بلال فضل
الركة على الفينيش
Monday, July 11, 2011 at 11:53am
من قال إن المشير طنطاوي لم يرد على مطالب «كمالة» الثورة التي شهدتها ميادين التحرير يوم 8 يوليو؟ أعتقد أنه كان واضحا في رده عليها، وفي اليوم التالي مباشرة وعلى مرحلتين: الأولى كانت عندما حلف الكاتب أسامة هيكل اليمين أمام المشير كوزير للإعلام، ليقضي على إنجاز صغير كانت الثورة قد فرحت به، وهو إلغاء منصب وزير الإعلام الذي يليق بنظام شمولي فاشل، لا بدولة ديمقراطية شهدت ثورة لتوها. الوزير الجديد يقول إن مهمته هيكلة الإعلام، دون أن يعلم حتى أصدقاؤه ما الخبرة التي يملكها في هذا المجال؟ إلا إذا كان قد تم اختياره للهيكلة على أساس أن اسمه هيكل، إذا ظننت أن هذا إفيه سمج، فدعني أذكرك أننا ربما نكتشف صحته بين عشية وضحاها، ألم يتضح مثلا أن الميزة الوحيدة للدكتور الجمل أنه صبور وراسخ؟
المرحلة الثانية للرد جاءت من خلال خطاب هزيل للدكتور عصام شرف كان ينقصه فقط أن ينظر الدكتور إلى الكاميرا ليقول «وماله ياخويا.. نشكل لجنة للعدالة الاجتماعية.. يارب ياخويا يارب» لكي يستحق عن جدارة لقب (الدكتور شديد) الذي منحه له بعض الذين يسلقون الناس بألسنة حداد على «تويتر»، خطاب شرف كشف عن انشغاله الشديد الذي لم يجعله فقط لا ينزل إلى ميدان التحرير الذي جاء منه، بل جعله لا يشاهد حتى ما يدور فيه، واضح أنه كان يشاهد لقطات لما يحدث في التحرير فيسمع مطلبا أو مطلبين، ثم يقلب لمشاهدة فيلم كوميدي يستجم به من وعثاء السفر، وواضح أن مستشاريه كانوا معه في نفس الغرفة ودورهم الاستشاري انحصر في اختيار الفيلم، وإلا لكانوا أقنعوه بضرورة أن يجيب عن تساؤلات الناس حول تحديد المجلس العسكري لصلاحياته ورفضه أي تغييرات يطلبها، أو أن يعلق على مطلب ضرورة نقل مبارك من بُلهنيّة العيش التي يحياها في شرم الشيخ إلى حيث يجب أن يكون مكانه عدلا وقانونا، وحتى عندما تصور شرف أنه يقدم جميلا للثورة بإصدار قرار بإنهاء خدمة الضباط المتورطين في القتل، لم يقل له أحد مستشاريه إن الثوار وأهالي الشهداء لم يطلبوا ذلك القرار أصلا، وما طلبوه منذ شهور، ولا حياة لمن تنادي، كان إيقاف هؤلاء الضباط عن العمل، حتى يتم الفصل في قضاياهم لكي لا يستخدموا نفوذهم في التأثير على أهالي الشهداء والمصابين، وهو ما لو كان قد تم وقتها لكان قد خفف كثيرا من الاحتقان وطمأن الناس على حياد جهاز الشرطة في ملف شديد الخطورة كهذا، وهو ما لن يقارن بحجم الاحتقان الذي سيحدث إذا تم بطلان قرار شرف على يد القضاء الإداري كما يتوقع بعض القانونيين.
قرار شرف لم يرض أحدا لأن التأخر المميت في إصدار القرار رفع سقف مطالب البعض لكي يصبح إعدام مبارك والعادلي فورا في ميدان التحرير، وهو طلب لم يقله شخص غاضب لصديقه على القهوة، بل يقوله أناس يفترض بهم العقل والوعي على منصات التحرير، دون أن يدركوا أنهم بترديد هذا الطلب يسيئون إلى الثورة من حيث يتصورون الإحسان، منذ البدء كانت الثورة تطلب محاكمات عادلة لمبارك ورجاله تسير على مسار قانوني صحيح يتناسب مع جرائمهم السياسية البشعة التي يهون إلى جوارها القتل. وللأسف لا يدرك المشير طنطاوي أنه كلما تأخر في إصدار القرار بذلك مثلما تأخر قرار التعامل مع الضباط المتهمين بالقتل، يفتح الباب لمزيد من التصعيد الذي يخلقه التجاهل، وهو ما قد يؤدي إلى صدام مرير، لا قدر الله، ستكون أسوأ نتائجه ضياع فرصة تحقيق الديمقراطية التي خرج الملايين من أجل أن تشهدها هذه البلاد لأول مرة في حياتها، ولن تسامح الأجيال المقبلة كل من سعى لإهدار هذه الفرصة، سواء أكان ذلك من خلال تفكيره المحافظ العقيم، أو من خلال تفكيره الأهوج المنفلت.
كنت أسأل صديقا كاد يموت معي على كوبري الجلاء يوم 28 يناير عن أخبار الميدان، فقال لي بحماس مبهر: بعد ما حدث يوم الجمعة لا بد أن يسقط نظام يوليو الآن وفورا، لا بد أن نختار الجمعة القادمة في الميدان مجلسا رئاسيا وحكومة كفاءات وطنية، لكي يسقط حكم العسكر. وعندما سمع صوت صمتي، استغرب وظن أن الخط انقطع، لكنني قلت له إنني أحاول فقط أن أنتقي الشتيمة المناسبة التي لا تخدش قدسية كفاحنا الثوري معا، ثم قلت له إنه لو قرأ أي كتاب عما حدث في أعقاب ثورة يوليو، لعرف أن مثل هذه الأفكار التي تبدو طيبة هي التي يمكن ألا تجعل حكم العسكر يسقط إلى الأبد، وأن من يريد لنظام يوليو أن يسقط حقا عليه أن يدرك أن شرعية ثورة يناير لن تتجلى وتكتمل إلا عبر صناديق الانتخابات، وأن كل فشل أو تباطؤ أو تعثر في تحقيق مطالب الثورة، سواء كان عن حسن نية أو عن سوء نية، يجب أن يدفعنا إلى تقصير عمر فترة حكم المجلس العسكري وحكومته والإسراع في الذهاب إلى الديمقراطية التي قد يضيعها إلى الأبد خوف بعضنا منها، مع أن البشر لم يخترعوا حتى الآن نظاما أفضل منها قادرا على تلافي كل عيوبها عبر وسيلة سحرية اسمها تداول السلطة، ولا أدري كيف يقبل ثائر على نفسه أن يموت من أجل الناس، بينما هو يشك في قدرتهم على الاختيار وعلى حماية اختيارهم في لجان الانتخابات، مرددا بحسن نية مزاعم فارغة من نوعية أن الداخلية لن تترك الانتخابات تمر بسلام، وكأن التزوير قدر حتمي كتبه الله على المصريين، وهو نفس ما كان نظام مبارك يسعى لإقناع المصريين به.
يا ناس يا بشر ياهوه، العنوا سنسفيل ثوريتي المرتعشة إن أردتم، لكن أتوسل إليكم أن تقرؤوا كل كتب تاريخ الثورات وما أعقبها من فوضى وتخبط، لعلكم تدركون أن أمامنا فرصة ذهبية يمكن أن نحقق من خلالها تطهيرا شاملا لكل أجهزة الدولة، بلا استثناء مهما علا قدرها، ونضمن محاكمات حاسمة وعادلة لمبارك ورجاله عن فسادهم السياسي والمالي، ونحقق القصاص على كل من أمر بجرائم قتل المتظاهرين أو شارك فيها، وكل ذلك لن يأتي إلا عبر طريق وحيد اسمه صندوق الانتخابات.
أرجوكم لا تنتظروا السمنة من يد النملة
الركة على الفينيش
Monday, July 11, 2011 at 11:53am
من قال إن المشير طنطاوي لم يرد على مطالب «كمالة» الثورة التي شهدتها ميادين التحرير يوم 8 يوليو؟ أعتقد أنه كان واضحا في رده عليها، وفي اليوم التالي مباشرة وعلى مرحلتين: الأولى كانت عندما حلف الكاتب أسامة هيكل اليمين أمام المشير كوزير للإعلام، ليقضي على إنجاز صغير كانت الثورة قد فرحت به، وهو إلغاء منصب وزير الإعلام الذي يليق بنظام شمولي فاشل، لا بدولة ديمقراطية شهدت ثورة لتوها. الوزير الجديد يقول إن مهمته هيكلة الإعلام، دون أن يعلم حتى أصدقاؤه ما الخبرة التي يملكها في هذا المجال؟ إلا إذا كان قد تم اختياره للهيكلة على أساس أن اسمه هيكل، إذا ظننت أن هذا إفيه سمج، فدعني أذكرك أننا ربما نكتشف صحته بين عشية وضحاها، ألم يتضح مثلا أن الميزة الوحيدة للدكتور الجمل أنه صبور وراسخ؟
المرحلة الثانية للرد جاءت من خلال خطاب هزيل للدكتور عصام شرف كان ينقصه فقط أن ينظر الدكتور إلى الكاميرا ليقول «وماله ياخويا.. نشكل لجنة للعدالة الاجتماعية.. يارب ياخويا يارب» لكي يستحق عن جدارة لقب (الدكتور شديد) الذي منحه له بعض الذين يسلقون الناس بألسنة حداد على «تويتر»، خطاب شرف كشف عن انشغاله الشديد الذي لم يجعله فقط لا ينزل إلى ميدان التحرير الذي جاء منه، بل جعله لا يشاهد حتى ما يدور فيه، واضح أنه كان يشاهد لقطات لما يحدث في التحرير فيسمع مطلبا أو مطلبين، ثم يقلب لمشاهدة فيلم كوميدي يستجم به من وعثاء السفر، وواضح أن مستشاريه كانوا معه في نفس الغرفة ودورهم الاستشاري انحصر في اختيار الفيلم، وإلا لكانوا أقنعوه بضرورة أن يجيب عن تساؤلات الناس حول تحديد المجلس العسكري لصلاحياته ورفضه أي تغييرات يطلبها، أو أن يعلق على مطلب ضرورة نقل مبارك من بُلهنيّة العيش التي يحياها في شرم الشيخ إلى حيث يجب أن يكون مكانه عدلا وقانونا، وحتى عندما تصور شرف أنه يقدم جميلا للثورة بإصدار قرار بإنهاء خدمة الضباط المتورطين في القتل، لم يقل له أحد مستشاريه إن الثوار وأهالي الشهداء لم يطلبوا ذلك القرار أصلا، وما طلبوه منذ شهور، ولا حياة لمن تنادي، كان إيقاف هؤلاء الضباط عن العمل، حتى يتم الفصل في قضاياهم لكي لا يستخدموا نفوذهم في التأثير على أهالي الشهداء والمصابين، وهو ما لو كان قد تم وقتها لكان قد خفف كثيرا من الاحتقان وطمأن الناس على حياد جهاز الشرطة في ملف شديد الخطورة كهذا، وهو ما لن يقارن بحجم الاحتقان الذي سيحدث إذا تم بطلان قرار شرف على يد القضاء الإداري كما يتوقع بعض القانونيين.
قرار شرف لم يرض أحدا لأن التأخر المميت في إصدار القرار رفع سقف مطالب البعض لكي يصبح إعدام مبارك والعادلي فورا في ميدان التحرير، وهو طلب لم يقله شخص غاضب لصديقه على القهوة، بل يقوله أناس يفترض بهم العقل والوعي على منصات التحرير، دون أن يدركوا أنهم بترديد هذا الطلب يسيئون إلى الثورة من حيث يتصورون الإحسان، منذ البدء كانت الثورة تطلب محاكمات عادلة لمبارك ورجاله تسير على مسار قانوني صحيح يتناسب مع جرائمهم السياسية البشعة التي يهون إلى جوارها القتل. وللأسف لا يدرك المشير طنطاوي أنه كلما تأخر في إصدار القرار بذلك مثلما تأخر قرار التعامل مع الضباط المتهمين بالقتل، يفتح الباب لمزيد من التصعيد الذي يخلقه التجاهل، وهو ما قد يؤدي إلى صدام مرير، لا قدر الله، ستكون أسوأ نتائجه ضياع فرصة تحقيق الديمقراطية التي خرج الملايين من أجل أن تشهدها هذه البلاد لأول مرة في حياتها، ولن تسامح الأجيال المقبلة كل من سعى لإهدار هذه الفرصة، سواء أكان ذلك من خلال تفكيره المحافظ العقيم، أو من خلال تفكيره الأهوج المنفلت.
كنت أسأل صديقا كاد يموت معي على كوبري الجلاء يوم 28 يناير عن أخبار الميدان، فقال لي بحماس مبهر: بعد ما حدث يوم الجمعة لا بد أن يسقط نظام يوليو الآن وفورا، لا بد أن نختار الجمعة القادمة في الميدان مجلسا رئاسيا وحكومة كفاءات وطنية، لكي يسقط حكم العسكر. وعندما سمع صوت صمتي، استغرب وظن أن الخط انقطع، لكنني قلت له إنني أحاول فقط أن أنتقي الشتيمة المناسبة التي لا تخدش قدسية كفاحنا الثوري معا، ثم قلت له إنه لو قرأ أي كتاب عما حدث في أعقاب ثورة يوليو، لعرف أن مثل هذه الأفكار التي تبدو طيبة هي التي يمكن ألا تجعل حكم العسكر يسقط إلى الأبد، وأن من يريد لنظام يوليو أن يسقط حقا عليه أن يدرك أن شرعية ثورة يناير لن تتجلى وتكتمل إلا عبر صناديق الانتخابات، وأن كل فشل أو تباطؤ أو تعثر في تحقيق مطالب الثورة، سواء كان عن حسن نية أو عن سوء نية، يجب أن يدفعنا إلى تقصير عمر فترة حكم المجلس العسكري وحكومته والإسراع في الذهاب إلى الديمقراطية التي قد يضيعها إلى الأبد خوف بعضنا منها، مع أن البشر لم يخترعوا حتى الآن نظاما أفضل منها قادرا على تلافي كل عيوبها عبر وسيلة سحرية اسمها تداول السلطة، ولا أدري كيف يقبل ثائر على نفسه أن يموت من أجل الناس، بينما هو يشك في قدرتهم على الاختيار وعلى حماية اختيارهم في لجان الانتخابات، مرددا بحسن نية مزاعم فارغة من نوعية أن الداخلية لن تترك الانتخابات تمر بسلام، وكأن التزوير قدر حتمي كتبه الله على المصريين، وهو نفس ما كان نظام مبارك يسعى لإقناع المصريين به.
يا ناس يا بشر ياهوه، العنوا سنسفيل ثوريتي المرتعشة إن أردتم، لكن أتوسل إليكم أن تقرؤوا كل كتب تاريخ الثورات وما أعقبها من فوضى وتخبط، لعلكم تدركون أن أمامنا فرصة ذهبية يمكن أن نحقق من خلالها تطهيرا شاملا لكل أجهزة الدولة، بلا استثناء مهما علا قدرها، ونضمن محاكمات حاسمة وعادلة لمبارك ورجاله عن فسادهم السياسي والمالي، ونحقق القصاص على كل من أمر بجرائم قتل المتظاهرين أو شارك فيها، وكل ذلك لن يأتي إلا عبر طريق وحيد اسمه صندوق الانتخابات.
أرجوكم لا تنتظروا السمنة من يد النملة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق