بلال فضل .. ثورة تنقد ذاتها فتنقذها


بلال فضل
ثورة تنقد ذاتها فتنقذها
Saturday, July 30, 2011 at 10:16am

نحمد الله أن ما حدث من اعتداءات وحشية على المتظاهرين فى ميدان العباسية، اتخذ منها المجلس العسكرى موقفا مؤسفا، قد ارتد إيجابيا لمصلحة الثورة، بعد أن كان البعض يظن أنه سيضربها فى مقتل، لكننى أتمنى أن لا تشغلنا إدانة ما جرى يومها عن محاولة فهم ما جرى أصلا، لأن القراءة السليمة له أمر مهم لكل من يرغب فى فهم ما ستأتى به الفترة القادمة. عن نفسى عملت بنصيحة الكاتبة الكبيرة نجلاء بدير، وبحثت عن الشهادات، التى تمنت على من لم يحضر ما حدث أن يقرأها لكى يفهم ما جرى، وجدت على الفيسبوك شهادات كثيرة بعضها متضارب لكن جميعها مهم. وقد توقفت طويلا عند شهادة الناشط أحمد غربية شقيق الناشط عمرو غربية، الذى تم اختطافه بشكل وحشى، لا يصح أن يمر مرور الكرام فى مصر الثورة، لأنه لم يكن يحدث قبلها بهذه الفجاجة. كنت أتمنى أن أنشر الشهادة كاملة، لكننى اخترت مقتطفات منها، تنبع أهميتها فى رأيى من قدرة أحمد على أن يحتفظ وسط سخونة المعركة برؤية نقدية، لكى يثبت أن الثورة لا تعنى أبدا كما يظن البعض أن يلغى الإنسان عقله وقدرته على التفكير، وأتمنى أن تشجعك قراءة هذه المقتطفات على قراءة الشهادة كاملة على الفيسبوك.
يقول أحمد غربية «.. أنا أصر على وصف المهاجمين بأنهم أهالى المنطقة ورافض نظريات البلطجية، لأن همّ دول نفسهم الناس اللى احنا بنرفض نسميهم بلطجية، أما الجيش يقول عليهم كدا، وهمّ الناس اللى بينزلوا فى اللجان الشعبية يدافعوا عن مناطقهم ضد الغرباء. اللى حصل فى العباسية كان خناقة نفوذ على مناطق، زى اللى بتحصل طول الوقت فى أحياء القاهرة الشعبية بين وافدين على منطقة غير منطقتهم وأهالى المنطقة اللى مش عاجبهم وجود الوافدين. فى حالتنا أكيد إن الأهالى تأثروا بالحشد اللى عمله الجيش ضدنا، سواء بالبيان 70 اللى أصدره المجلس بعد مسيرة اليوم السابق يشكر «مواطنين شرفاء وأدوا الفتنة» فى مواجهة آخرين-نحن- مفهوم ضمنا أنهم غير شرفاء، وربما باتصال مباشر مع ضباط شجعوهم على أنهم «يدافعوا عن منطقتهم» زى ما سمعنا، وغالبا همّ مش فاهمين الهدف من المسيرة، واحتمال كبير يكونوا مش عاجبهم نداءات محاسبة المجلس الأعلى والضغط عليه زى فئة كبيرة من المصريين. كل دا غير مستبعد وبنسمع من الناس العاديين فى الشوارع ما يدل على أنه وارد وحاصل.
الشباب فى ثلاثيناتهم اللى قبضوا على أخويا عمرو فى أثناء خروجه وكانوا مقتنعين تماما أنه «جاسوس من 6 أبريل» زى ما الجيش أعلن، تدرب فى الخارج ويتلقى تمويلا، وزادوا من عندهم على التهمة حيازة «بودرة» و«إلقاء متفجرات على جامع النور» وهمّ بيحكوا للضباط، كانوا همّ كمان مواطنين شرفاء مقتنعين باللى بيعملوه. فيه ناس منّا مصرين يفسروا اللى حصل على أنه مؤامرة استخدم فيها بلطجية مأجورون، لكنى شايف دى ضلالات، إما هم مش فاهمين ديناميكيات خناقات الشوارع فى المناطق الشعبية، أو مصرين يتجاهلوها زى ما حصل فى وقائع كتيرة خلال اليوم، ويفسروها تفسيرات ثورية ونضالية لأنه أريح لهم وحكاية ثورة مسلية، أو يمكن ماحضروش معارك مهمة قبل كدا ولها مغزى فحبوا يعملوا لهم تاريخ. «البلطجى» فى النهاية هو شاب فتوة خشن مستعد للدفاع بعنف عن الحاجة اللى تهمه أو موقف معتقد بصحته. زى سامبو.
فى المقابل بعض من كانوا فى صفوف المتظاهرين كان يتصرف بطريقة الدكر الجامد اللى مش عاوز يبطل خناق علشان ما حدّش يبقى علّم عليه. واحد منهم أما زعقت له إننا مش جايين نتخانق مع الناس فى منطقتهم، إنما جايين مظاهرة ضد المجلس العسكرى رد الرد التقليدى بتاع أى خناقة شوارع «همّ اللى بدؤوا.. أسيبهم يقولوا على مرة!».. واحد غيره اشتبكت معه فى نقاش عنيف ومع أنه كان فاهم «أننا اتجرينا للمعركة علشان يوقعوا بينا وبين الأهالى ويشغلونا عن هدفنا» لكنه كان مصمما على مواصلة المعركة! ومش شايف مناص منها. عارف إنه بيتورط ورافض يتصرف بذكاء. ولاحقا أما سخنت المعركة أكتر كان بعضهم بييجى يستنهض الرجال علشان يطلعوا يحاربوا ويشتم الواقفين الرافضين يشتركوا فى المعركة. فى الوقت دا عرفنا بوجود مخرج عبر مستشفى كلية الطب. ساعتها مشيت. أنا ما كنتش طايق المعركة دى ولا دعاتها المتحمسين، لأنها عبثية مالهاش أى سبب ولا يمكن نطلع من وراها بأى مكاسب. وكان رأيى أن غير الموافقين عليها لازم ينسحبوا لأن وجودهم يعطى شرعية لمثيرى الحرب، ويحسسهم بأنهم يدافعون عن بقية الناس اللى ورا دول «علشان ما نندبحش».
أغلب معارفى كان رأيهم أنها عبثية، لكن بعضهم كان حاسس بتأنيب ضمير أنهم يتركوا معارفنا الباقيين اللى كان مستحيل نجمعهم كلهم، أو يتركوا شباب المسيرة اللى تورطوا فى المعركة يواجهون مصيرهم لوحدهم، وبعضهم فعلا كان حاسس بالواجب فى الدفاع.. عن إيه! ماعرفش!! ماكنّاش مضطرين للمعركة، وتانى: مافيش منها أى مكاسب، ومش ممكن ننتصر نصرا واضحا غير أننا نكون «علّمنا على الأهالى» قبل ما ننسحب برضه فى النهاية، ونكون عملنا معهم تار. لو كان أغلب الناس الرافضين المعركة العبثية انسحبوا زى ما كان مفروض، كانت القلة الباقية من هواة المعارك هتلاقى نفسها وحدها بلا متفرجين يشهدوا بطولاتهم الوهمية وتخويناتهم للباقيين.. أغلبنا كنا شايفين إننا بنتورط فى معركة غير هدفنا، لكننا عجزنا عن تصحيح المسار ﻷن أقلية سيطرت بأفعالها. دعاية الجيش المضادة بالتخوين والعمالة لا تختلف بتاتا فى نوعها ولا أثرها على بعض الناس عن خطاب بقية نظام مبارك. واضح لى تماما أن قيادة الجيش مستعدة تضع بينا وبينها مدنيين، ومستعدين يتفرجوا علينا واحنا بنتخانق مع بعض فى ما يشبه الحرب الأهلية.. عادى جدا، طالما دا هيخليهم همّ المسيطرين على الموقف».
اقرأوا شهادة أحمد غربية على الفيسبوك، فهى تستحق القراءة والمناقشة.


هذا المحتوى من





Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق