إبراهيم عيسى .. حراس الثورة

إبراهيم عيسى
حراس الثورة
Wednesday, July 13, 2011 at 10:22am

الذين يتظاهرون أو يعتصمون في ميدان التحرير الآن هم حراس الثورة، هم حماتها وحراسها فضلا عن أنهم أصحابها الحقيقون الذين دعوا إليها ونظموا صفوفها ورابطوا في ميدان التحرير وكل ميادين مصر حتى سقط رأس النظام، صحيح أنها ثورة الشعب المصري لكن هناك من يملك الثورة وهو الشعب وهناك من يحرسها وهم معتصمو التحرير الذين دعوا لمليونية الثامن من يوليو، وليسوا هؤلاء المثبطين المناورين الذين التحقوا بآخر عربة في القطار قبل أن يمضي خارج المحطة!

الحراس لا ينامون وينام الناس، لا يغفلون ويغفو ويتغافل الناس، الحراس لا يصيّفون ويصيّف الناس!

يمكن للثورات أن تتعطل ويمكن أن تجهض بل وربما تفشل وتتحول انقلابا عسكريا أو حكما استبداديا، ويسرد لنا الباحث النابه خليل العناني تاريخ ثورات انكسرت بعدما انتصرت، فليس ضروريا كما يروي أن تفضي الثورة إلى إقامة نظام ديمقراطي، بل قد يحدث العكس وتقع البلدان الثائرة في براثن الحكم السلطوي مجددا. وهو ما حدث في روسيا بعد الثورة البلشفية (1917) التي جاءت بالشيوعيين إلى السلطة واستمروا فيها حتى أوائل التسعينيات من القرن الماضي، والثورة المكسيكية (1910) التي أعطت السلطة لحزب واحد هو «الحزب الثوري المؤسسي» الذي حكم المكسيك ثلاثة أرباع القرن الماضي (من عام 1929 حتى عام 2000)، والثورة الإيرانية (1979) التي استبدلت بسلطوية الشاه سلطوية «العمائم»، ومثلما كان الحال في كثير من البلدان العربية والإفريقية التي شهدت ثورات تحررية طيلة النصف الثاني من القرن العشرين وأنتجت أسوأ النظم سلطويةً طيلة القرنين الماضيين. ولعل أحدث هذه النماذج -كما يضيف- هو ما وقع في جورجيا وأوكرانيا وقيرغيزستان خلال العقد الماضي.

وبقراءته لدراسة حديثة حول حالات التحول الديمقراطي في العالم بين عامي 1955 و2007 (نحو 115 حالة في 85 دولة)، يحكي أن هناك 43 حالة فقط شهدت سقوط النظام السابق، وفي 70 حالة استجابت الأنظمة القائمة لمطالب المعارضة ودخلت معها في مفاوضات من أجل المشاركة في السلطة، في حين شهدت سبع وأربعون حالة عملية تسليم للسلطة من النخبة القديمة إلى النظام الجديد. لكن ما يجرحنا به خليل العناني أنه طبقا لما تقف عنده هذه الدراسة فإنه في نحو إحدى وثلاثين حالة نجحت القوى القديمة في استعادة السلطة بعد سقوط النظام القديم، في حين نجحت عشرون دولة فقط في الانتقال إلى الديمقراطية بعد سنوات من التعثر والعودة إلى السلطوية.

أليس هذا كافيا كي تذهبوا لتحية حراس الثورة من معتصمي التحرير؟ هذا إذا لم تنضموا إليهم!

وحتى تجرى انتخابات برلمانية يفوز فيها من يختاره الشعب عبر صناديق انتخابات حرة ونزيهة فإن ممثلي الشعب هم الذين يخرجون في مظاهرات ويعتصمون في الميادين، صوتهم في أيام الثورة هو الصوت الانتخابي المرجح، هو صوت الجماهير الذي يجب أن نسمعه ونطيعه.

هذا أولا..

أما ثانيا، ففي فترات الثورات حيث لا مجالس منتخبة ولا مؤسسات تمثيلية للشعب فالثابت أن من يمنح الشرعية هو الثورة وممثلوها، ومن ثم فأصحاب الشرعية هم متظاهرو الميادين ومعتصموها لا أي ضيف في برنامج تليفزيوني أو مسؤول تنفيذي يجلس على مكتب، أو جنرال مهمته الحماية وتنفيذ مطالب الشعب، أو حزب يعرض نفسه على الناس طلبا لأصواتهم في تصويتهم. لقد منح الثوار الشرعية للمجلس العسكري كي يدير شؤون البلاد كما منحوا عصام شرف هذه الشرعية، والآن فإن الميدان لم يسحب شرعية المجلس بل لا يزال متمسكا بها، ولكن في حدود التفويض الممنوح لإدارة البلاد عبر الالتزام بتحقيق مطالب الشعب بطريقة الثورة لا بطريقة المجلس العسكري، لكن الثوار سحبوا نهائيا شرعية عصام شرف رغم حبهم لشخصه واحترامهم لمكانته، لكنهم لم يمنحوه أبدا شرعية أبدية ولا شيكا على بياض، بل شرعية مشروطة بالأداء الكفء والتعبير الحقيقي عن ثورتهم، وها هم يسحبونها منه، ومن ثم فإن إصرار عصام شرف على البقاء على مقعده رغم سحب شرعيته من الميدان هو عمل ضد الشرعية تماما، فلا شرعية له ولا لحكومته حتى لو تمسك به المجلس العسكري، بل إن إصرار المجلس على الإبقاء على شرف بعد مطالب الميدان بإقالته إجراء يخالف الشرعية بوضوح!

إن الأيام المئة المقبلة هي أخطر فترة تمر على الثورة، بل على مستقبل مصر، ولا يمكن أن يبقى على مقعد المسؤولية فيها شخص بلا شرعية

هذا المحتوى من

 

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق