بلال فضل
وزير خارجية مبارك
Sunday, July 10, 2011 at 10:35am
هل عقمت الخارجية المصرية أن تنجب وزيرا يعبر عن مبادئ الثورة المصرية ويشكل قطيعة مع الماضي المباركي البغيض؟ هل تم اختيار السيد محمد العرابي لمنصب وزير الخارجية بناء على ترشيح وزير خارجية الثورة حقا وصدقا نبيل العربي أم بناء على ترشيح جهات أخرى «فلولية» الميول؟، هل حقا تغيرت مصر وهي ما زالت تعيش عصر الطلاسم السياسية التي لا يعرف فيها الناس لماذا يأتي الوزراء ولا كيف يرحلون؟ أسئلة ستفرض نفسها عليك وأنت تقرأ هذه الرسالة التي تلقيتها من الزميل وليد الشيخ الصحفي المصري المقيم في ألمانيا، والذي يعرف عن العرابي الكثير، تعال لنقرأها معا.
(جاء خبر تعيين السفير السابق محمد العرابي وزيرا للخارجية بمثابة المفاجأة الصادمة للكثير من المصريين، خصوصا أن هذا الخبر كان متوقعا بقوة في عهد مبارك بل إن اسمه كان مطروحا فعلا قبل اختيار أحمد أبو الغيط للمنصب بسبب ما عرف عن قربه الشديد من مبارك وأسرته. الموضوعية تفترض عرض كل مميزات العرابي الذي عمل سفيرا في الكويت وتل أبيب وواشنطن وبرلين، ومن أهمها أنه نشط بحق، حتى إنه كان السفير العربي الأنشط في برلين منذ 2001 حتى 2008، وكان يشارك في غالبية الندوات والمؤتمرات الهامة وليس كما يفعل باقي السفراء العرب بالاكتفاء بالجلوس في مكاتبهم. لعب العرابي أيضا دورا إيجابيا في دعم الاتفاقات الاقتصادية بين مصر وألمانيا، وساهم في جعل ألمانيا شريكا اقتصاديا هاما لمصر.
لكن بالمقابل فإن المشكلة هي أن العرابي يعد خير معبر عن النظام السابق، خصوصا أن قربه الشديد من مبارك وعائلته جعله يحتفظ بمنصبه سبع سنوات متتالية وليس أربعة أعوام فقط كما يقضي العرف الدبلوماسي العالمي، وذلك بسبب أهمية ألمانيا التي كان يزورها ويعالج فيها مبارك منذ فترة طويلة، كان ذلك القرب ينعكس في خروجه هو والرئيس وحدهما دون طاقم الحراسة الكامل في كل زيارة تقريبا، مما فسره الكثيرون بأنه للزيارة الطبية الدورية للحصول على جرعة الهرمونات التي كان يتم حقن مبارك بها كل مدة لتظهره بالصورة التي كان يبدو عليها أمام شاشات الإعلام. كما أن العرابي لم يكن يخفي تأييده الطاغي لمبارك لدرجة أنه في إحدى زيارات مبارك لبرلين جلس وسط الصحفيين في المكتب الصحفي ليقول عن مبارك إنه «شديد الذكاء والمهارة بيجيبها وهي طايرة»، وحين لاحظ ابتسامة على وجهي أردف قائلاً «أنا لا أنافق الرئيس مبارك فأنا أؤمن بأنه زعيم لم ولن يتكرر في تاريخ مصر».
ولم يكن العرابي فقط مقررا للجنة الثقافية لمكتبة مصر الجديدة التابعة لسوزان مبارك، بل كان هو وقرينته قريبين جدا من أسرة مبارك بأكملها، حيث كانت زوجته تدعو أبناء الجالية المصرية للانضمام لجمعية المستقبل التابعة لجمال مبارك، كما كان هو يعلن أمام عديد من أبناء الجالية المصرية أنه «ليس ممثلا للدولة المصرية حكومة وشعبا، بل ممثل لمواقف رئيس الجمهورية»، بل وأبدى مرارا تأييده العلني وبقوة ملف التوريث لدرجة قوله بالنص: «ربنا بيحب مصر لأنه حباها بهذه الموهبة الفذة جمال مبارك فهو شخصية مستنيرة جدا». وعلى صعيد آخر كان يبدي فخره أكثر من مرة بأدائه وإحاطته بكل شاردة وواردة يقوم بها المصريون في ألمانيا حين كان يؤكد لأبناء الجالية قائلا: « قبل ما أنام بالليل كل يوم بتجيني مكالمة أعرف منها كل واحد مصري بيقول إيه»، مما يعني أنه يحصل على تقرير أمني يومي يتجسس على المصريين في ألمانيا.
بل وصل الأمر إلى ما هو أكثر من ذلك حين كنت قد التقيت بعض أعضاء الجالية ومنهم د. علاء بركات ود. فارس علي والأستاذ أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط، في زيارة له في برلين في 2005، ليفاجأ أحد الحضور حينها بطلب «عمل تقرير أمني» عن مقابلتنا وكل ما دار فيها من حوار لتسليمه للسفارة، فما كان من زميلنا إلا الرفض والانسحاب هو وزملائه من الجالية التي انهارت فورا بعدها! هذا إلى جانب وجود مشكلة لديه في مفهوم الوطنية الذي كان يدفعه لعدم دعوة مراسلي الصحف المستقلة والمعارضة إلى نشاطات السفارة والاقتصار على مراسلي الصحف الحكومية، هذا إلى جانب السماح بتهديد أبناء الجالية المشاركين في تظاهرة 4 مايو 2008 بالتصوير بالفيديو لينتظرهم أمن الدولة في مطار القاهرة، وحين شاركت فيها عاتبني قائلا: «الجماعة -يقصد موظفي أمن الدولة في السفارة- زعلانين منك، بيقولوا إزاي تكون وطني وتشارك في مظاهرة زي دي»، فأجبته بما خلاصته أنني لا أقبل التشكيك في وطنيتي، ومن يرد أن يجادلني في من هو الوطني ومن هو غير الوطني فأنا على أتم استعداد.
النقطة الأخيرة تتعلق بقرينته السيدة أمل فريد التي تتميز بالنشاط ودماثة الخلق والتواضع، وفي نفس الوقت قوة الشخصية الواضحة، لدرجة قيامها بفصل أحد موظفي السفارة المصرية، بل وصل الأمر لقيامها في عام 2003 بإلغاء لقاء للصحفيين العرب في برلين مع وفد مصري دعته الخارجية الألمانية مكون من الشيخ أحمد الطيب، ود. حسن حنفي، ود. محمد مرسي، والأساتذة فهمي هويدي وأبو العلا ماضي ونبيل عبد الفتاح، وهو ما جعل بعض أعضاء الوفد يتندرون حينها قائلين: «هو إحنا تركنا السيدة الأولى في مصر، لنجد السيدة الأولى هنا؟». وفي النهاية ورغم أن السفير العرابي وقرينته كانا ودودين ويتعاملان باحترام وتواضع مع الجميع، فإن المسألة تتعلق بمصلحة مصر التي دفع الكثيرون أرواحهم لتغييرها للأفضل، وبذا فإن تعيين محمد العرابي أقرب الدبلوماسيين لمبارك، كبديل معاكس تماما للوزير نبيل العربي المعروف بمواقفه الوطنية منذ وقف في وجه السادات في كامب ديفيد وحتى هذه اللحظة يمثل إجابة صارخة تعكس مدى الأزمة التي تعانيها الثورة حاليا).
انتهت رسالة زميلنا وليد الشيخ وما زال سؤال الأمس قائما: كل ده كان ليه؟
وزير خارجية مبارك
Sunday, July 10, 2011 at 10:35am
هل عقمت الخارجية المصرية أن تنجب وزيرا يعبر عن مبادئ الثورة المصرية ويشكل قطيعة مع الماضي المباركي البغيض؟ هل تم اختيار السيد محمد العرابي لمنصب وزير الخارجية بناء على ترشيح وزير خارجية الثورة حقا وصدقا نبيل العربي أم بناء على ترشيح جهات أخرى «فلولية» الميول؟، هل حقا تغيرت مصر وهي ما زالت تعيش عصر الطلاسم السياسية التي لا يعرف فيها الناس لماذا يأتي الوزراء ولا كيف يرحلون؟ أسئلة ستفرض نفسها عليك وأنت تقرأ هذه الرسالة التي تلقيتها من الزميل وليد الشيخ الصحفي المصري المقيم في ألمانيا، والذي يعرف عن العرابي الكثير، تعال لنقرأها معا.
(جاء خبر تعيين السفير السابق محمد العرابي وزيرا للخارجية بمثابة المفاجأة الصادمة للكثير من المصريين، خصوصا أن هذا الخبر كان متوقعا بقوة في عهد مبارك بل إن اسمه كان مطروحا فعلا قبل اختيار أحمد أبو الغيط للمنصب بسبب ما عرف عن قربه الشديد من مبارك وأسرته. الموضوعية تفترض عرض كل مميزات العرابي الذي عمل سفيرا في الكويت وتل أبيب وواشنطن وبرلين، ومن أهمها أنه نشط بحق، حتى إنه كان السفير العربي الأنشط في برلين منذ 2001 حتى 2008، وكان يشارك في غالبية الندوات والمؤتمرات الهامة وليس كما يفعل باقي السفراء العرب بالاكتفاء بالجلوس في مكاتبهم. لعب العرابي أيضا دورا إيجابيا في دعم الاتفاقات الاقتصادية بين مصر وألمانيا، وساهم في جعل ألمانيا شريكا اقتصاديا هاما لمصر.
لكن بالمقابل فإن المشكلة هي أن العرابي يعد خير معبر عن النظام السابق، خصوصا أن قربه الشديد من مبارك وعائلته جعله يحتفظ بمنصبه سبع سنوات متتالية وليس أربعة أعوام فقط كما يقضي العرف الدبلوماسي العالمي، وذلك بسبب أهمية ألمانيا التي كان يزورها ويعالج فيها مبارك منذ فترة طويلة، كان ذلك القرب ينعكس في خروجه هو والرئيس وحدهما دون طاقم الحراسة الكامل في كل زيارة تقريبا، مما فسره الكثيرون بأنه للزيارة الطبية الدورية للحصول على جرعة الهرمونات التي كان يتم حقن مبارك بها كل مدة لتظهره بالصورة التي كان يبدو عليها أمام شاشات الإعلام. كما أن العرابي لم يكن يخفي تأييده الطاغي لمبارك لدرجة أنه في إحدى زيارات مبارك لبرلين جلس وسط الصحفيين في المكتب الصحفي ليقول عن مبارك إنه «شديد الذكاء والمهارة بيجيبها وهي طايرة»، وحين لاحظ ابتسامة على وجهي أردف قائلاً «أنا لا أنافق الرئيس مبارك فأنا أؤمن بأنه زعيم لم ولن يتكرر في تاريخ مصر».
ولم يكن العرابي فقط مقررا للجنة الثقافية لمكتبة مصر الجديدة التابعة لسوزان مبارك، بل كان هو وقرينته قريبين جدا من أسرة مبارك بأكملها، حيث كانت زوجته تدعو أبناء الجالية المصرية للانضمام لجمعية المستقبل التابعة لجمال مبارك، كما كان هو يعلن أمام عديد من أبناء الجالية المصرية أنه «ليس ممثلا للدولة المصرية حكومة وشعبا، بل ممثل لمواقف رئيس الجمهورية»، بل وأبدى مرارا تأييده العلني وبقوة ملف التوريث لدرجة قوله بالنص: «ربنا بيحب مصر لأنه حباها بهذه الموهبة الفذة جمال مبارك فهو شخصية مستنيرة جدا». وعلى صعيد آخر كان يبدي فخره أكثر من مرة بأدائه وإحاطته بكل شاردة وواردة يقوم بها المصريون في ألمانيا حين كان يؤكد لأبناء الجالية قائلا: « قبل ما أنام بالليل كل يوم بتجيني مكالمة أعرف منها كل واحد مصري بيقول إيه»، مما يعني أنه يحصل على تقرير أمني يومي يتجسس على المصريين في ألمانيا.
بل وصل الأمر إلى ما هو أكثر من ذلك حين كنت قد التقيت بعض أعضاء الجالية ومنهم د. علاء بركات ود. فارس علي والأستاذ أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط، في زيارة له في برلين في 2005، ليفاجأ أحد الحضور حينها بطلب «عمل تقرير أمني» عن مقابلتنا وكل ما دار فيها من حوار لتسليمه للسفارة، فما كان من زميلنا إلا الرفض والانسحاب هو وزملائه من الجالية التي انهارت فورا بعدها! هذا إلى جانب وجود مشكلة لديه في مفهوم الوطنية الذي كان يدفعه لعدم دعوة مراسلي الصحف المستقلة والمعارضة إلى نشاطات السفارة والاقتصار على مراسلي الصحف الحكومية، هذا إلى جانب السماح بتهديد أبناء الجالية المشاركين في تظاهرة 4 مايو 2008 بالتصوير بالفيديو لينتظرهم أمن الدولة في مطار القاهرة، وحين شاركت فيها عاتبني قائلا: «الجماعة -يقصد موظفي أمن الدولة في السفارة- زعلانين منك، بيقولوا إزاي تكون وطني وتشارك في مظاهرة زي دي»، فأجبته بما خلاصته أنني لا أقبل التشكيك في وطنيتي، ومن يرد أن يجادلني في من هو الوطني ومن هو غير الوطني فأنا على أتم استعداد.
النقطة الأخيرة تتعلق بقرينته السيدة أمل فريد التي تتميز بالنشاط ودماثة الخلق والتواضع، وفي نفس الوقت قوة الشخصية الواضحة، لدرجة قيامها بفصل أحد موظفي السفارة المصرية، بل وصل الأمر لقيامها في عام 2003 بإلغاء لقاء للصحفيين العرب في برلين مع وفد مصري دعته الخارجية الألمانية مكون من الشيخ أحمد الطيب، ود. حسن حنفي، ود. محمد مرسي، والأساتذة فهمي هويدي وأبو العلا ماضي ونبيل عبد الفتاح، وهو ما جعل بعض أعضاء الوفد يتندرون حينها قائلين: «هو إحنا تركنا السيدة الأولى في مصر، لنجد السيدة الأولى هنا؟». وفي النهاية ورغم أن السفير العرابي وقرينته كانا ودودين ويتعاملان باحترام وتواضع مع الجميع، فإن المسألة تتعلق بمصلحة مصر التي دفع الكثيرون أرواحهم لتغييرها للأفضل، وبذا فإن تعيين محمد العرابي أقرب الدبلوماسيين لمبارك، كبديل معاكس تماما للوزير نبيل العربي المعروف بمواقفه الوطنية منذ وقف في وجه السادات في كامب ديفيد وحتى هذه اللحظة يمثل إجابة صارخة تعكس مدى الأزمة التي تعانيها الثورة حاليا).
انتهت رسالة زميلنا وليد الشيخ وما زال سؤال الأمس قائما: كل ده كان ليه؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق