فهمي هويدي .. لمصر لا للعسكر

فهمي هويدي
10 يوليو 2011 08:33:32 ص بتوقيت القاهرة
لمصر لا للعسكر

لدى اعتراض على الهجوم على المجلس العسكرى وأكثر من اعتراض على مداهنته، والهجوم الذى أعنيه هو مطالبة المجلس بالرحيل ورئيسه بالاستقالة. وهو من قبيل الدعوات التى إذا أطلقت فى غمرة الحماس والانفعال فقد تكون من قبيل الرعونة والطيش، وإذا أطلقت عن قصد ووعى فإنها تدعونا إلى إساءة الظن بالقائلين، خصوصا إذا لم يقدموا لنا بديلا أفضل يقنعنا ويطمئننا. وما لم يحدث ذلك فلست أشك فى أن مثل هذه الدعوات إذا لم تكن صادرة عن عناصر الثورة المضادة، فإنها تقدم هدية مجانية لتلك العناصر.

وفى حدود علمى فإن فكرة تخلى الجيش وخروجه من المشهد طرحت فى دوائر قيادة القوات المسلحة، كما وجه المجلس العسكرى رسالة أو أكثر إلى من يهمه الأمر تنبه إلى ذلك الاحتمال، عندما صدرت الأوامر بانسحاب الجيش من الميدان فى تلويح باحتمال انسحابه من المشهد فى مجمله والعودة إلى الثكنات، إلا أن الحرص على حماية الثورة وتأمينها كان العنصر الذى رجح استبعاد أمثال تلك الخيارات.

ولئن دعوت إلى ضرورة الحفاظ على المجلس العسكرى واستمرار قيادته لاستكمال دور الجيش فى الحفاظ على الثورة والانحياز إلى أهدافها، فإننى لا أرى غضاضة فى نقد الآراء التى تصدر عن أعضاء المجلس، بل أزعم أن ذلك النقد من الضرورة بمكان. ليس فقط لأن بعضها يستحق المراجعة والتصويب، وإنما أيضا لكى لا يتصور أحد من أولئك الأعضاء بأنه فوق النقد، وهو داء يصيب بعض أهل السلطة فى مصر التى لم تعان من الفراعين فحسب، وإنما عانت أيضا من الذين تخصصوا فى صناعة الفراعين وتأليه ذوى السلطان.

فى هذا الصدد فإننى لم أسترح مثلا إلى تشديد أحد كبار أعضاء المجلس العسكرى فى اجتماع عقد مع رؤساء الأحزاب فى الأسبوع الماضى على أننا «لن نسمح» بكذا وكذا، وإذ استخدم المتحدث هذه العبارة ثلاث مرات، فإن ذلك أعطى انطباعا سلبيا لدى الحاضرين، الذين اشتموا فى لغة الحديث رائحة الدور الوصائى الذى ضقنا به ذرعا فى ظل النظام السابق.

مداهنة المجلس فلها أكثر من شاهد، ذلك أن بعض ممثلى الأحزاب الوليدة العاجزة حين يدعون إلى الالتقاء مع ممثلى المجلس، بحسبانهم ضمن «القوى السياسية» فإنهم يلجأون إلى تعزيز مواقعهم من خلال المداهنة وكيل المديح للقوات المسلحة الباسلة وقيادتها الرشيدة التى أخرجت مصر من ضيق الاستبداد إلى فضاء الحرية.. إلخ. وهى ذات المدرسة القديمة التى تعول على رضا السلطة لتعوض الغياب فى الشارع.

لن نتوقف أمام هذا الأسلوب لأن الفجاجة فيه واضحة ومكشوفة. لكن هناك موقفا آخر تبدو فيه المداهنة مجرد احتمال، وربما كان الدافع إليه سوء التقدير والخطأ فى قراءة الخرائط السياسية. أعنى بذلك تلك الفكرة التى أطلقها البعض فى الفضاء المصرى داعين إلى النص فى الدستور على موقع خاص للقوات المسلحة فى الدفاع عن الشرعية والمجتمع المدنى، أسوة بما كان عليه الحال فى تركيا. وذلك تشبيه مع الفرق الكبير، لأن الجيش التركى كان قد حمى البلد ضد هجوم الدول المنتصرة فى الحرب العالمية الأولى وألغى الخلافة العثمانية فى عشرينيات القرن الماضى، ثم أقام نظاما علمانيا تحت وصايته، وأجرى ثلاثة انقلابات عسكرية باسم تلك الوصاية، كان آخرها انقلاب عام 1980، الذى أصدر قادته الدستور الذى يحاولون التخلص منه وتغييره الآن، لإقامة الجمهورية الديمقراطية بديلا عن الجمهورية الكمالية «نسبة إلى كمال أتاتورك».

إن وضع الجيش فى تركيا باعتباره وصيا على البلاد ورقيبا على السياسة فيها، لا يكاد يقارن بوضع الجيش فى مصر. ثم إنهم هناك يحاربون منذ نحو 40 سنة لإزالة آثار عدوان الجيش على السلطة والمجتمع حتى أوشكوا على إخراجه من المشهد السياسى، فى حين أن البعض منا يدعو إلى إشراكه فى المشهد، ومن ثم اللحاق بالمرحلة التى رفضتها النخبة الديمقراطية منذ أربعة عقود.

إذا جاز لنا أن نتصارح أكثر فإننى لا أتردد فى القول بأن تلك الدعوة التى أطلقت فى مصر لإضفاء وضع خاص للجيش فى الدستور. تمثل إهانة وسحبا للثقة من الشعب المصرى الذى هو المنوط به الدفاع عن الدستور والمجتمع المدنى، فى حين أن الجيش مهمته الدفاع عن حدود الوطن ضد أى خطر يهدده.

إننا ندعو المزايدين إلى الامتناع عن الاستمرار فى استدعاء الجيش أو مداهنته، راجين منهم أن يظل ولاؤهم لمصر وشعبها لا للعسكر.



Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق