نوارة نجم .. محاكمة المخلوع

نوارة نجم
محاكمة المخلوع
Thursday, August 4, 2011 at 11:08am

لا إله إلا الله، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده.

لسبب مجهول، بمجرد أن علمت بخبر نقل المخلوع إلى القاهرة فجر يوم محاكمته 3 أغسطس، تذكرت جزءا من قصيدة والدى الشاعر أحمد فؤاد نجم «حارتنا»، يقول المقطع «يا حوش آدم يا دارنا، يا ساكن حضن جارنا، سيدنا الحسين تبارك، شهيد الإنسانية، مدد سيدنا وشهيدنا، يا غايب ومواعدنا، يكون عيدك وعيدنا يوم طلعة شمس جاية». وظللت أغنى هذا المقطع وأنا لا أعلم سر بزوغه من عمق الذاكرة حتى استقر على صفحة لسانى.

فى أثناء متابعة المحاكمة أصابتنى حالة من الوجد الصوفى وتذكرت المقولة الصوفية: الله هو العدل، فإذا رأيت العدل فقد رأيت ربك.. الله هو الحق، فإذا رأيت الحق فقد رأيت ربك. تداعت إلى ذاكرتى صور الشهداء الذين قضوا فى زنازين التعذيب منذ الثمانينيات، ثم الذين قتلوا فى الطرقات فى التسعينيات، وكتبت وقتها الصحف فى عناوينها «مقتل ثلاثة إرهابيين ورفع بصمات الجثث وفتح التحقيق»! ثم بيع مشروع المقاومة الفلسطينية عبر اتفاقية أوسلو التى كان للمخلوع نصيب الأسد فيها، ثم توحش الشرطة التى صمتنا على تعذيبها لمن يدعون بـ«الإرهابيين» حتى دارت كالمسعور تنهش أجساد المصريين فى الشارع وتزهق أرواحهم، وينشر الخبر ملحقا بجملة مستفزة «وسط ذهول المارة»، ثم دعم إسرائيل بغازنا بينما تبحث الأمهات عن طعام لأطفالهن فى مستودعات القمامة، ثم شهداء القطارات، ثم شهداء العبارة، ثم شهداء السرطان، ثم شهداء العراق التى باعها المخلوع وتقاضى ثمنها وأخزانا ونكّس رؤوسنا، ثم أطفال لبنان الذين منحهم المخلوع فى عام 2006 لقب «البتاع ده» حين قال «دى خسارة كبيرة، خسارة كبيرة لإسرائيل وخسارة كبيرة للبتاع ده»، ثم الشهداء من أطفال غزة، ثم شهداء المحلة، وضحايا القرصاية، وشهداء تفجيرات الحسين وطابا وشرم الشيخ وكنيسة القديسين التى ظهر أنه مسؤول عنها، وأخيرا... شهداء الثورة المصرية.

هنا تبينت لى الآلية التى عمل بها عقلى فأخرج المقطع المذكور من القصيدة ليطفو على السطح. حقا، لقد رأيت بأم عينى على كوبرى 15 مايو مشهدا حسينيا بامتياز، شباب كالأقمار يصطفون، يمسك الواحد منهم بيد الآخر، يسيرون فى ثقة نحو المدرعات، لا يرهبهم طلق الرصاص، وإذا وقع شهيد منهم، لم ينظر أخوه إليه، ولم يتراجع، بل يسرع فى التقدم نحو الرصاص، حتى يلحق بربه فيستمر من عاش فى الركض نحو الرصاص. ثم أخرجت لى الذاكرة مقطعا جديدا من قصيدة أخرى لوالدى «أصل الحكاية ولد فارس ولا زيّه، خد من بلال ندهته ومن النبى ضيه، ومن الحسين وقفته فى محنته وزيه، قدم شبابه فدا والحق له عارفين». صفات تنطبق على كل شهيد قدمته الثورة المصرية الباسلة.

اليوم يجلس الفرعون على سرير وثير فى زنزانة مكيفة، يجد من ولده من يحول بينه وبين كاميرات التصوير، وقد صبغ شعره بصبغة كالحة السواد كأيام سقانا إياها، ويجد من يدافع عنه أمام محكمة مدنية.. فرصة منحها الشعب له حين قدر عليه، ولم يمنحها هو لغيره ممن قدمهم لمحاكمات عسكرية، وصادر أموالهم، ونكل بهم حين قدر علينا، «والندل لما احتكم يقدر ولا يعفيش».

اليوم، يرضى الشعب المصرى المهذب المؤدب المتحضر، من القاضى بأن ينقل مبارك إلى مستشفى المركز الطبى العالمى، لأن مستشفى طرة الذى أسسه بنفسه لا يصلح للاستخدام الآدمى.

اليوم، يرضى الشعب المصرى الصبور الباسم الحليم، من المجلس العسكرى بتوفير ظروف محاكمة عادلة، لأنه شعب ذاق الظلم، وعلم مرارته حتى لم يعد يقبله ولو على من ظلمه.

اليوم، ولأول مرة فى التاريخ، لا يستطيع الفرعون أن يستخف القوم، ولم ولن يطيعوه.

اليوم نرى طرفا من العدل. اليوم نظر الله إلينا، وجاء عيدنا بعد صبر طويل.

ارفع راسك فوق.. أنت مصرى.

هذا المحتوى من

 

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق