بلال فضل .. البويسترو

 بلال فضل
البويسترو
Tuesday, August 9, 2011 at 11:06am

جاءتنى هذه الرسالة المهمة التى تمتلئ بتفاصيل علمية مدهشة ستغير تاريخ علم الأحياء المائية إلى الأبد، أرسلها إليّ القارئ الكريم إبراهيم خيرى الذى يحدثنا عن تقرير علمى قرأه عن عالم يابانى سيكتب تاريخ علوم البحار اسمه بأحرف من ماء الذهب فور انتشار هذه الرسالة.

«هل سمعت يوما عن حيوان (البويسترو). فى الحقيقة حيوان (البويسترو) من أغرب وأخطر الكائنات الحية, بل وأندرها كونه يعيش فى

أعمق أعماق المحيط الهادى. فلا يعرفه جيدا إلا الغواصون الذين يغوصون إلى هذا العمق الكبير. يقول الغواص اليابانى الكبير (ميهاربا يريخ) واصفا هذا الكائن النادر: «لم أر فى حياتى لهذا الكائن مثيلا من قبل، فمن الصعب رؤيته وسط هذا الكم الهائل من الإفرازات السامة كريهة الرائحة التى يفرزها. يبدو ضخما نظرا لكم الافرازات التى يخرجها والتى تضر بالكائنات البحرية المسكينة التى تعيش معه فى هذا العمق.حتى الكائنات البحرية التى نعدها قوية مثل الحوت والقرش والإخطبوط تخشاه وتتجنب مواجهته. لقد حاولنا تصويره أكثر من مرة ولكن هذه الإفرازات تعوق تصويره مثلما تعوق رؤيته...».

يستطرد (ميهاربا) حديثه راويا لنا قصة مثيرة: «ذات مرة قررنا ان نخترق هذه الافرازات لنرى هذا الكائن عن قرب.فوجدناه كائنا صغيرا هزيلا مصدر قوته الوحيد هو هذه الإفرازات. كان لديه غدة كبيرة يبدو أنها الغدة الرئيسية حيث أنها تفرز أكبر كم من هذه الافرازات، بل وتتحكم فى هذه الغدد الصغيرة المنتشرة فى جميع أجزاء الجسم. كنا قد سئمنا هذا الكائن وبات من المستحيل تحمل وجوده أكئر من ذلك ليس فقط لأنه يمنعنا من أداء مهمتنا ولكن لأنه يمنع هذه الكائنات المسكينة من ممارسة حياتها بصورة طبيعية، لذلك قررنا القضاء عليه وقمنا بقطع هذه الغدة الرئيسية... لا أستطيع أن أصف لكم كم السعادة التى شعرنا بها، بل والتى أيضا انتشرت حولنا والكلام مازال على لسان (ميهاربا) لقد قمنا بتصوير فرحة الكائنات حولنا بتخلصنا من البويسترو، والفيديو موجود على اليوتيوب باسم (جوى ان ذا ووتر أفتر بويسترو كيلد) تستطيعون مشاهدته. فبعد قطع الغدة الرئيسية قلت الإفرازات التى يصدرها البويسترو بصورة كبيرة. ولذلك احتفلنا مع الكائنات التى كانت تتضرر من إفرازاته المؤذية بهذه  المعجزة التى حققناها. ولكن سرعان ما فوجئنا بكم إفرازات هائل يخرج من (البويسترو). اقتربنا ثانية منه لنعرف ما الأمر، فوجدنا ان الغدد الصغيرة المنتشرة فى اجزاء الجسم قد نمت وزاد افرازها بصورة ملحوظة. التفسير العلمى لهذه الظاهرة يسمى بسلاح المقاومة المضاد

وهو أن تلك الغدد ما إن شعرن بانهيار الغدة الرئيسية حتى أدركن أنهن فى خطر؛ فبدأن فى زيادة إفرازاتهن الكريهة. تحول الموقف بصورة سريعة من السعادة الى كآبة وتحولت نظرات الامتنان والشكر التى كانت فى أعين الكائنات المحيطة الى لوم وعتاب بل ووصلت الى غضب وسخط لأننا أقدمنا على هذه الخطوة التى زادت الخطر بدلا من القضاء عليه». يستكمل (ميهاربا) حديثه وقد ظهرت عليه الجدية: «لكننا أدركنا سريعا خطأنا.كان يجب علينا ألا نكتفى بقطع الغدة الرئيسية ولكن كان يجب علينا القضاء على كل هذه الغدد المنتشرة فى جسم (البويسترو).وبالفعل قمنا بذلك وانتهى خطر (البويسترو) للأبد».
انتهى حديث (ميهاربا). ولقد لاحظت وانا اقرأ هذا التقرير ولعلك لاحظت ذلك أيضا التشابه بين (البويسترو) والنظام السابق الفاسد. والتشابه بين ما قام به (ميهاربا) وطاقمه والثورة العظيمة التى قام بها الشعب المصرى. فلقد كان هدف الثورة النبيل هو إسقاط النظام الفاسد بأكمله والقضاء على الفساد بكافة صوره. وقد نجحنا فى قطع الغدة الكبيرة متمثلة فى الرئيس المخلوع وأغلب رموز حكمه، وبدأنا نشعبانفراجة. ولكن سرعان ما ما ظهر المزيد من الفاسدين المفسدين أتباع الغدة الكبيرة، الذين استعانوا بسلاح المقاومة المضادة أو ما يسمى بالثورة المضادة وأخذوا ينشرون بين الناس أن الثورة قد أضرت بالبلاد وأكثرت من الفساد، وبالفعل بدأ بعض ضعاف النفوس يتهمون الثورة فى كل سلبية تحدث على أرض الواقع، ناسبين إليها كل ما يفعله هؤلاء الذيول. متناسين ما كانت مصر تعانيه أيام النظام السابق الفاسد. وصار الشعار الرسمى بين ضعاف النفوس «البلد باظت»، قال يعنى هى كانت قبل كدة ميت فل وأربعتاشر وبعدين ما تبصوا شوفوا مين اللى بيبوظها ومين من مصلحته أنها تبوظ فى الوقت دا بالذات، والكلام السابق على لسان العبد لله؛ فإذا أردنا حماية ثورتنا فعلينا التخلص من هؤلاء الفاسدين الذين ظنوا أنفسهم أقوى من الحق.وأن الثورة لم ولن تستطيع إسقاطهم. وعلينا أن نفعل كما فعل (ميهاربا) ورفاقه ونقوم بثورة ثانية للقضاء على هؤلاء الغدد التابعة وفسادهم الكريه.

 بقى أن تعرف شيئا آخر عن (البويسترو) وهو أنه لا يوجد كائن بهذا الاسم. فهو من خيال الغواص اليابانى (ميهاربا)، أما الغواص (ميهاربا) نفسه فهو من خياالكاتب الفقير إلى الله محسوبك إبراهيم خيرى، ولعلك تلاحظ العلاقة بين الأسمين (م ى ه ا ر ب ا) و( ا ب ر ا ه ى م ). وقد أفشيت هذا السر للأمانة العلمية والأدبية فقط.على أمل ألا يجعلك ذلك تتوقف عن التفكير فى السؤال الذى يشغلنى دائما ودفعنى لإختراع هذا الكائن البحرى، وهو:هل ندرك حقا أننا لن نتقدم إلا بعد القضاء تماما
على (البويسترو)؟

هذا المحتوى من

 

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق