بلال فضل .. إلى ميدان الشُّرفا

بلال فضل
إلى ميدان الشُّرفا
Monday, July 18, 2011 at 10:49am

قال لي صديقي «أخشى بعد ما كتبته بالأمس أن يتم طردك أنت أيضا من ميدان التحرير»، قلت «أشك في ذلك لأنني مسافر هذه الأيام، لكنني على أي حال كتبت طوال الأشهر الماضية مقالات تختلف بقوة مع تصرفات يمارسها الثوار وانتقدت لغة التخوين والإقصاء التي تتصاعد بيننا، ولم أجد مشكلة في الميدان كلما ذهبت إليه، ربما لأنني عشت خلال الثمانية عشرة يوما الأروع في تاريخ الميدان، تلك الروح التي كانت تجعلنا نختلف حول كل شيء، كان هناك حدة وزعيق وعصبية، عادتنا ولن نشتريها، كانت هناك اتهامات تتطاير هنا أو هناك، صحيح، لكن كان الميدان يتسع لنا جميعا، ولم نشهد فيه حالة طرد واحدة لشخص كان يوما معنا وإن اختلفنا معه، لذلك عندما يرى المرء ذلك يحدث الآن لا بد أن ينقده وأجره على الله، دون أن يعني ذلك أنه يقلل من شأن أناس هم بالتأكيد شجعان وجدعان ويحبون بلادهم ومستعدون لأن يضحوا من أجلها، لا يهدفون إلى مناصب ولا يطمحون إلى مكاسب، وإن كانت لديهم مشكلات في إدارة اختلافاتهم مع الآخرين، فمن منا ليست لديه هذه المشكلات؟».

لا أريد أن أخدع نفسي، ليس رأي الكل هكذا، دلني صديق على «تويتة» كتبها شخص لن أذكر اسمه بالكامل، لأن هدفي ليس استعداء أحد عليه، بل فهم الطريقة التي يفكر بها، كتب هذا الشخص على «تويتر» يدعو للاعتداء عليّ، لأنني أطالب بالانتخابات في أسرع وقت، وذلك لأنني لا أريد أن يتم إقصاء «أسياده العسكر»، لم أكن أعرف أن العسكر أسيادي إلا منه، وما كنت أعرفه أن أسرع وأضمن وسيلة لإقصاء العسكر هي المبادرة بالانتخابات. فكرت أن أتعرف أكثر على تفكير هذا الثائر، لكي أفهم منطقه وأتعلم منه، وسأنقل لكم هنا مجموعة من تدويناته المنشورة عيانا بيانا، مع مراعاة أن النقط التي بين قوسين تستبدل شتائم بذيئة يعاقب عليها القانون: «إمتى نطرد الحلوف بلال فضل و(..) الهيستيرية نوارة، و(..) الليل الحزين يسري فودة، ممدوح حمزة بقى طري قوي زي حمزاوي بالضبط أم النفاق، كل شوية حد يقول لازم نفرق بين الجيش والمجلس (..) على الجيش اللي ماعملش حاجة من ساعة محمد علي غير إنه عدى القناة، عصام سلطان ده (..) ، أنا حاسس أن استمرار الناس في التحرير هو انتحار بطيء لازم تصعيد بسرعة، ماتيجي نعمل انتخابات سريعة النهارده في الاعتصام ونختار قائد للثورة، ائتلاف (..) الشرطة ده اتعمل عشان يوصل للناس إن في ضباط شرفاء حد يطلع لي كلب من البوليس شريف لازم نطمن الناس ونعرفهم ضعف الجيش وسهولة التغلب عليه ماتبتدي معايا هوه من إمتى جيش عامر وبرلنتي بقى وطني، الناس خايفة من الجيش (..) مع إن الداخلية أقوى بكتير، الجيش مافيهوش غير فرقة صاعقة ولواءين مظلات، والباقي موظفين غلابة، فهمي هويدي طول عمره (..) زي الفقي بيعاملوه زي مايكون صحفي بجد، وهو أعظم حاجة فكر فيها مناخيره، (..) أم شعب مصر (إلخ..)، هوجة يناير فشلت حتى في تخليصنا من (..) أمن الدولة عمرو أديب يسري فودة وأمثالهم، هو إبراهيم عيسى بقى (..) قوي ليه بعد هوجة يناير، وائل غنيم ده دليل على أن المصري أصله أهطل، المسؤولين عن تفريغ الثورة وركوب المجلس السمكري للبلد هما يسري فودة نوارة نجم محمود سعد، الائتلاف الإخوان إبراهيم عيسى ونوارة وبلال مايفرقوش حاجة عن منى الشاذلي كلهم خلايا نائمة، أي واحد قال نعم للتعديلات يلعن (..) أمه».

بالذمة والأمانة، هل يمكن أن يقول أحد إن استخدام هذه التعبيرات في إدارة الحوار بين بعض من يتصورون الآن أنهم حراس الثورة أمر فردي لا يعول عليه؟.. أنا هنا أخاطب ضمائر الثوار الذين لم يخافوا من رصاص الأمن المركزي، ولا أظنهم سيخافون من مواجهة الحقيقة وممارسة النقد الذاتي؟.. ألا تسيء إلينا هذه الروح التي لم تعد تستخدم للتنفيس على الـ«تويتر» والـ«فيسبوك» وحسب، بل أصبحنا نسمعها زاعقة في بعض الميكروفونات، والـ«يوتيوب» موجود لمن أراد؟.. هل يمكن أن يجعلنا هذا نكسب قلوب الناس لكي نتجاوز هذه المرحلة الصعبة؟.. هل كنا سنسكت لو وجدنا على الحساب الشخصي لضابط شرطة جملة يلعن فيها أم الشعب المصري ويتهمه باتهامات أقل ما يقال عنها حقيرة؟.. وهل كنا سنعديها لو كتبها منتم إلى جماعة الإخوان مثلا؟.. وهل يغفر لمن يطلق هذه الاتهامات أنه ثوري أكثر من اللازم؟.. أليس من المثير للسخرية أن الأسماء التي بات يشتمها بعض الثوار ويتهمها بالتخاذل والجبن والضعف هي التي يحرض فلول نظام مبارك ضدها ويتهمونها بتسخين الشارع وبتهييجه ضد المجلس العسكري؟.. هل تظنون أن أحدا لا يقرأ ما تكتبونه على الـ«تويتر» والـ«فيسبوك»، ويقوم بنشره على الناس لكي يستخدمه ضد الثورة وضد الشهداء الذين سالت دماؤهم من أجل أن تشهد هذه البلاد ديمقراطية حقيقية لأول مرة في تاريخها، اسمحوا لي أن أختلف معكم بشدة، فكل يوم يتصيد شخص ما تدوينة يكتبها ناشط، بها انفلات في الأعصاب أو تجاوز في الألفاظ لكي يشوه بها الثورة، والناشط يرد كالعادة برد بذيء على من يلفت انتباهه إلى ذلك، فالـ«تويتر» والـ«فيسبوك»، بالنسبة له مواقع تواصل اجتماعي، ومن حقه أن يقول فيها ما يشاء، أيا كانت نتيجته، طيب هل القانون يعترف بذلك المبرر؟.. هل الناس ستتفهم ذلك؟.. هل الثورة ستستفيد من ذلك؟.. هل سيدفعنا ذلك إلى الأمام شبرا واحدا؟

الإجابة متروكة لكل إنسان، فالثورة مسؤولية كل ثائر، أنا شخصيا ما دمت أعبر عن رأيي بصدق دون أن أشتم الآخرين، ولا يعنيني أن أطرد من أي ميدان في الدنيا، فأنا أعرف أن هناك ميدانا سيظل مفتوحا لي على الدوام، هو «ميدان الشرفا» الذي لا يتجاوز عرضه المترين والكائن خلف حارة سمكة بالجيزة التي كنت أقيم فيها وأنا طالب، كنت دائما أقول يا ربي هل الشرفاء في مصر قليلون إلى هذا الحد، لكي يكون ميدانهم ضيقا هكذا، ثم اتضح أن الشرفاء في مصر كثيرون، بحيث يملؤون كل ميادينها، لن يجرؤ أحد على طردي من ميدان الشرفا، لأن لي في الجيزة ناسا وعزوة، وابقوا قابلوني هناك، وثائر لثائر.

اللهم لا تجعل الناس يؤاخذون الثورة بما يفعله السفهاء منها

هذا المحتوى من

 

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق