بلال فضل .. نشنت يا فندم

بلال فضل
نشنت يا فندم
Wednesday, July 27, 2011 at 10:06am

لا أدرى على وجه التحديد ما المؤهلات الإعلامية التى جعلت من اللواء عبد المنعم كاطو مستشارا إعلاميا لإدارة الشؤون المعنوية فى القوات المسلحة؟.. لم يعلن لنا أحد تلك المؤهلات لكى نستمع إليه باهتمام وهو يتصور أنه يقوم بتلقين مذيعة الثورة المصرية دينا عبد الرحمن درسا فى الإعلام، على أية حال اتضح لنا أن اللواء كاطو يمتلك فراسة ثاقبة جعلته ينظر إلى كل الإعلاميين والصحفيين الذين ينتشرون تحت سمائنا الملوثة، ويختار من بينهم الكاتبة الكبيرة نجلاء بدير كنموذج للمخربين الذين يعيثون فى مصر فسادا.

يا سيادة اللواء كاطو، إنى أغبطك، كيف امتلكت هذه القدرة على أن تكشف حقيقة نجلاء بدير التى ظللت مخدوعا فيها كل هذه السنين؟.. كنت أظن أن كتابتها المدهشة التى تخلب الألباب نابعة عن موهبة اختصها بها الله، فإذا بها كتابة تنبع عن عقلية تخريبية بالتأكيد يقف خلفها شيطان صربى رجيم، هل يجب أن يذهب الإنسان إلى معسكر تخريبى لكى يكتب بهذه الروعة؟.. كنت أقول لنفسى يا رب متى يأتى اليوم الذى أصبح فيه مثل نجلاء بدير، شخصا لا يكتفى بأن يكتب ما يعيشه بل يعيش ما يكتبه، إنسانا يجعل الملائكة تحسده على إنسانيته ونورانيته وسعيه الدائم لإزالة آلام البسطاء والفقراء، والذين أهدرت حقوقهم وإنسانيتهم ببركات حكومات مبارك، فإذا باللواء كاطو يكشف الستار عن وجود جهات غامضة تقف وراء قدرة نجلاء بدير الخارقة على مد يد العون إلى كل هؤلاء البشر والإحساس بآلامهم والكتابة عنهم بلغة سهلة ممتنعة وأسلوب غير مسبوق لم ينصفه من النقاد، سوى المفكر الكبير جلال أمين الذى كتب دراسة بديعة عن فنها الرفيع، لو قرأها اللواء كاطو لضم الدكتور جلال إلى قائمة القوى التخريبية التى دمرت كل ما بناه حسنى مبارك خلال الثلاثين عاما الماضية، التى لم نسمع للواء كاطو خلالها حسا ولا خبرا.

من الآن وصاعدا وبفضل اللواء كاطو، لا أظن أننى سأستمتع بقراءة مقالات نجلاء بدير كما كنت متعودا، بمجرد أن أرى اسمها على أى مقال سأنسى صورة الملاك المُلهم التى كنت قد رسمتها لها، لأراها على حقيقتها: امرأة غامضة تشبه المرأة القطة، كانت تتسلل من شقتها كل ليلة طوال الثلاثين عاما الماضية، وهى ترتدى بدلة التخريب السوداء، لتتقافز على أسطح القاهرة والمحافظات، وتبدأ بإهدار ثروات مصر الطبيعية، فتقوم بمد الغاز إلى إسرائيل برخص التراب، ثم تبيع أرض مصر التى قاتل الجندى المصرى دفاعا عنها للمرتزقة والسماسرة، ثم تذهب إلى المستشفيات لكى تهين كرامة الإنسان المصرى، وبعدها تتجه إلى أقبية أمن الدولة، لكى تشرف على عمليات التعذيب، ثم وهى تطير فوق سماء القاهرة تطمئن على تخريب التعليم وتطفيش العلماء وإفساد الصحافة ونهب البلاد وإذلال العباد، ومع بزوغ الفجر تطلق ضحكات شريرة متقطعة، وتعود ثانية إلى بيتها لكى تظهر علينا فى الصباح بصورة الكاتبة المدهشة المندهشة الطفلة الأم الجدعة الحنون التى تجسد كتابتها ومواقفها شرفا ونبلا لا نجدهما لدى الكثير من الرجال المنفوخين فى السترة والبنطلون.

دعونا من السخرية، سوداء كانت أو رمادية، وخلونا فى الخيبة الثقيلة التى لن ندرك ثقلها إلا عندما نكتشف أن اللواء كاطو ليس فردا، بقدر ما هو عقلية ومنهج وطريقة تفكير، هناك فى بلادنا آلاف ولن أقول ملايين، يفكرون بطريقة «كاطوية»، يعتقدون أن الوطنية تعنى الإذعان، تعنى أن نقف صفا واحدا خلف من يتصدر الصورة أيا كان، هؤلاء يتعاملون مع أصحاب الرأى، كأنهم مجندون لا بد من أن يطيعوا الأوامر وإلا تم تذنيبهم على الهواء مباشرة، هناك فى عقليتهم قوائم للناس المحترمة التى ستلقى كلمة طابور الصباح المقررة علينا بالأمر، حتى لو كان هؤلاء المحترمون هم الذين شاركوا أو باركوا أو حتى صهينوا على أخطر عملية نهب منظم لمصر وأشرس عملية سطو مسلح على ثرواتها، وأحقر عملية تجريف للعقل المصرى.

للأسف أمثال اللواء كاطو يعرفون أن القانون فى بلادنا عينه مكسورة للأسف أمام الذين ينتمون إلى المؤسسة العسكرية، ولذلك فهم يأخذون راحتهم على الآخر وهم يوجهون الاتهامات جزافا، اللواء الروينى فى أكثر من مداخلة لم يفكر ولو للحظة وهو يقلل من وطنية شباب مصرى محترم، دون أن يدرك أن كلامه يشكل غطاء سياسيا لأى محاولة اعتداء سيتعرض لها هؤلاء الشباب، ومن بعده جاء اللواء كاطو وأخذ يطلق النيران فى كل اتجاه، متهما اثنين من مرشحى الرئاسة بالعمالة، ومتحدثا عن أموال بعينها قبضها أناس بعينهم، وهو كلام لو قاله مدنى بحق أى قائد عسكرى لذهب إلى النيابة العسكرية، ولناله حكم قاس كالذى نال بعض ثوار الإسكندرية الذين لم يقتلوا ثمانمائة متظاهر، ولم يجرحوا آلاف المصريين، ومع ذلك فقد طالتهم اليد الباطشة التى لم نرها للأسف تبطش بالقتلة والفاسدين ومصاصى الدماء.

خلاصة الموضوع لمن أراد له خلاصة.. عندما يكون لدينا حكم مدنى منتخب يستمد شرعيته من الشعب، ويخاف من غضب الشعب، لن يستطيع أى لواء حالى أو سابق أن يتطاول على أى مواطن مصرى، لأنه يعرف أنه سيقع تحت طائلة القانون، ولن يخاف صاحب قنوات تليفزيونية مثل الدكتور أحمد بهجت من غضب السلطة العسكرية، فيقوم بمجاملتها، ويتخلى عن أفضل مذيعة مصرية، تتشرف بها أى قناة، مع أنها كانت فى قمة المهنية والاحترام، وهى تحاور اللواء كاطو، فالدكتور يعلم أن رضا البنوك من رضا المجلس العسكرى، وأن غضب مشاهديه لن ينفعه ببصلة، فالشعب فى بلادنا لا يمنح ولا يمنع ولا يسمن ولا يغنى من جوع، وعندما يمتلك الشعب المصرى قراره وحريته كاملة غير منقوصة، لن تكون صكوك الوطنية محتاجة إلى ختم اللواء كاطو الذى يحتاج إلى تغيير النضارات، التى كان يرى بها الواقع المصرى طوال الثلاثين عاما الماضية، لأنه للأسف عندما قرر أن يطلق النار على من يظن أنهم «مخربون»، اختار أنبل ما فى مصر وأطلق عليه النار.

ملاحظة ختامية.. يعلم الله أننى أحب برنامج «عصير الكتب»، وأننى أعتبره أفضل ما قدمته فى حياتى حتى الآن، ويعلم القائمون على قناة «دريم» أننى كنت وما زلت وسأظل أقدر لهم حماسهم للبرنامج، لكننى بعد أن استمعت من الأستاذة دينا عبد الرحمن إلى تفاصيل إبعاد الدكتور أحمد بهجت لها من برنامجها، أجد نفسى مقتنعا بضرورة التوقف عن التعامل مع قناة «دريم»، ليس فقط تضامنا مع دينا، وليس فقط احتجاجا على عدم احترام مشاهدى دريم الذين يعشقون أداء دينا المتميز، ولكن لاعتقادى أنه لا يصح أن تستمر فى تقديم برنامج ثقافى على شاشة قناة يديرها صاحبها بهذا الشكل، مع خالص محبتى وأسفى لكل الذين شرفت بالعمل معهم فى البرنامج، وصادق تقديرى لكل نجوم القناة الكبار والعاملين بها وعلى رأسهم الأستاذ أسامة عز الدين، والدكتور محمد خضر، راجيا إدارة القناة أن تقوم بإيداع باقى مستحقاتى المادية، ولو أنها ليست ضخمة، فى حساب جمعية أصدقاء ضحايا التحرير.. والله الموفق

هذا المحتوى من

 

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق