليه أكثر بيانا من أن سعد زغلول سافر بصحبة ستة من زملائه، هم أعضاء الوفد المصري كله، للتفاوض مع إنجلترا ودول العالم لنيل استقلال مصر، فعاد الستة جميعا منشقين على سعد زغلول دون استثناء، والثابت في مذكرات بعضهم أنهم لعنوا سعد واستبداده وغلظته وتعاليه عليهم حتى خاصموه وعادوه جميعا!

أما عن التخوين فحدث ولا حرج، فقد كانت حفلا مفتوحا للتخوين، ولم يفلت واحد من زعامات هذه المرحلة من اتهامات مستمرة مقذعة وقاسية بالخيانة سواء خيانة الثورة أو خيانة البلد أو خيانة الحزب أو خيانة زملائه، والمتأمل في مذكرات هذه المرحلة وفي ما نشرته الصحف أيامها يجد تسابقا غير مسبوق ولا ملحوق بالمناسبة، في الطعن والذم في الجميع بكل جرأة وصفاقة تنافس صفاقة معلقي الإنترنت هذه الأيام!

المشهد كذلك تكرر بعد ثورة يوليو 1952، سواء مظاهرات واعتصامات أو خلافات واتهامات، وانشقاقات، بل ومحاولات انقلاب، والقارئ لسنوات ما بعد يوليو يكتشف هذا التحالف المذهل بين الإخوان مثلا وضباط العسكر، وكيف كانت تصريحات وخطب ومؤتمرات ومساجد ومواعظ الإخوان تمتدح في الضباط وتهاجم كل من يهاجمهم، وتعلن تأييدها ومبايعتها لرجال يوليو في مواجهة معارضيهم ومنتقديهم (حاجة كده شبه ما يحدث الآن بالضبط وأكثر)، ثم خلاف وفتنة وعداء بين الضباط والإخوان انتهى بمرحلة من السجون والاعتقالات والإعدامات، وما يمكن وصفه بعملية تصفية ظالمة وديكتاتورية وانتهاكات بشعة ضد جماعة الإخوان ورجالها، بل ونسائها، حتى الذين لم يفوتوا منهم منذ فجر الثورة فرصة في مديح ضباط يوليو!

ثورة 25 يناير سلمية بكل المعاني رغم بعض البثور، وأشد نبلا وأعلى رقيا وأسمى حضاريا رغم بعض السخافات. ومهمة المؤمنين بالثورة وقيمها في الحرية والديمقراطية والعدالة أن يدافعوا عن قيمها قبل أن يدافعوا عن نجاحها، فهي تنجح فقط يوم تلتزم بمبادئها

هذا المحتوى من

 

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق