إبراهيم عيسى .. قصة صور عمر سليمان "1"


إبراهيم عيسى
قصة صور عمر سليمان "1"
Friday, July 22, 2011 at 11:59am

الأسطى سيد صاحب مطبعة صغيرة فى حى إمبابة فى أوائل الخمسينيات من عمره، حينما سمع نبأ تعيين عمر سليمان نائبا للرئيس، شعر بسعادة غامرة وعرف أنه صار مهما منذ هذه الساعة، فسارع لركوب أول تاكسى يذهب به إلى ميدان التحرير، توقفت السيارة الأجرة أمام أكثر من لجنة حماية شعبية من تلك التى انتشرت فى شوارع القاهرة بعد انسحاب الشرطة وانفجار أخبار الانفلات الأمنى فى محطات وبرامج التليفزيون، لكن الأسطى سيد تعامل مع هذه اللجان بمنتهى الثقة بالنفس، وكان يعرف إلى أين يذهب وعمن يسأل؟
وصل أخيرا إلى شارع جانبى يقود إلى ميدان التحرير، حيث بحث عدة ساعات عن الأستاذ (ح)، ذلك الشاب الثورى بتاع السياسة ابن حتته، وللغرابة كان يسمع فى جولته داخل الميدان هتافات مدوية من هؤلاء الآلاف ضد عمر سليمان تطالب بسقوطه مع مبارك، ومن فرط حماس سيد عثر عليه، على الأستاذ (ح)، فأخذه بالحضن: مبروك يا أستاذ، خلاص بقيتم فى السلطة ومسكتم البلد، ضحك (ح) من فرط الدهشة.
الله يخرب بيتك يا عم سيد، عمر سليمان ده ح يودينا فى ستين داهية ومش بعيد يسجنا كلنا، يغور هو واللى جابه.
كان الأسطى سيد مذهولا تماما، وقد غطت الهتافات الزاعقة على صوته.
أشفق (ح) على سيد تماما، فقد تم اعتقالهما معا منذ شهور بسبب ملصقات طبعها (ح) فى مطبعة سيد تطالب بعمر سليمان رئيسا لمصر!
زارنى فى مكتبى وقتها فى جريدة «الدستور» أصدقائى الثلاثة الذين ستتعرف مصر عليهم بعد شهور باعتبارهم من قيادات شباب ائتلاف ثورة 25 يناير، كان قلقهم كقلقى، كقلقنا جميعا من تسريع عملية توريث مبارك لنجله، كانت التحليلات متقاطعة ومتقلبة بين التفاؤل والتشاؤم، فى القدرة على إجهاض هذه المأساة التى تجرى على عجل فوق سفح نقف كلنا تحته!
ما أشعل تحت القلق نارا هو هذه الصور التى باتت تنشرها يوميا جريدة «المصرى اليوم» لملصقات تعلق فى الشوارع تطالب بترشيح جمال مبارك للرئاسة وحوارات وتصريحات يومية لأسماء مغمورة تزعم تشكيلها لجانا وحملات لترشيح النجل. الصحيفة -وغيرها من البرامج المسائية-كانت تدير المتابعة اليومية لحملة التوريث بشكل يوحى باتفاق ما وإنفاق ما، فجاء أصدقائى الثلاثة باقتراح طلبوا منى أن نضع أجهزة هواتفنا المحمولة خارج الغرفة، وأن نغلق الباب علينا، واستجبت للتعليمات التى باتت قاعدة فى حوارات واجتماعات كثيرين من المهمومين بمصر أيامها، خشية التنصت المصلت على كل المعارضين والنشطاء، وسمعت الاقتراح واضحا ومحددا.
قلنا ما دامت عجلة التوريث شغالة، نضع عصا فى العجلة، إذا كان الولد يلعب برجاله وإعلامه فلماذا لا نشغلهم بأزمة تخبط فى السقف الأعلى من الحكم؟ ما رأيك؟ لقد قررنا أن نطبع ملصقات تطالب بعمر سليمان رئيسا وبترشحه فى الانتخابات الرئاسية القادمة، يبقى ملصقات قصاد ملصقات، ساعتها نرمى برقم صعب، ونفرض أمرا واقعا ونبين وجود صراع فى النظام وتناقضات بين النجل ورجال الرئيس، والحد الأدنى أن يقرروا نزع الملصقات كلها، ملصقات جمال وسليمان.
كانت الفكرة ككل أفكار أصدقائى الثلاثة تحمل خيالا جديدا لجيل جديد فى معركة قديمة جدا ضد الاستبداد، وركزت تعليقى على الفكرة بشرح مطول عن أن عمر سليمان لا يختلف إطلاقا عن نظامه، فهو جنرال لا يطيق الديمقراطية وليس سياسيا بالمرة، وهو صاحب قرار حصار غزة وشعبها الفلسطينى، وهو المنسق مع إسرائيل وحامل ختم كل الصفقات والتحالفات مع تل أبيب، وهو رجل ثقة لدى الأمريكان وإدارة البيت الأبيض، ثم هو مخلص لمبارك بشكل تقليدى ويكاد يكون الشخص الوحيد الذى يقف مع مبارك إيمانا به، وليس حتى لمصلحته الشخصية مثلما حال الشريف وسرور وعزمى وهلم جرا، أما النقطة الأهم، فهو أنه يخشى جمال مبارك جدا ومجموعته ويقلق من الولد فعلا.
ظلت المناقشة تحوم حول هذه النقاط وانتهت بموافقتهم على تحليلى كاملا، خصوصا أنها كانت قناعتهم تماما، لكنهم متحمسون للعب دور فى ضرب عملية التوريث، وقد تلعب الملصقات هذا الدور، فقد توحى بأن وراء هذا العمل مجموعات منظمة أو تياراً من السلطة أو جماعة واسعة تعمل تحت الأرض، ومن ثم فقد تؤدى دورها فى تعطيل عجلة التوريث!
قلت لهم مستسلما: ربما تلعب فعلا دور ثانى أكسيد المنجنيز، وهو ما يسمونه فى معادلات الكيمياء العامل المساعد لتفعيل معادلة أو تسريع نتيجة.
ولكن كيف ستتم هذه العملية؟
نستكمل غدا بإذن الله.


هذا المحتوى من





Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق