فهمي هويدي
11 يوليو 2011 09:12:21 ص بتوقيت القاهرة
أن يقف العسكر وحدهم
لدى تعاطف مع المجلس العسكرى الذى وجد نفسه مستدعى لتأمين الثورة فى مصر، ثم اكتشف بعد ذلك أنه يقف وحيدا فى حمل كل هموم البلد، ومحشورا بين ضغوط الشارع من ناحية وبين ضغوط الخارج من ناحية ثانية، وكل منهما لا يرحم. لقد أدى الجيش واجبه الوطنى فى تأمين الثورة والانحياز لإرادة الشعب. وتلك مسئولية لم يسع إليها لكنه استجاب لها بشجاعة فى لحظة بدا فيها أن خطرا داهما يهدد الجبهة الداخلية. إذ ربما يؤكد كثيرون أن الجيش قرر التدخل عقب إعلان ثوار الميدان عن نيتهم الزحف إلى مقر القصر الجمهورى، فى حين كانت التعليمات لدى الحرس الجمهورى تقتضى بإطلاق الرصاص الحى على كل من يحاول اقتحام القصر، الأمر الذى كان ينذر بوقوع مذبحة تُغرق القاهرة فى بحر من الدم. ولتجنب تلك الكارثة كان لابد أن يعلن الجيش موقفه، وقد كان.
لم يكن الجيش صاحب الثورة ولكنه كان حارسها الأمين. ولذلك فإنه لم يشكل مجلسا لقيادة الثورة، حيث لم يكن له أن يدعى ذلك. وإنما باشر مسئولياته تحت مظلة المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وكانت مشكلة المجلس منذ اللحظة الأولى أنه يتعامل مع طوفان من البشر الذين أجمعوا على رفض ممارسات وسياسات نظام مبارك، وتعلقوا بحلم إقامة نظام جديد يرد للمواطن اعتباره ويلبى حاجاته ويرفع عنه أمد المذلة والهوان.
المشكلة الأخرى أن قنوات الاتصال بين السلطة والمجتمع كانت إما معطوبة أو مسدودة ومشبوهة. ولم يكن أمام المجتمع من حل يسمع به صوته للمجلس الذى تولى السلطة سوى أن يسلك أحد طريقين، فإما أن يخاطبه من خلال الإعلام أو يبادر بالنزول إلى الشارع. وكل منهما لا يخلو من مغامرة ذلك أن البعض احترفوا ممارسة الثورة من خلال الظهور على شاشات التليفزيون. أما البعض الآخر فقد استسهلوا التنادى للنزول إلى الشارع والاعتصام بالميادين. ولم يكن بوسع أى أحد أن يعرف ما الذى يمثله الذين جذبتهم أضواء التليفزيون، وما هى حقيقة الجموع التى احتشدت فى الميدان. من منهم الذى أسهم فى الثورة ومن منهم انتسب لها ودفعه الفضول إلى الالتحاق بالحشود المجتمعة فى الشارع. من الذى دفع الثمن، ومن الذى ركب الموجة بالمجان.
هذا الفراغ رتب ثلاث نتائج سلبية تتمثل فيما يلى:
< إن مجلس الثورة عانى من الارتباك وربما الارتجال فى قراراته، ذلك أنه لم يجد طرفا مسئولا يحدد له ما المطلوب بالضبط وما هى الأولويات التى يتعين الالتزام بها. ولحل ذلك الإشكال فإنه لجأ إلى اجتهادات أعضائه من ناحية وإلى سلسلة الحوارات التى أجريت مع مختلف الفرقاء والخبراء من جهة ثانية، ومن الواضح أنهم غرقوا فى بحر الاجتهادات والآراء التى حصلوها خلال تلك الحوارات، التى كان معظمها أقرب إلى منصات التنفيس منها إلى جلسات العمل.
< إن الفراغ السياسى الكبير الذى عانت منه مصر جراء إصرار النظام السابق على احتكار السلطة وتقزيم أو تدمير القوى الحية فى المجتمع، فتح الباب لمحاولات عديدة لتمثيل الثورة وركوب موجتها. وتنافست فى ذلك القوى التقليدية مع التجمعات الجديدة، وتداخل الصالحون مع الطامحين والطالحين. ولعب رأس المال دورا مهما فى تشكيل الخريطة الجديدة. وفى النهاية فإننا وجدنا أنفسنا أمام عناوين كبيرة ورنانة ظهرت كلها فجأة، دون أن تعرف لها هوية أو وزنا. لكن الذى حدث أن هذه الكيانات كلها أصبحت تقدم نفسها بحسبانها «قوى الثورة»، دون أن يتاح للمجتمع أن يعرف على وجه الدقة ما إذا كانت تلك الصفة حقيقية أم منتحلة.
< إن المجلس العسكرى وهو يقف وحيدا وسط أمواج الثورة المتلاطمة اعتمد على رصيده المعنوى أكثر من اعتماده على قوى المجتمع الحية، ولأنه ليس مستندا إلى تمثيل شعبى مؤسسى يشد من أزره ويتكئ عليه، فإن ذلك لابد أن يؤثر بالسلب على موقفه فى مواجهة الضغوط الخارجية التى ينبغى ألا يستهان بها. خصوصا إذا أدركنا أن تلك الضغوط صادرة عن طرف فى غطرسة الولايات المتحدة أو فى حلف وبلطجة إسرائيل. وفرق كبير فى موقف يتبناه المجلس العسكرى استشعارا منه لمسئوليته وواجبه الوطنى، وبين أن يكون الموقف تعبيرا عن إرادة شعبية لا يملك لها أحد ردا.
إن النخب التى تتصارع الآن فى مصر مدفوعة فى ذلك بمخاوفها أو حساباتها الخاصة، تطيل من أمد الفراغ السياسى وتعطل تمثيل الإرادة الشعبية فى حراسة الحاضر وصناعة المستقبل. والأسوأ من هذا وذاك أنها تحرم المجلس العسكرى من المؤازرة الشعبية والمدنية وتغرى أعضاءه بالاستمرار فى السلطة. ولأنهم بشر فقد يستطيبونها فى وقت لا ينفع فيه الندم.
11 يوليو 2011 09:12:21 ص بتوقيت القاهرة
أن يقف العسكر وحدهم
لدى تعاطف مع المجلس العسكرى الذى وجد نفسه مستدعى لتأمين الثورة فى مصر، ثم اكتشف بعد ذلك أنه يقف وحيدا فى حمل كل هموم البلد، ومحشورا بين ضغوط الشارع من ناحية وبين ضغوط الخارج من ناحية ثانية، وكل منهما لا يرحم. لقد أدى الجيش واجبه الوطنى فى تأمين الثورة والانحياز لإرادة الشعب. وتلك مسئولية لم يسع إليها لكنه استجاب لها بشجاعة فى لحظة بدا فيها أن خطرا داهما يهدد الجبهة الداخلية. إذ ربما يؤكد كثيرون أن الجيش قرر التدخل عقب إعلان ثوار الميدان عن نيتهم الزحف إلى مقر القصر الجمهورى، فى حين كانت التعليمات لدى الحرس الجمهورى تقتضى بإطلاق الرصاص الحى على كل من يحاول اقتحام القصر، الأمر الذى كان ينذر بوقوع مذبحة تُغرق القاهرة فى بحر من الدم. ولتجنب تلك الكارثة كان لابد أن يعلن الجيش موقفه، وقد كان.
لم يكن الجيش صاحب الثورة ولكنه كان حارسها الأمين. ولذلك فإنه لم يشكل مجلسا لقيادة الثورة، حيث لم يكن له أن يدعى ذلك. وإنما باشر مسئولياته تحت مظلة المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وكانت مشكلة المجلس منذ اللحظة الأولى أنه يتعامل مع طوفان من البشر الذين أجمعوا على رفض ممارسات وسياسات نظام مبارك، وتعلقوا بحلم إقامة نظام جديد يرد للمواطن اعتباره ويلبى حاجاته ويرفع عنه أمد المذلة والهوان.
المشكلة الأخرى أن قنوات الاتصال بين السلطة والمجتمع كانت إما معطوبة أو مسدودة ومشبوهة. ولم يكن أمام المجتمع من حل يسمع به صوته للمجلس الذى تولى السلطة سوى أن يسلك أحد طريقين، فإما أن يخاطبه من خلال الإعلام أو يبادر بالنزول إلى الشارع. وكل منهما لا يخلو من مغامرة ذلك أن البعض احترفوا ممارسة الثورة من خلال الظهور على شاشات التليفزيون. أما البعض الآخر فقد استسهلوا التنادى للنزول إلى الشارع والاعتصام بالميادين. ولم يكن بوسع أى أحد أن يعرف ما الذى يمثله الذين جذبتهم أضواء التليفزيون، وما هى حقيقة الجموع التى احتشدت فى الميدان. من منهم الذى أسهم فى الثورة ومن منهم انتسب لها ودفعه الفضول إلى الالتحاق بالحشود المجتمعة فى الشارع. من الذى دفع الثمن، ومن الذى ركب الموجة بالمجان.
هذا الفراغ رتب ثلاث نتائج سلبية تتمثل فيما يلى:
< إن مجلس الثورة عانى من الارتباك وربما الارتجال فى قراراته، ذلك أنه لم يجد طرفا مسئولا يحدد له ما المطلوب بالضبط وما هى الأولويات التى يتعين الالتزام بها. ولحل ذلك الإشكال فإنه لجأ إلى اجتهادات أعضائه من ناحية وإلى سلسلة الحوارات التى أجريت مع مختلف الفرقاء والخبراء من جهة ثانية، ومن الواضح أنهم غرقوا فى بحر الاجتهادات والآراء التى حصلوها خلال تلك الحوارات، التى كان معظمها أقرب إلى منصات التنفيس منها إلى جلسات العمل.
< إن الفراغ السياسى الكبير الذى عانت منه مصر جراء إصرار النظام السابق على احتكار السلطة وتقزيم أو تدمير القوى الحية فى المجتمع، فتح الباب لمحاولات عديدة لتمثيل الثورة وركوب موجتها. وتنافست فى ذلك القوى التقليدية مع التجمعات الجديدة، وتداخل الصالحون مع الطامحين والطالحين. ولعب رأس المال دورا مهما فى تشكيل الخريطة الجديدة. وفى النهاية فإننا وجدنا أنفسنا أمام عناوين كبيرة ورنانة ظهرت كلها فجأة، دون أن تعرف لها هوية أو وزنا. لكن الذى حدث أن هذه الكيانات كلها أصبحت تقدم نفسها بحسبانها «قوى الثورة»، دون أن يتاح للمجتمع أن يعرف على وجه الدقة ما إذا كانت تلك الصفة حقيقية أم منتحلة.
< إن المجلس العسكرى وهو يقف وحيدا وسط أمواج الثورة المتلاطمة اعتمد على رصيده المعنوى أكثر من اعتماده على قوى المجتمع الحية، ولأنه ليس مستندا إلى تمثيل شعبى مؤسسى يشد من أزره ويتكئ عليه، فإن ذلك لابد أن يؤثر بالسلب على موقفه فى مواجهة الضغوط الخارجية التى ينبغى ألا يستهان بها. خصوصا إذا أدركنا أن تلك الضغوط صادرة عن طرف فى غطرسة الولايات المتحدة أو فى حلف وبلطجة إسرائيل. وفرق كبير فى موقف يتبناه المجلس العسكرى استشعارا منه لمسئوليته وواجبه الوطنى، وبين أن يكون الموقف تعبيرا عن إرادة شعبية لا يملك لها أحد ردا.
إن النخب التى تتصارع الآن فى مصر مدفوعة فى ذلك بمخاوفها أو حساباتها الخاصة، تطيل من أمد الفراغ السياسى وتعطل تمثيل الإرادة الشعبية فى حراسة الحاضر وصناعة المستقبل. والأسوأ من هذا وذاك أنها تحرم المجلس العسكرى من المؤازرة الشعبية والمدنية وتغرى أعضاءه بالاستمرار فى السلطة. ولأنهم بشر فقد يستطيبونها فى وقت لا ينفع فيه الندم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق