حسن نافعة .. هيئة قضايا الدولة بين الواقع والمأمول

هيئة قضايا الدولة بين الواقع والمأمول
حسن نافعة
Wed, 27/04/2011 - 08:00
«السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الصورة التى طرحتموها فى زاويتكم بجريدة (المصرى اليوم) - بتاريخ 21 أبريل - تحت عنوان (التقرير والوزير والقاضى).. تُنبئ عن فساد أكيد، وهى تلحق بالدولة ضرراً أدبياً بالغ الخطورة، يُفقِد ثقة الشعب فى القضاء ويهدم كيان الدولة.. ومن هنا نجد أن كثيراً من الدول المتحضرة تقتضى أن تتلقى سلطة الدفاع القضائى هذا الخبر، لتفحصه وتمنع مثل هذا القاضى من نظر الدعوى عند ثبوت جدية البلاغ، أو تعلن عدم جدية البلاغ وتؤكد ثقة الجمهور فى القضاء.
أما فى مصر فبعض القضاة يستهويهم الاستمرار فى التشرنق فى حرير عقدة (سيد قراره)، مثلهم مثل مجلس الشعب السابق، ولعل ذلك يفسر سبب العداء المستمر الذى يشنه بعض القضاة على هيئة قضايا الدولة، باعتبارها سلطة الدفاع القضائى فى مصر، فنراهم يحرصون دائما على وصف الهيئة بأنها وكيل عن نظام الحكم، فقد يرجع ذلك العداء لكونهم يعلمون أن حماية الدولة ضد هذا النوع من الفساد إنما هو مُسنَد فى النُظم المقارنة لقاضى المظالم وللأمبودسمان، وهما أرقى وأبرز نظامين فى العالم وفى التاريخ للدفاع القضائى عن الدولة، وهما يستقلان عن الحكومة وعن القضاء، ويمنعان فساد الحكومة وفساد القضاة، وهما أقوى نفوذاً من الحكومة ومن القضاة.. ومن ثَم فإن نجاح القضاة فى تحجيم هيئة قضايا الدولة فى دور الوكيل عن نظام الحكم يعنى إضعاف الهيئة، ويعنى استبعاد مجرد الخاطر فى أن يسند إليها ما هو مسند لقاضى المظالم أو للأمبودسمان، وهو ما يضمن لهم الاستمرار فى الالتحاف بحرير شرنقة سيد قراره. ولكن هذا التحجيم أدى إلى إقصاء الهيئة عن دورها فى حماية الدولة (وليس الحكومة)، فتسبب القضاة، دون قصد، فى تمكين النظام من نهب أموال الدولة، فالمال السائب «بعد إقصاء من يحميه» علّم الجميع أن يسرقوه.
وهيئة قضايا الدولة وأعضاؤها منذ القانون 10/1986 وهى تطالب بتصحيح مفهوم الدفاع عن الدولة، ولكن آخرين استغلوا العداء الطبيعى بين نظام الحكم والوظيفة الحقيقية لسلطة الدفاع، فتوافقوا معه فى العداء، ونادوا بالاغتيال المعنوى للهيئة بوصفها وكيلاً عن الحكومة، وقد رأيت سيادتك كيف حرص أحد شيوخ القضاة على التعقيب على العنوان الصحيح الذى اخترتموه (فضفضة قاض) زاعماً أن هذه الفضفضة ليست صادرة عن قاض ولكن عن محام، وليته كان يقصد بالمحامى هذا المعنى العظيم فى العلم.. المتمكن فى الإنشاء والابتكار.. المعلم لكل من يعمل فى المجال القضائى، ولكنه يقصد تحجيم الهيئة فى وصف الوكالة عن الحكومة.. وهى صفة لا تجدى شيئاً فى الدفاع عن الدولة، فليس بغزارة علم المحامى تتم حماية الدولة، ولكن لا يحميها إلا وازع السلطان المفعم بالعلم والعدل.. فمن الظلم أن يوصف المدافع عن الدولة بأنه قاض.. إذ لا يستطيع القاضى هذه الحماية، ولكن لابد أن يكون سلطة قضائية.. أى يجمع بين القضاء والسلطة.
لو كان هؤلاء يقصدون غير مصالحهم الشخصية من عدائهم لهيئة قضايا الدولة بتحجيمهم لها فى صورة الوكيل عن الحكومة، لسأل كل منهم نفسه: إذا كانت هذه الهيئة وكيلاً عن الحكومة، فأين حق الدفاع عن الدولة؟!! ولبادروا (على فرض صحة زعمهم) بالمطالبة بتصحيح مسار العمل فى الهيئة، بحيث تصير سلطة دفاع قضائى قادرة على حماية الدولة حماية فاعلة وناجزة.. خاصة أنه لا يوجد فى الواقع شىء اسمه الدفاع عن الحكومة، لأن الحكومة ما هى إلا تابع للدولة، وتصرفاتها تنصرف مباشرة إلى ذمة الدولة، فليس لنظام الحكم شخصية قانونية أو ذمة مالية حتى يسوغ القول بأنه (أو الحكومة) فى حاجة للدفاع عنه.
إذن ، الرد الحقيقى الذى تطلبه سيادتك لن تجده إلا إذا ظهر الثائر الحق الذى يهدأ عضويا ليثور فكريا ويرفض أن يكون أذنا تصب فيها البرمجيات الفاسدة، فيجبر نظام الحكم القادم على إحداث ثورة تصحيح لمسار سلطة الدفاع القضائى، أما إذا تركنا الآذان لبطانات السوء، التى تطالب بأن تكون سلطة الدفاع مجرد وكيل وتابع لنظام الحكم، فإننا نكون سلمنا للقط مفتاح الكرار، ولن نسمع إلا صوت فرعون جديد، ولن تجد سيادتك من يرد عليك أبداً».
المستشار الدكتورعبدالله أحمد السيد خلف
نائب رئيس هيئة قضايا الدولة

المصدر جريدة المصرى اليوم

Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق