وائل قنديل .. ملاهى الثورة


وائل قنديل
30 يوليو 2011 08:55:16 ص بتوقيت القاهرة
ملاهى الثورة

تبدو مصر فى هذه اللحظة مثل إشارة مرورة تعطلت فجأة، دون أن يكون هناك رجل مرور ينظم حركة العابرين، ويضبط حركة الشارع، والميدان.

كل الأطراف تتحرك مغمضة العينين، عن كل ما حولها إلا ما تراه فى مصلحتها المباشرة، ومن ثم يصبح طبيعيا أن تكون هناك احتكاكات ومصادمات، وأصوات عالية تدق الرؤوس بأحاديث متشنجة عن الصح والخطأ من وجهة نظر فئوية أو حزبية أو شخصية ضيقة.

إن كل شىء ظهر جيدا قبل أيام من الذهاب إلى ميدان التحرير أمس، وانعقدت مجالس وانفضت، ودارت مناقشات وتوقفت، بين جميع أطراف اللعبة السياسية، وانتهت إلى صيغة توافقية، تتضمن الحد الأدنى من الضمانات اللازمة لمرور جمعة الأمس بلا خسائر أو تلفيات فى عربة الثورة.

وقد كان كثيرون يبحثون عن وصفة تعايش تكفل مرور اليوم على خير، فراحوا يركزون على ما يمكن من خلاله الابتعاد عن نقاط التقاطع والتصادم، غير أن المسكوت عنه فى هذه المناقشات كان أخطر بكثير مما جرى الحديث عنه وبشأنه.

لكن ربع الساعة الأخير قبل الدخول إلى الميدان حمل الكثير من ملامح العودة إلى المصالح الضيقة، لهذا الفصيل أو ذاك، وكلما اقتربت الخطى من أرضية الميدان تباعد الكل عن نقطة الالتقاء، وتوارت صيغة التوافق والتعايش والتجاور، وحلت قيم التجاذب والتسابق والتخاطف.. وكأن الجميع عادوا سوفسطائيين على طريقة بروتاجوراس «ما يبدو لى على أنه حق فهو حق بالنسبة لى، وما يبدو لى على أنه باطل فهو باطل بالنسبة لى».

وعلى هذا النحو، غاب التوافق وحضر التراشق، وتوارت المبادئ العامة لأنها من الأصل تأسست على المواءمات والتوازنات، وهذا خطر ما يمكن أن يصيب مسيرة الثورة.. أن تقدم قيمة التعايش على عقيدة الشراكة، وأن ينسحب مفهوم المصير الواحد لصالح منطق تقاطع المصالح وتجاورها وتبادلها أيضا.

ومثل هذه المعانى يمكن أن تكون رائعة ونبيلة ومفيدة للغاية إذا كنا بصدد الحديث عن علاقات دول جوار، لكنها بالنسبة للعلاقة بين أبناء شعب واحد تبدو أمرا كارثيا، خصوصا بعد أن تصورنا أن ثورة يناير نجحت على مدار 18 يوما فى صهر الشخصية المصرية وإعادة تشكيلها مجددا فى قالب واحد.

إن التنوع مصدر ثراء فى كثير من الأحيان، لكنه يصبح خطرا محدقا عندما ينقلب إلى التشظى والتشرذم، ومن هنا انتقلت جمعة الأمس من كونها مناسبة لاستعادة حالة الوفاق والتوافق على المشتركات العامة، إلى فرصة للإعلان عن الأوزان والأحجام النسبية.

إن المشهد بدا أمس وكأن الجميع فى حلقة سباق عبثى بسيارات كهربائية فى واحدة من مدن الملاهى العملاقة.


هذا المحتوى من





Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق