إبراهيم عيسى
طريق و طريقة الخروج
Sunday, July 10, 2011 at 10:40am
يومها زار حسني مبارك مركز العمليات للقوات المسلحة فجأة وجلس بجوار المشير والفريق، كان ميدان التحرير مشتعلا بالغضب ومصر تعلن ثورتها على النظام تريد إسقاطه وكان مبارك قد أحضر معه لمركز القوات المسلحة كاميرات التليفزيون التابعة لرئاسة الجمهورية كي تصور وتذيع هذ المشهد على شاشة تليفزيونه ليوحي إلى الناس في الداخل والخارج أنه لا يزال متحكما في مقاليد الأمور وأن الجيش تحت إمرته وقيادته. كانت الصور المذاعة تقدم زاوية واحدة لمبارك جالسا وسط قيادات الجيش وهو يشير وينظر إلى الأمام ويسأل ويحاور المشير عن شيء لا نراه، لكن من الواضح أنهم يتابعونه أمامهم بحرص واهتمام وعناية.
لم يكن هذا الشيء إلا شاشات معلقة أمامهم على جدران القاعة تعرض صورا حية وبثا مباشرا لميدان التحرير يتم التقاطها وإذاعتها بكاميرات أمنية متطورة وعبر صور ملتقطة من أقمار صناعية للتحرير وما فيه من مظاهرات وجماهير وهتافات وشعارات،
خرج الطرفان يومها وكل منهما في طريق، الرئيس معتقدا أنه مسيطر على الأمور ومتحكم في الجيش ومستقبله ومستقبل البلد، أما الجيش فقد تأكد أن الرئيس في ساعاته الأخيرة وإن طالت أو قصرت فهي مجرد أيام.
لعل هذا المشهد تكرر في مركز العمليات في جمعة أول من أمس، وأتمنى أن لا يكون رد فعلها بعيدا عن حقيقة الواقع كما كان إحساس وتصرف مبارك حينها بعيدا جدا وخاطئا تماما.
لماذا أقول هذا الكلام؟
أجيبك شرط أن لا يبقى هذا سرا بيننا!
لأن منصور العيسوي وداخليته يكررون نفس أخطاء حبيب العادلي تماما في مواجهة المظاهرات حيث الاتهامات البليدة الخائبة والتحريات الفارغة التي تزعم مخططات ومؤامرات وتتحدث عن اندساس وانقضاض عناصر وعن حركات محرضة وشباب مدفوع أو مضحوك عليه.
ولأن عصام شرف يقلب خالص على صورة أخرى من أحمد نظيف عندما يتحدث عن إنجازات وخطط وعمل الحكومة في مواجهة وصمها بالفشل والعجز والاختيارات الملوثة بالعشوائية للوزراء والانكفاء أمام تعليمات وتوجيهات المجلس العسكري!
لهذا فإنني أخشى على البلد وعلى المستقبل أن يكون أداء المجلس العسكري في مواجهة مليونية ٨ يوليو شبيها بما كان عليه مبارك يوم زارهم في مقر قيادتهم!
مشكلة النظام السابق أنه تصرف وفق خياله وتفكيره أمام خيال وتفكير جديد لأجيال جديدة فكان الشارع يقول «ثور» فيرد الخيال القديم «احلبوه».
لم يستوعب نظام مبارك أن الدنيا تغيرت والمعادلة تحولت تماما، فظل حبيس تصورات وتصرفات تقليدية عنيدة بطيئة انتهت بخلعه، لقد سمع الرجل صوت نفسه وكلام القناة الأولى وزين له عناده تجاهل الحقيقة، خال عليه التدليس ولم يسمع صوت الشارع، وضع أمله على صمت الصامتين من ملايين المصريين وأغلق أذنيه عن صخب الثائرين من ملايين المصريين، وقد انتصر الخيال الجديد لأن خيال مبارك ونظامه كان غاطسا في زمن ولّى ورحل.
كان الصراع في أثناء الثورة غرائبيا تماما بين لغتين تتحدثان تكاد كلتاهما لا تتعرف دلالة مفردات الأخرى، والآن صارت المقابلة بين الثورة والمجلس العسكري تحمل ذات المفردات بين لغة ثورية تريد تغييرا جذريا عميقا حقيقيا شاملا، ولغة عسكرية تريد انضباطا وضبطا وتروّيا وتمهلا وإصلاحا تدريجيا بطيئا، وأعتقد جازما أن المجلس العسكري كمؤسسة وأشخاص في منتهى الوطنية والإخلاص والخوف على البلد والرغبة في حماية الثورة فعلا، لكن طريقة تعبيره ووسيلة تغييره بعيدة جدا كالسنوات الضوئية عن الشارع، وفي إمكان المجلس أن يراهن على صمت الصامتين حتى موعد الانتخابات لكن هذا رهان لن يحقق لا له ولا للبلد ولا للثورة وبالقطع ولا للصامتين تقدما أو تطورا، بل يقود الوطن إلى توتر وتقلب وتغلب نبرة الحسم العسكري أو نغمة التطرف الثوري، والطريق الوحيد للخروج من هذا المأزق -وهو مأزق بكل المقاييس- أن يرد المجلس العسكري للمصريين ثورتهم بأن يكون أمينا على تنفيذ مطالبها بطريقتها لا بطريقته، وأن يبقى حارسا حافظا حاميا، لكن يدع مقررات ومقدرات البلد للثوار الذين أثبتوا أنهم وحدهم القادرون على إخراج الملايين من بيوتهم طلبا للمستقبل وإيمانا بالتغيير، ليس معنى ذلك أن يتنازل المجلس العسكري عن إدارة البلاد ولكن معناه أن يتولى ممثلو الثورة تحديد خطواتها واقتراح مراحلها ورسم أولوياتها، وأن يجلس الثوار بممثليهم أو مرشحيهم على مقاعد الحكومة في الأشهر الثلاثة القادمة حتى موعد الانتخابات البرلمانية.
ولنتذكر جميعا مبارك وهو يخرج من مركز قيادة القوات المسلحة معتقدا أنه أقوى من الثورة لنؤمن أنه لا أحد أقوى من الثورة
طريق و طريقة الخروج
Sunday, July 10, 2011 at 10:40am
يومها زار حسني مبارك مركز العمليات للقوات المسلحة فجأة وجلس بجوار المشير والفريق، كان ميدان التحرير مشتعلا بالغضب ومصر تعلن ثورتها على النظام تريد إسقاطه وكان مبارك قد أحضر معه لمركز القوات المسلحة كاميرات التليفزيون التابعة لرئاسة الجمهورية كي تصور وتذيع هذ المشهد على شاشة تليفزيونه ليوحي إلى الناس في الداخل والخارج أنه لا يزال متحكما في مقاليد الأمور وأن الجيش تحت إمرته وقيادته. كانت الصور المذاعة تقدم زاوية واحدة لمبارك جالسا وسط قيادات الجيش وهو يشير وينظر إلى الأمام ويسأل ويحاور المشير عن شيء لا نراه، لكن من الواضح أنهم يتابعونه أمامهم بحرص واهتمام وعناية.
لم يكن هذا الشيء إلا شاشات معلقة أمامهم على جدران القاعة تعرض صورا حية وبثا مباشرا لميدان التحرير يتم التقاطها وإذاعتها بكاميرات أمنية متطورة وعبر صور ملتقطة من أقمار صناعية للتحرير وما فيه من مظاهرات وجماهير وهتافات وشعارات،
خرج الطرفان يومها وكل منهما في طريق، الرئيس معتقدا أنه مسيطر على الأمور ومتحكم في الجيش ومستقبله ومستقبل البلد، أما الجيش فقد تأكد أن الرئيس في ساعاته الأخيرة وإن طالت أو قصرت فهي مجرد أيام.
لعل هذا المشهد تكرر في مركز العمليات في جمعة أول من أمس، وأتمنى أن لا يكون رد فعلها بعيدا عن حقيقة الواقع كما كان إحساس وتصرف مبارك حينها بعيدا جدا وخاطئا تماما.
لماذا أقول هذا الكلام؟
أجيبك شرط أن لا يبقى هذا سرا بيننا!
لأن منصور العيسوي وداخليته يكررون نفس أخطاء حبيب العادلي تماما في مواجهة المظاهرات حيث الاتهامات البليدة الخائبة والتحريات الفارغة التي تزعم مخططات ومؤامرات وتتحدث عن اندساس وانقضاض عناصر وعن حركات محرضة وشباب مدفوع أو مضحوك عليه.
ولأن عصام شرف يقلب خالص على صورة أخرى من أحمد نظيف عندما يتحدث عن إنجازات وخطط وعمل الحكومة في مواجهة وصمها بالفشل والعجز والاختيارات الملوثة بالعشوائية للوزراء والانكفاء أمام تعليمات وتوجيهات المجلس العسكري!
لهذا فإنني أخشى على البلد وعلى المستقبل أن يكون أداء المجلس العسكري في مواجهة مليونية ٨ يوليو شبيها بما كان عليه مبارك يوم زارهم في مقر قيادتهم!
مشكلة النظام السابق أنه تصرف وفق خياله وتفكيره أمام خيال وتفكير جديد لأجيال جديدة فكان الشارع يقول «ثور» فيرد الخيال القديم «احلبوه».
لم يستوعب نظام مبارك أن الدنيا تغيرت والمعادلة تحولت تماما، فظل حبيس تصورات وتصرفات تقليدية عنيدة بطيئة انتهت بخلعه، لقد سمع الرجل صوت نفسه وكلام القناة الأولى وزين له عناده تجاهل الحقيقة، خال عليه التدليس ولم يسمع صوت الشارع، وضع أمله على صمت الصامتين من ملايين المصريين وأغلق أذنيه عن صخب الثائرين من ملايين المصريين، وقد انتصر الخيال الجديد لأن خيال مبارك ونظامه كان غاطسا في زمن ولّى ورحل.
كان الصراع في أثناء الثورة غرائبيا تماما بين لغتين تتحدثان تكاد كلتاهما لا تتعرف دلالة مفردات الأخرى، والآن صارت المقابلة بين الثورة والمجلس العسكري تحمل ذات المفردات بين لغة ثورية تريد تغييرا جذريا عميقا حقيقيا شاملا، ولغة عسكرية تريد انضباطا وضبطا وتروّيا وتمهلا وإصلاحا تدريجيا بطيئا، وأعتقد جازما أن المجلس العسكري كمؤسسة وأشخاص في منتهى الوطنية والإخلاص والخوف على البلد والرغبة في حماية الثورة فعلا، لكن طريقة تعبيره ووسيلة تغييره بعيدة جدا كالسنوات الضوئية عن الشارع، وفي إمكان المجلس أن يراهن على صمت الصامتين حتى موعد الانتخابات لكن هذا رهان لن يحقق لا له ولا للبلد ولا للثورة وبالقطع ولا للصامتين تقدما أو تطورا، بل يقود الوطن إلى توتر وتقلب وتغلب نبرة الحسم العسكري أو نغمة التطرف الثوري، والطريق الوحيد للخروج من هذا المأزق -وهو مأزق بكل المقاييس- أن يرد المجلس العسكري للمصريين ثورتهم بأن يكون أمينا على تنفيذ مطالبها بطريقتها لا بطريقته، وأن يبقى حارسا حافظا حاميا، لكن يدع مقررات ومقدرات البلد للثوار الذين أثبتوا أنهم وحدهم القادرون على إخراج الملايين من بيوتهم طلبا للمستقبل وإيمانا بالتغيير، ليس معنى ذلك أن يتنازل المجلس العسكري عن إدارة البلاد ولكن معناه أن يتولى ممثلو الثورة تحديد خطواتها واقتراح مراحلها ورسم أولوياتها، وأن يجلس الثوار بممثليهم أو مرشحيهم على مقاعد الحكومة في الأشهر الثلاثة القادمة حتى موعد الانتخابات البرلمانية.
ولنتذكر جميعا مبارك وهو يخرج من مركز قيادة القوات المسلحة معتقدا أنه أقوى من الثورة لنؤمن أنه لا أحد أقوى من الثورة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق