فهمي هويدي .. تطهير منقوص

فهمي هويدي
9 يوليو 2011 08:33:11 ص بتوقيت القاهرة
تطهير منقوص

 وزارة الداخلية مشغولة هذه الأيام بإعداد ما وصف بأنه «حركة تطهير» يفترض أن تؤدى إلى استبعاد 270 لواء شرطة، بينهم أولئك الذين اتهموا بالاشتراك فى قتل الثوار «الشروق 8/7). وهى خطوة مهمة وإن كانت غير كافية، خصوصا أننا لم نفهم لماذا تأخرت مدة خمسة أشهر بعد الثورة.

مع ذلك فإنها تعد قرارا شجاعا يحسب للوزير الحالى اللواء منصور العيسوى، الذى نعرف أنه منذ تسلم منصبه يعمل جاهدا على علاج ذلك الملف الشائك والحساس، وإن بدرجة ملحوظة من الحذر، ربما لكى لا يفلت الزمام من بين يديه.

معلوماتى أن خطواته الحذرة تلك كانت موضع مناقشة مع بعض أعضاء المجلس العسكرى ممن أدركوا أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الحسم والحزم. وفى ضوء الآراء التى عبر عنها الوزير فى لقاء عقد قبل عدة أسابيع تمت الموافقة على تنحية وإبعاد بعض القيادات الأمنية، كما أجريت بعض التغييرات فى مواقع البعض الآخر.

لكن التطورات الأخيرة أثبتت أن ما اتخذ من إجراءات لم يكن كافيا، وأن دائرة الحسم والحزم ينبغى أن تتسع لتشمل شرائح أخرى. خصوصا بعدما تبين أن الثغرات الحاصلة فى الساحة الأمنية تشير إلى أن ثمة شيئا ما فى جهاز الشرطة ينبغى أن يعالج، وأن الأصابع الخفية لاتزال تلعب دورها فى إشاعة القلق الراهن.

صحيح أن ثمة كلاما ينبغى أن يقال عن البلطجية وعن سلوك الجمهور الذى ازداد جرأة تحت وطأة معاناته وعن الفراغ الذى تطالب الشرطة بملئه، لكن ذلك لا ينفى أن ثمة اعوجاجا فى وزارة الداخلية ينبغى أن يقوَّم، وأن الثغرة القائمة فى الجهاز يجب أن تسد. ليس فقط لحساسية وأهمية دور الداخلية، ولكن أيضا لأنها كيان معلوم الأركان ومحدد المعالم، بعكس عالم البلطجية أو سلوكيات الناس أو حالة الفراغ المشهود فى المجال العام، إذ هذه كلها دوائر واسعة لا حدود واضحة لها. نعرف أنها موجودة لكن ليس فى الميسور حصر مكوناتها أو التعرف على شخوصها.

لست مع تعميم الاتهام أو تجريح جهاز الشرطة فى مجمله، رغم اقتناعى بأن الممارسات السلبية المنسوبة إلى الجهاز هى أكثر ما أساء إليه وشوَّه صورته. لكننى أزعم أن مشكلتنا مع الداخلية تكمن فى ثلاثة عوامل. الأول فى السياسات التى تعطى الأولوية للحل الأمنى وتعول عليه فى التعاطى مع مختلف الملفات.

العامل الثانى يتمثل فى القيادات الأمنية القابضة على الزمام التى ارتبط ولاؤها ومصالحها بالنظام السابق وتراودها الرغبة فى «تأديب» الجماهير التى تجرأت على الشرطة ومقارها. أما العامل الثالث فهو يكمن فى الثقافة السائدة فى أوساط الشرطة التى تشكلت وترسخت طوال سنوات «الطوارئ»، وهى التى لا تقيم وزنا لا للقانون ولا لكرامات الناس وحرماتهم، وتعتبر أن الإطاحة بكل ذلك وازدراءه أمر طبيعى لا غضاضة فيه ولا حساب عليه.

العامل الأول المتمثل فى التعويل على الحل الأمنى وتجاهل الحل السياسى يعد جريرة النظام السياسى، فى حين أن الداخلية ضحية لها، من حيث إنها تحال إليها ملفات هى من اختصاص أهل السياسة والجهاز الإدارى بالدرجة الأولى. والعامل الثالث المتعلق بالثقافة السائدة فى أوساط الشرطة لا يعالج بقرار وإنما يلعب عنصر الوقت دورا مهما فى تغيير تلك الثقافة، إذا ما التزمت وزارة الداخلية باحترام المواطن والقانون.

يبقى العنصر الثانى المتمثل فى القيادات القابعة فى وزارة الداخلية التى تسير الأمور فيها، وهذه نقطة الضعف التى دعتنى إلى القول فى الأسطر الأولى أن استبعاد ذلك العدد من اللواءات سواء من الخدمة أو بنقلهم إلى مواقع أخرى خطوة مهمة ولكنها ليست كافية، ذلك أن ثمة علامات استفهام كبيرة حول وضع أعضاء المجلس الأعلى للشرطة، الذين ترقوا وجرى المد لهم بعد بلوغهم سن الستين فى عهد الوزير الأسبق حبيب العادلى. هؤلاء المساعدون والمساعدون الأول (عددهم يتراوح بين 17 و25 لواء) هم الذين يتحكمون فى مفاصل الوزارة وأعصابها الحساسة. وثمة لغط كبير حول ارتباطاتهم والمبالغ المالية الهائلة التى يتقاضونها (قيل لى إن أحدهم يتقاضى مكافآت بقيمة 80 ألف جنيه كل أسبوع). ومن المفارقات أن أحد أولئك المساعدين عين عضوا فى مجلس إدارة الجهاز الجديد الذى تشكل لرعاية مصابى الثورة.

إذا صحت المعلومات التى تتردد عن أعضاء المجلس الأعلى للشرطة وما يشاع عن أنه مجلس حبيب العادلى وليس مجلس زمن ما بعد الثورة، فهى تعنى أن العوج فى وزارة الداخلية لايزال بحاجة إلى تقويم، وأن خطوة «التطهير» التى تعد الآن بحاجة إلى خطوات أخرى لا تقل أهمية.

هذا المحتوى من



Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق