بلال فضل .. الديمقراطية ليست نزهة


بلال فضل
الديمقراطية ليست نزهة
Sunday, July 31, 2011 at 11:02am

تقرأ تعليقات بعض شباب الثورة الغاضبين من جمعة «فتق الشمل» فتقول لنفسك: هل كان هؤلاء حقا يعرفون معنى الديمقراطية قبل أن يخرجوا حاملين أرواحهم على أكفهم للمطالبة بها؟
فى الدول التى أدركت أنه لا سبيل للخلاص والتقدم سوى الديمقراطية، عندما يصعد اليمين المحافظ أو حتى المتشدد إلى الحكم عبر صناديق الانتخابات لا يلطم الليبراليون أو اليساريون أو المعتدلون مطالبين بإلغاء الانتخابات، ولا يجرون إلى أقرب ميدان ليعتصموا فيه، بل يبدؤون على الفور فى محاسبة أنفسهم لينظروا فيم أخطؤوا ولماذا لم يستجب لهم الشارع كما كانوا يأملون، وكيف يمكن أن يتداركوا الأمر فى الانتخابات المقبلة.
سيطلع لى الآن ألف من يقول: وهُمّ الإسلاميين لو صعدوا إلى الحكم هيبقى فيه انتخابات مقبلة؟ والأسهل أن تقول لهؤلاء: طيب ما اقتراحات حضراتكم؟ هل نعود ثانية إلى عصر الديمقراطية أم أستك ذات الأنياب والحوافر، فنمارس باسم الليبرالية الوصاية على الشعب الجاهل الذى لا يعرف مصلحته، ونعيد جلادى أمن الدولة إلى الخدمة لممارسة هوايتهم المفضلة فى تعذيب المخالفين لنا فى الرأى لكى نجلس نحن مطمئنين أن مصر متحضرة؟ يا سادة، الديمقراطية ليست نزهة لطيفة، ليست هى «التويتر» حيث تتخلص ممن تكرهه بضغطة زر، ليست هى العالم الافتراضى الذى تتقوقع فيه لكى تنزل فيه شتيمة وتكفيرا وتخوينا لمن لا يعجبك، إذا كنت تعتقد أن الديمقراطية قد تحققت برحيل حسنى مبارك، فيجب أن تعرف أن خلع مبارك كان الجزء الأسهل فى العملية الديمقراطية، وأنك ستظل مجبرا لسنين مقبلة أن تعمل بكل ما أوتيت من طاقة ومعرفة وصبر وقوة لكى تقوم بتفكيك الألغام التى زرعها نظام مبارك فى كل أرجاء الوطن.
مبدئيا لا يوجد كيان مصمت واحد اسمه «الإسلاميون» تظن أنك يمكن أن تعاديه أو تلغيه أو تتجاوزه، ما جرى يوم الجمعة الماضية فرصة ذهبية لكى نتخلص من عشقنا التصنيف ووضع الناس فى قوالب، آديك رأيت بأم عينيك أن هناك أغبياء يظنون أن الإسلام يعنى أن ترفع علم السعودية عاليا خفاقا، وفى نفس الوقت رأيت أن هناك شبابا إخوانيا وسلفيا يشرح القلب العليل بسماحته وسعة صدره وقدرته على الحوار، آديك عرفت أو أرجو أن تكون قد عرفت أنه لا يصح أن تستخدم أحكاما مطلقة تقول فيها إن الإسلاميين فاشيون ويفرضون آراءهم على الآخرين، لأنك تعرف أن الفاشية وفرض الآراء على الآخرين والمصادرة والتخوين وإقصاء الآخر والاندفاع والانفعال والانفلات كلها أمراض تجرى منا جميعا مجرى فيروس «سى» فى دماء المصريين، آديك أدركت أن الميدان رائع وجميل وساحر وملهم، لكنه لا يصح أن يتحول إلى «الفانتازى لاند» التى يتقوقع فيها الثوار تحت أى حجة كانت، لأنهم بذلك يهربون من الواقع القبيح المرير المظلم الذى يحيط بكل الميادين التى يحب البعض أن يتآنس بعضهم ببعض داخلها.
إذا كنت تفرح لأن الميدان يمكن أن يمتلئ بمن يتفق معك فى الرأى، فها أنت شاهدت أنه يمكن أن يمتلئ بمن يمكن أن يقمع حريتك ويفرض عليك رأيه لأنه يظن أن الله يقف إلى صفه، ولذلك فالحل يا صديقى هناك فى صندوق الانتخابات، أو دعنى أكن دقيقا وأقل لك إن الحل بدايته هناك فى صندوق الانتخابات، لا تتخيل أنك وصى على الناس، لا تظن أنهم بُله لا يعرفون مصلحتهم، قد يختار الناس من يرفع شعارات دينية سواء كان يؤمن بها أو يتاجر بها، لكنهم لو وجدوا أنه لن ينقل حياتهم إلى الأحسن ولن يحقق لهم الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية سيسقطونه فى الانتخابات المقبلة، وأن تصبر على حكومة فاشلة أربع سنوات خير لك من أن تصبر على حكومة مستبدة تحكم بالحديد والنار زمنا لا يعلمه إلا الله. لا تقل لى إنه لو صعد فلان أو علان إلى الحكم لن تكون هناك انتخابات مقبلة، أيا كان الذى سيختاره الشعب ستكون هناك حكومات مقبلة ورؤساء مقبلون، لأن العالم تغير وزمن الانقلابات واغتصاب السلطة انتهى إلى الأبد، ويمكن لمن شاء أن يقف فى ميدان التحرير لكى يشتم أمريكا وأوروبا وإسكندنافيا ونيوزيلندا، لكنه عندما يصعد إلى الحكم سيكون مجبرا على أن يتعامل مع كل الذين شتمهم بشكل متحضر يحافظ فيه على مصالحهم ويحاول أن يحقق هو الآخر مصالحه منهم.
أرجوك تأمّل ما حدث فى التحرير واربطه بما حدث فى العريش، وفى ما أتوقع أن يحدث -لا قدر الله- فى غيرها ويتصاعد كلما اقترب موعد الانتخابات، لعلك تتذكر أن قوى إقليمية ودولية تعلم أن قوة مصر تكمن فى أن يكون لشعبها إرادة تجعله يختار من يحكمه، وهذه القوى ستدفع مليارات من أجل إجهاض هذه الإرادة لكى تعطى شرعية لعودة الاستبداد من جديد فى صورة الخائف على استقرار البلاد وأمنها، وعندها سيأكل الناس الصامتون بأسنانهم من يقف فى وجه من يعدهم بتحقيق الأمان، فلا تساعد على ذلك بترديد حجج واهية من نوعية أن العسكر لن يحققوا أبدا انتخابات نزيهة، لأنك بذلك تحقّر من شأن نفسك، إذا كنت يا سيدى مستعدا لأن تموت فى الشارع فلماذا لا تموت أمام لجنة الانتخاب؟ إذا كنت تدعى أنك مؤمن بالشعب فلماذا لا تمنح الشعب فرصته لكى يختار؟ تانى ستقول لى سيختار القوى التى تراها متطرفة، وانت مالك يا سيدى؟ أليست هذه هى الديمقراطية؟ ليختر الشعب أى قوة يريدها ولنحتكم جميعا إلى صناديق الانتخابات، فإن أتت بمن أصلح أحوال بلادنا فهنيئا لنا به، وإن ساءت أحوال بلادنا به فلنسقطه فى الانتخابات المقبلة، أرجوك لا تقل لى: عايزنا نجرب فى البلد يعنى؟ يا سيدى لقد جربنا فيها كل أنواع الديكتاتوريات السادة والمقلمة والمشجّرة، فهل حرام أن نجرب فيها الديمقراطية ولو مرة واحدة؟
أتوسل إليكم، اقرؤوا تاريخ الثورات لتدركوا أن كل الميادين التى لم تذهب بالناس إلى صناديق الانتخابات أنتجت لهم أو جلبت لهم طغاة جعلوا الناس يترحمون على طغاة زمان، فهل هذا يرضيكم؟ إذا كان ذلك يرضيكم فأنتم أحرار، لكن لا تتحدثوا ساعتها باسم الشعب، واعترفوا بميولكم الاستبدادية التى تخفونها تحت شعارات معاداة التطرف وإسقاط حكم العسكر، وتقوقعوا فى الميادين، واتركوا غيركم يسيطر على جميع الشوارع المؤدية إليها.
تحيا مصر، بس ادوها فرصة.


هذا المحتوى من





Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق